اعتبر الأستاذ فهمى هويدى، فى مقاله المنشور اليوم فى صحيفة "الشروق"، زيارة الرئيس حسنى مبارك لواشنطن تاريخية استناداً إلى ما قاله الرئيس فى حواره مع المذيع الأمريكى الشهير تشارلى روز لقناة "بى.بى.إس"، خاصة كما ذكر هويدى "حين سئل عما إذا كان سيرشح نفسه لرئاسة جديدة، كان رده إنه مشغول بإكمال برنامجه الانتخابى، ولا يفكر لا فى أن يحدد أو لا يحدد، ولا يفكر فيمن سيأتى بعده". وحين سئل عن توريث ابنه جمال، قال إنه لم يفاتحه فى الموضوع ولم يناقش الأمر معه، ولا يفكر فى أن يكون ابنه خلفاً له. وحين سئل عما إذا كان يعتبر وجود الإخوان أمراً مفيداً لمصر؟ رد الرئيس قائلاً: طالما أنهم لم يقوموا بأى أعمال إرهابية، فإن أمرهم لا يعنيه فى شىء". وهذا كلام بالطبع فى غاية الأهمية لكن هناك موضوعات أخرى تحدث فيها الرئيس للمرة الأولى، خاصة حين قال إن مصر بلد مستقر وسيظل مستقراً بعد مبارك وبعد الرجل الذى سيلى مبارك. وعما يشاع من أنه لن يأتى زعيم لمصر لا ترضى عنه المؤسسة العسكرية، قال مبارك: "ربما.. وربما يتغير ذلك لاحقا، حيث لا يعلم أحد من سيأتى"، وأشار إلى أنه لا يتفق مع ما يقال من أنه لن يكون هناك رئيس لمصر لا يحظى برضا المؤسسة العسكرية. وإذا كان الأستاذ فهمى هويدى اعتبر الزيارة تاريخية بسبب ما جاء فى الحوار، فإننى أعتبر الحوار فى غاية الأهمية، وربما من أهم الحوارات التى أجريت مع الرئيس مبارك منذ سنوات، ليس بسبب موضوع التوريث والمستقبل السياسى لنجله جمال مبارك، فهذا الموضوع سبق للرئيس الحديث فيه أكثر من مرة لوسائل الإعلام الأجنبية، وإنما لتطرقه ولو بشكل غير مباشر لقضيتين فى غاية الأهمية، وهما علاقة الإخوان بالعمل العام، والثانى عن علاقة المؤسسة العسكرية بالعمل السياسى. وفى تصورى، إن حديث الرئيس عن الإخوان به بعض المرونة لم تكن بادية من قبل "إذا لم يقوموا بأعمال إرهابية فإن أمرهم لا يعنينى"، وقد تكون هذه رسالة غير مباشرة للإخوان، لمراجعة أنفسهم وفصل العمل الدعوى عن السياسى، وعندها قد يكون لكل حادث حديث. أما الموضوع الأخطر، فهو رضى المؤسسة العسكرية عن من يحكم مصر، ونظراً لأن الرؤساء الأربعة الذين حكموا مصر جاءوا من الجيش فقد تولد انطباع لدى الناس بأن أى رئيس لمصر يجب أن يكون من المؤسسة العسكرية، وفى تصورى أن هذه الرؤية تجاوزها الزمن، فالجيش مؤسسة وطنية، لا تتدخل فى السياسة، وتقتصر مهامها على حماية الوطن من الأخطار الخارجية، والمساهمة فى عجلة التنمية فى وقت السلم. وأتصور أن تعبير رضا المؤسسة العسكرية عمن يحكم البلد، مقصود به أن هذا الرضا نابع من رضا المواطنين واقتناعهم، فمن يأتى به الشعب عبر صناديق الاقتراع، ويحظى برضا الناس يتمتع بالضرورة بدعم الجيش، لأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة. فى حوار الرئيس مبارك مع محطة "بى بى إس" الأمريكية الكثير من القضايا والموضوعات، التى كانت من قبل تصنف باعتبارها من الخطوط الحمراء التى لا يقترب منها الكثيرون، لكن حين يفتحها الرئيس بهذا الوضوح، فهذا يعنى انفتاحاً كبيراً من القيادة السياسية نتمنى أن ينتقل إلى المستويات الأقل فى هرم السلطة.