حلم يراودنى كل يوم.. يسيطر على أعصابى يحرمنى حتى من استنشاق نسمات النعاس فى هدوء.. سكين.. ودماء تغرق يدى.. صراخ يأتينى من بعيد وصوت امرأة أعرفها يعبث بحواسى.. يحولنى إلى جسد خال من الحياة. أبكى بعنف جنونى.. أمد يدى لأمسح دموعى فلا أجدها.. عيناى جافتان كأنهما لم يعرفا للبكاء طريقاً منذ أمد بعيد. أفركهما لعلنى مازلت نائمة.. فى كابوسى الممتد. أشعر بعطش يتسرب إلى أعماقى فلا تكفى كل زجاجات المياه لإطفائه. تنادينى ابنتى: جدتى عايزانى اشترى لها الدوا وبتقولك إدينى الفلوس. كم أمقت تلك المرأة.. تبخل حتى على نفسها. لا أعرف إلى متى ستظل تدس أموالها تحت وسادتها التى انتفخت من كثرة ما يملؤها؟ مات والدى ومازالت تشتكى! عندما كان حياً يرزق وصفته بالبخيل.. جعلتنا نكرهه.. صورته لنا أنا وأخى كالوحش الكاسر لا تعرف الرحمة مكاناً فى قلبه.. سربت سمها إلى عروقنا البريئة لنتمنى موته اليوم قبل غد.. حتى مات ولم يجد لمسة حانية منى، ولا حتى حضنا دافئا يعوض سنوات غربته عنا فى بلاد الخليج. مات أبى واسمى مازال رطباً على شفتيه ينادينى «سامية» نفسى أشوفك قبل ما أموت.. عذبنى كثيراً ما أدركته بعدها بسنوات كم كان رقيقاً حانياً.. لم تعرف يداه هوى جمع المال.. كان زاهداً.. أما هى.. أمى هذه المرأة الثعبان.. كانت تمنعه من الاستمتاع حتى بتعب سنواته الخمسة عشر.. كله علشان الولاد. أياما وليالى قضتها والدتنا تخفى عنا حقيقة ميراثنا من أبينا.. حاولت إقناعنا أنه أنفق آخر مليم فى حياته.. كيف نصدقها ووالدنا لم تكن له نزوات نسائية.. أو حتى فضول لإدمان أى نوع من المشروبات.. كاذبة.. شفتاها لا تخرج إلا كذباً! وقلبها لا يعرف رائحة الشفقة.. هى تدرك أن زوجى مات عنى منذ سنوات وأنا فى أمس الحاجة إلى كل قرش.. لم يؤرقها بكائى ليالى طويلة خوفاً من غد قادم بلا دخل وأنا بمفردى لا أملك من حطام الدنيا سوى ثلاث بنات فى عمر الزهور ومعاش لا يكفى إلا الفتات. كلمتها كثيراً.. توسلت بين يديها.. قبلت قدميها أن ترحم ضعفى وقلة حيلتى.. فميراثى من أبى هو ملاذى الوحيد، لكنها بدت لى كحجر أصم لا يعرف للكلمات معنى. أشاحت بوجهها عنى ودموعى مازالت تبلل جلبابها «قومى سيبينى عايزه أنام». تجمعت أطياف الشر فى رأسى.. وتسلل الخوف إلى قلبى.. وتحول ضعفى إلى بركان فاض.. وهان وقتها كل شىء. هانت علىّ أمى.. مثلما هنت عليها وهانت على الدنيا فلم يعد لوجودى معنى ولا فائدة. لا أعرف كيف ضربتها بكل ما أوتيت من قوة لم أتركها إلا جثة هامدة.. قتلتها بعد أن قتلتنى، نظرت إلى الدماء التى ملأت يدى وبلاط حجرتها.. وملابسى.. صرخت.. ثم ضحكت حلمى تحقق.