كم أثلج صدرى قرار العقيد معمر القذافى بعدم تنفيذ حكم الإعدام فى المجموعة المصرية المتهمة بالقتل هناك، كما أنة لا ريب فى أن هذا القرار أقر أعين أمهات وأدخل الفرحة على قلوب زوجات وملا الحبور قلوب أطفال هم أسر تلك المجموعة المحكوم عليها بالإعدام.. ولعل لى فرحة شخصية بالأمر كون هذا القرار بعدم تنفيذ حكم الإعدام جاء فى أعقاب مناشدة منى لسيادة العقيد، وكان طلبى محل قبول كم كان سالفه محل قبول فى العام 2007، وتم إلغاء حكمين بالإعدام جراء مناشدتى لسيادته أيضا. ولم يكن ذلك نصرا أو مغنما شخصيا لى فأنا لست سياسيا كما أنى لست مقيما فى المنطقة العربية، وبالتالى فمن الممكن أن يحقق لى مثل هذا الصنيع رواجا ولكنى تدخلت بدافع مصريتى التى ترافقنى أينما رحلت فى فضاء الكون الفسيح فأحس بها تدفئنى وأنا فى باريس وتؤمنى وأنا فى نيويورك وتنير لى الدرب الضبابى وأنا فى لندن وكأنى بها قبلة تهدى من إليها توجه. وليس فى هذه السطور إلا سرد لحقائق يتخللها مجموعة من الأسئلة التى يجب أن يكون هناك عليها ردود. هناك حقيقة ربما يلمسها من خرج من مصر لأى دولة فى العالم أكثر ممن لم يسبق له السفر خارجها، هذه الحقيقة هى أن البعثات المصرية بالخارج هى من البعثات التى عادة لا تعير مواطنيها اهتماما يذكر، وإذا كنا نحن أبناء مصر فى الخارج نلمس ذلك متمثلا فى إهمال شديد من السادة السفراء والقناصل والملحقين بمختلف تخصصاتهم، فإن المقيمين فى مصر من المؤكد أنهم يشعرون بذلك بين الحين والآخر فى التغطيات الإعلامية، وأمثلة ذلك لو استفضنا فيها لاحتجنا إلى آلاف المجلدات لذكرها، ولكن كلنا يعرف كيف تعاملت وزارة الخارجية متمثلة فى سفارة مصر فى ألمانيا مع حادث مقتل مروة الشربينى، كما سمعنا عن أزمة الطبيبين المصريين فى السعودية واللذين ينفذ فيهما حكما بالجلد لا يقبله أى مستوى ولو متدنٍ من الآدمية، كما سمعنا عن طريقة تعامل سفير مصر وموظفيه بباريس مع قضية الشاب الذى سقط ميتا من الطائرة فوق إحدى ضواحى باريس.. كما أن القضية التى بين يدينا الآن هى تتويج لأعمال أو بالأحرى عدم عمل المختصين والمعينين لهذا النوع من العمل. والسؤال الذى يطل برأسه هنا هو سؤال مركب.. من ومتى ولماذا؟ من أرسى هذه السياسة غير الآدمية وهل هى نتيجة هواننا كمجتمع فى الداخل فانعكس ذلك على أحوالنا فى الخارج؟ أم أنها –كما يمكن أن يتشدق بذلك أحدهم- هى مجرد أخطاء فردية من موظفين؟ متى بدأت هذه السياسة لدى بعثاتنا فى الخارج؟ ألم يكن المصرى فى الأربعينيات من القرن المنصرم وبشهادة عميد الدبلوماسية الأسبق الدكتور عصمت عبد المجيد هو محل انتباه من شعوب العالم لغلوه ورفعته، وذلك فى سرده لأحد مراحل حياته وهى دراسته فى باريس فى الأربعينيات القرن العشرين؟ لماذا وما هو الهدف من تلك السياسة المعوجة؟ عندما نشرت جريدة اليوم السابع مقالتى السابقة والتى كانت عبارة عن مناشدة للإخوة فى ليبيا بفك كربة أخوانهم المصريين، فى تلك الأعقاب مباشرة اتصل بى أحد الأصدقاء وحدثنى ساعة كاملة خرجت منها بنتيجة مؤداها أن خارجيتنا المنهمكة فى تأمين الإفراج بل وترتيب الاحتفال بعيد ميلاد الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط لها وجهة نظر أخرى إزاء قضية المصريين فى ليبيا كونهم أولاد أشقياء لا يستحقون عناء ذكرهم فى أى اجتماع، فضلا عن تكوين وفد للسفر لتأمين الإفراج عنهم. وهنا يطل سؤال آخر ليفرض نفسه على السيد وزير الخارجية ومعه موظفوه.. إن كنتم لا تعيرون شعبكم أى اهتمام ولا تعرفون طبيعة مهام عملكم ولأى سبب أنتم فى هذه الأماكن وتنصرفون عن قضايا شباب مصر الذين تجتز رقابهم لترتبوا عيد ميلاد جندى إسرائيلى وقع فى يد أصحاب الأرض أثناء اقترافه أبشع صور الجرائم فى القانون الدولى والإنسانى بل والمصرى.. ألم تروا كيف سافر رئيس الولاياتالمتحدة بيل كلينتون إلى كوريا لتأمين الإفراج عن اثنين من رعاياه فتتعلمون منه؟ ألم تقرأوا التاريخ لتعرفوا أنكم مغادرون هذه الأماكن يوما ولكن فى حياة الفرد يبقى عمله جواز مروره بين أطياف الشعب والعالم وبعد انتهاء الحياة فإن التاريخ يضع اسم الإنسان جوار أعماله فى الميزان ويحمله ما عليه كما يحمل ذريته من بعده؟