يمثل أحد اكتشافات الغاز فى منطقة دلتا نهر النيل دليلا جديدا قويا على أن مصر تملك الموارد التى تمكنها من التغلب على انقطاع الكهرباء وتحقيق إيرادات من التصدير مجددا" لكن التحدى هو إقناع شركات الطاقة العالمية القلقة بتطوير تلك الموارد. وقد أعلنت شركة بى.بى البريطانية فى التاسع من سبتمبر أيلول أنها اكتشفت الهيدروكربونات فى تكوين جيولوجى طوله 50 كيلومترا من خلال بئر يبلغ عمقها سبعة كيلومترات هى أعمق بئر تم حفرها فى الدلتا. وقدرت الشركة احتياطيات بئر "سلامات" بنحو 1.2 تريليون قدم مكعبة من الغاز أو أكثر، وهذه البئر وحدها لن تؤدى إلى انفراج أزمة الطاقة فى مصر أو انعاش الصادرات. لكن باعتبارها واحدة من آبار قليلة تم حفرها فى صخور الطبقة الأوليجوسينية فى دلتا النيل فإنها تنبئ بوجود تكوينات غنية جدا فى هذه الأعماق السحيقة. وقال مارتن مرفى المحلل لدى شركة وود ماكينزى "المهم فى هذا الاكتشاف أن تكلفة الحفر كانت باهظة إذ بلغت 380 مليون دولار، لكن بالرغم من التكلفة المرتفعة يبدو أن بى.بى تثق فى الفرص الموجودة على أعماق أبعد من ذلك". ويكلف تطوير اكتشافات الغاز فى المياه العميقة مبالغ ضخمة وخلافا للنفط لا يجرى تطويرها بدون سوق مضمونة وسعر متفق عليه، وبسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية فى مصر على مدى العامين الماضيين ضعفت قدرة البلاد على عرض سعر جيد كما تراجعت ثقة المستثمرين فى قدرتها على الدفع. علاوة على ذلك لم يعد المستثمرون فى قطاع الطاقة يتحملون الاستثمارات التى تنطوى على مخاطر سياسية كما كانوا فى السابق بصرف النظر عن الاضطرابات السياسية التى بدأت فى مصر قبل أكثر من عامين. ويرجع ذلك جزئيا إلى غموض التوقعات بشأن الأسعار وتضخم التكاليف على مدى السنوات القليلة الماضية ويسرى بشكل خاص على المستثمرين الأمريكيين الذين يرون فرصا هائلة فى الموارد غير التقليدية فى بلادهم. ومن أدلة هذا التغير بيع شركة أباتشى كورب الأمريكية لحصة تبلغ 30% فى أصل نفطى متميز فى مصر الشهر الماضى لشركة سينوبك الصينية الحكومية. وتدين مصر بنحو ستة مليارات دولار لشركات تعمل فى مشروعات للطاقة داخل البلاد وهو ما يعادل مدفوعات ستة أشهر وأكثر فى بعض الحالات. ونتيجة لذلك يواجه المستثمرون على المدى الطويل مثل شركة بى.جى البريطانية أسئلة صعبة من المساهمين إذ أن مصر - التى تنتج منها بى.جى 15% من إجمالى إنتاج الشركة - تجد صعوبة فى دفع هذه المبالغ. ولم تفلح محاولات بى.جى لتعزيز الإنتاج من إحدى الآبار هذا العام عن طريق زيادة الضغط إلا فى ضخ مزيد من المياه، ويتعين حفر آبار جديدة بوتيرة منتظمة فى الحقول الأكثر نضجا، وقد تأخرت أحدث مرحلة لأعمال الحفر فى مشروع الشركة فى المياه العميقة بغرب الدلتا عن الجدول الزمنى المقرر. وكل تلك المشكلات هى أمور معتادة فى قطاع النفط والغاز لكنها تضخمت فى أعين المستثمرين بسبب انعدام الاستقرار فى مصر. وقد توصلت بى.بى قبل أكثر من عام إلى اكتشاف آخر فى المياه العميقة أطلقت عليه اسم ساتيس ولم تتخذ أى خطوة بشأنه منذ ذلك الوقت. وقال مصدر من بى.بى "سلامات اكتشاف رائع أيضا لكن إلى حين الاتفاق مع الحكومة سيظل مجرد حفرة فى الأرض". وينظر العديد من شركات النفط الغربية العاملة فى مصر إلى وزير البترول المصرى الجديد شريف إسماعيل على أنه قادر على تسهيل ظروف عملها. وقال إسماعيل فى الأول من سبتمبر إنه يعمل على إعداد جدول لسداد مستحقات الشركات. وتعرض مصر أيضا أسعارا أعلى فى الجولات الأخيرة لعقود المشاركة فى الإنتاج. وتقول شركة وود ماكينزى إن مشروعات مثل التمساح - الذى قد يتم إلحاق بئر سلامات به فى نهاية المطاف - تحصل على أسعار فوق خمسة دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية وهو ما يزيد دولارا أو أكثر على ما كانت الشركات تحصل عليه قبل عامين.