بالغت جماعة الإخوان والمتحالفين معها من تيار الإسلام السياسى المتطرف فى استخدام حق التظاهر بصورة شديدة الفجاجة لفظًا وسلوكًا وتخريبًا وتدميرًا، واستغلوا عدم وجود نص قانونى يمنع وينظم ويحدد، فقانون العقوبات لا يمكن تفعيله إلا بعد حدوث العنف أو التدمير، وليس فيه نص يحقق مبدأ الوقاية خير من العلاج، مما يجعل مهمة الشرطة فى التعامل مع تظاهرات الإخوان، شديدة الصعوبة وتجعل الحد من تخريبهم وعنفهم أو منعه قبل وقوعه يكاد يكون مستحيلاً. وفى جميع دول العالم تقريباً المتقدم والنامى والمتخلف أيضًا قوانين تنظم حق التظاهر، وعقد الاجتماعات والمؤتمرات الجماهيرية، وكلها بلا استثناء تشترط الإخطار المسبق للأجهزة الأمنية، وتحديد الزمان والمكان والهدف من التظاهر؛ كما تشترط الاستجابة الفورية لأجهزة الأمن حين توجههم إلى عدم قطع الطرق أو تعطيل المرور أو استخدام العنف المادى أو اللفظى أو الهتافات المسيئة؛ وتضع عقوبات واضحة ومحددة لمن يخالف نصوص القانون تتراوح بين الغرامة والتعويض الكامل عن الأضرار المادية والأدبية وتصل إلى تطبيق مواد قانون العقوبات التى تنص على عقوبة السجن والأشغال الشاقة، والتى تصل إلى عقوبة الإعدام عند ارتكاب ما يوجب تطبيقها من خلال التظاهر. وبالنسبة لمصر فهناك قوانين قديمة مضادة لحرية التعبير والرأى ومانعة للتظاهر والتجمهر والنشر بشكل لا يتوافق مع الحقوق الديمقراطية، وحرية التعبير صدر بعضها عام 1905، 1913، 1923 وكلها معطلة، ولا يمكن العمل بها ولا تصلح للتطبيق فى القرن الحادى والعشرين، ولا يمكن تفعيلها بعد ثورات عظيمة قام بها الشعب المصرى للحصول على حريته وكرامته. فكان ضروريًا فى الظروف الحالية التى تمر بها مصر التى تعيش حرباً فعلية ضد إرهاب حقيقى يتاجر بالدين ويقتل جنود وضباط الجيش والشرطة بوحشية لا سابقة لها فى تاريخ مصر الممتد فى عمق الزمن ويخرب المنشآت ويقطع الطرق، ويفخخ السيارات ويعطل القطارات ويوقف العملية التعليمية بالجامعات، أن يصدر قانون ينظم حق التظاهر السلمى ويضع العقوبات المناسبة لمن يخرج عليه بشكل معاصر يتسق مع القوانين المشابهة فى كل دول العالم. وصدر قانون تنظيم التظاهر، فاستغل الإخوان وحلفاؤهم مواده التى تهدف إلى الوقاية من أضرار عنف مظاهراتهم لإثارة بعض النشطاء الثوريين من الشباب واستخدامهم للاشتباك مع الشرطة التى لا تملك إلا تطبيق القانون، ويقف الإخوان بعيدًا يشاهدون مسرورين عودة الفوضى، والوقيعة بين الثوار والأجهزة الأمنية بمنطق فليقاتل الثوار بعضهم بعضًا وينهار الجهاز الأمنى مرة أخرى، لكى نضرب ضربتنا القاضية ونستعيد سيطرتنا على الشعب الذى أسقطنا فى 30 يونيو، فهل هذا ما يريده الثوار؟ ! أما اتهام القانون بأنه يعارض الديمقراطية ويقيد الحريات وينتقص من الحق فى حرية التعبير فجميع الدول الديمقراطية فى العالم لديها قوانين تنظم التظاهر فيها من الشروط والقواعد ما هو أشد قسوة وأكثر قيودًا من القانون المصرى، ومع ذلك تتعدد فيها مجالات التعبير الحر الكامل عن الرأى والرؤية داخل إطار قانونى يقى المجتمع من إساءة استخدام هذه الحرية وتصل غرامات المخالفة إلى ملايين الدولارات واليوروهات والجنيهات فى الولاياتالمتحدة وكل الدول الأوروبية، لمجرد التجاوز اللفظى أو القذف الشخصى أو إهانة مؤسسات الدولة أو جيشها أو علمها، أما استخدام أبسط أنواع العنف المادى فيواجه بقسوة بالغة حاسمة من أجهزة الأمن، وهو ما حدث فى فرنسا وبريطانيا والولاياتالمتحدة من خلال احتجاجات متفرقة خلال الشهور الأخيرة. ولكنى أعترض على السلوك الشرطى مؤخرًا مع الشباب فى ميدان طلعت حرب بالقاهرة وفى ساحة القيادة البحرية بالإسكندرية، فالقانون الجديد خاصة بعد ثورتين كانت المظاهرات الحاشدة سلاحها للتغيير، كان ينبغى التدرج فى تطبيق القانون ومحاولة تفعيل روح القانون قبل نصوصه، والصبر على الشباب الثائر، والتمييز بين المحرض والمتعاطف والمخدوع بحيث يستخدم الحسم مع المحرضين والحوار مع المتعاطفين وتنوير المخدوعين وأن تقوم الحكومة بحملة إعلامية لشرح بنود القانون وبيان ضرورته للمرحلة واستعادة الحشد الشعبى والرأى العام، إلى جانب تفعيله والاستجابة لما يطلب من تعديلات لا تضر بجوهره أو هدفه وتحقق بعض مطالب شباب الثورة إلى جانب تعميق قيم الوطنية والانتماء وغرس الثقة بين الشعب وحكومته، والإسراع بالانتهاء من صياغة الدستور وتحديد مواعيد لخطوات خارطة الطريق إلى الديمقراطية، لاستكمال مؤسسات السلطات التشريعية والتنفيذية. كما أن واجب الإعلام فى هذه الفترة الحاسمة من تاريخ مصر أن يخفف من انتقاداته القاسية لحكومة الفترة الانتقالية التأسيسية ويدعمها لاستكمال أهدافها وأن يكون نقده بناء وداعمًا وليس قاسيًا ولا ساخرًا ولا هدامًا ولا انتقاميًا أو مصفيًا لحسابات، فالإعلام من أهم الوسائل المؤثرة التى نحتاج المرحلة الحالية إلى دعمها وموضوعيتها وحيادها، لكى تنتصر مصر على الإرهاب والمؤامرات التى تستهدف تدميرها، وتسير فى طريق الحرية والديمقراطية بوحدة شعبها وجيشها وشرطتها وبوضوح أهداف أحزابها وسياسييها وإبداع مثقفيها وعلمائها وطهارة ونزاهة قضائها وجهد وإنتاج فلاحيها وعمالها إنها مصر بارك الله فيها، وطن يعيش فينا، فلا تمزقوه، أرض نعشقها فلا تخربوها، جيش يضحى بدمه فى سبيلها فلا تخذلوه، وأنا واثقة أن المشاعر الوطنية سوف تنتصر على دعاوى الفوضى والتمزيق والإرهاب، فهذا الشعب يعرف طريقه وسوف يسير فيه ويضحى بكل غالٍ ونفيس، لتستعيد مصر قوتها وتمارس دورها المستحق فى تقدم الإنسانية.