اندهشت من كم الذعر والهلع الذى أصاب بعض المسؤولين الحكوميين المصريين بعد تغيير الإدارة الأمريكية لبعض بنود التمويل الأمريكى للجيش المصرى أو المعونة العسكرية كما يطلق عليها، فالمفترض أن تسعى الحكومة والسلطة المصرية للتخلص من المعونة والتمويل الأمريكى وليس البكاء على فقدانها كما شاهدنا وسمعنا تصريحات المسؤولين الحكوميين المصريين. وللمعونة الأمريكية والأوروبية والآسيوية والعربية شأن كبير لدى الأنظمة المصرية المتعاقبة، فمنذ فترة حكم مبارك ثم المجلس العسكرى ثم مرسى ثم النظام المؤقت الجديد ونحن دولة تعيش على المعونات والتمويلات الأجنبية. وللمعونة الأجنبية وللتمويلات الأجنبية تاريخ طويل فى مصر، فمنذ معاهدة السلام مع إسرائيل ومصر «كدولة» تحصل على معونات وتمويل أجنبى بأشكال عديدة، والجزء الأكبر للمعونة والتمويل الأمريكى يتم توجيهه للجيش المصرى كتسليح وتدريب أمريكى وقطع غيار، والجزء الثانى يتم توجيهه للحكومة المصرية فى شكل دعم مشروعات تعليم وصحة وشبكات صرف صحى وأيضا تدريب لبعض الهيئات والمؤسسات من ضمنها المؤسسة القضائية المصرية، والجزء الأقل من المعونة يتم إنفاقه فى مجال المجتمع المدنى تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية، ومن يخالف القانون أو يعمل بدون ترخيص يتم طرده من مصر كما حدث فى قضية التمويل الأجنبى الشهيرة منذ عامين تقريبا. هذا بالإضافة للمعونات والتمويلات الأوروبية والآسيوية ومؤخرا العربية، وهى تأتى للحكومة المصرية ضمن اتفاقيات دولية سابقة أو معاهدات دولية. أما بالنسبة للإدارة الأمريكية فهى بالطبع لديها مصالح استراتيجية «شأنها شأن باقى الدول» ولذلك تجد الإدارات الأمريكية المتعاقبة حريصة على تقوية العلاقات مع الأنظمة الحاكمة فى مصر، مبارك، المجلس العسكرى، مرسى، النظام المؤقت. ولكن الآن أمريكا تعانى من أزمات مالية، وهناك مطالبات داخلية لترشيد المعونات التى يدفعها المواطن الأمريكى دافع الضرائب، وقد كان. أنا عن نفسى أرى أنه يجب على مصر كحكومة وشعب وجيش أن يبادروا بالتخلى عن أى تمويل ومعونات أجنبية، فكيف يأخذ جيشنا المصرى تمويلا من أمريكا وسلاحا من أمريكا وتدريبا فى أمريكا. وكيف تعيش حكومتنا على التمويل والمساعدات فى مجال التعليم والصحة والصرف الصحى والمياه، بل أيضا هناك برامج أمريكية لتدريب القضاة المصريين تعمل منذ سنوات. أوقفوا كل هذا قبل أن تتحدثوا عن الاستقلال الوطنى ورفض التمويل الأجنبى، فالجيش والحكومة من أكثر مستهلكى التمويل الأجنبى. وليس الحل هو استبدال التمويل الأمريكى للحكومة بتمويل آخر، فطبقا للنظرية المؤامراتية المصرية الشهيرة، كلهم عايزين مصالحهم، وهذا صحيح ويجب أن ننتبه، فكل دولة لها مصالح وأطماع سياسية وليست أمريكا فقط. الحل هو التركيز على الاكتفاء الذاتى وأن تتوقف الدولة المصرية عن قبول منح وتمويلات ومعونات وتدريبات من أى دولة أخرى صديقة أو عدوة، ويجب التوقف عن الشعارات والتخوين وأن نبحث عن بدائل حقيقية لجعل مصر دولة مستقلة وليس دولة عايشة على المعونات والمساعدات.