تشهد مناطق فى شمال العراق نزاعًا متجددًا بين تنظيم "الدولة الإسلامية فى العراق والشام"، الفرع العراقى لتنظيم القاعدة، وجماعة "أنصار الإسلام"، إحدى أقدم الجماعات الجهادية، مما يهدد بزيادة الوضع الأمنى فى البلاد تعقيدًا. وتحولت الخلافات والتوترات التى نشبت بين التنظيمين اللذين يتشاطران مناطق نفوذ، خصوصًا فى كركوك والموصل، إلى عمليات قتل متبادلة بعد اغتيال ستة من أبرز قيادات القاعدة واتهام "أنصار الإسلام" بذلك. و"أنصار الإسلام" جماعة متطرفة غالبية عناصرها من الأكراد، وقد أعلنت على مدى السنوات الماضية مسئوليتها عن عدد من التفجيرات التى استهدفت مسئولين أكراد وعراقيين والقوات الأمريكية قبيل انسحابها نهاية 2011. وفيما تأسست جماعة أنصار الإسلام فى ديسمبر 2001 وورد اسمها على اللائحة الأمريكية للمنظمات الإرهابية، ظهر تنظيم "دولة العراق الإسلامية" فى 2006 فى العراق، وهدفه الأول كان ولا يزال إقامة دولة الخلافة الإسلامية فى المناطق التى تسكنها غالبية من السنة فى العراق. وتأسس التنظيم بشكله الحالى على يد الأردنى أبو مصعب الزرقاوى الذى قتل بغارة أمريكية فى يونيو 2006، بعدما تمكن من السيطرة على مناطق كبيرة فى غرب وشمال العراق. وهذا التنظيم هو الأكثر قدرة بين المجموعات المسلحة المتطرفة فى العراق، حيث يتبنى معظم أعمال العنف التى غالبًا ما تستهدف القوات الأمنية والمناطق التى تسكنها غالبية من الشيعة. وتتلقى "أنصار الإسلام" دعمًا من تنظيمى "أنصار السنة" و"جيش الطريقة النقشبندية"، وهما تنظيمان متمردان يتمتعان بنفوذ واسع فى منطقة كركوك الغنية بالنفط والمتنازع عليها بين العرب والأكراد والتركمان، وفقًا لمصادر عشائرية فى كركوك. وبحسب مواقع جهادية، فإن الخلاف بين الطرفين رفع إلى أمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى، بينما يطالب البعض بالتكتم على الخلافات، لكى لا يطلع عليها "أعداء المشروع الجهادى". وعمل التنظيمان ضد قوات الأمن العراقية إثر التقارب الأيديولوجى بينهما، لكن "أنصار الإسلام" شكت مؤخرًا من "شدة تطرف قيادات القاعدة"، بحسب بيانات نشرت على مواقع تعنى بأخبار الجهاديين. وقال حامد المطلك، عضو لجنة الأمن والدفاع فى مجلس النواب العراقى، إن "التناحر بين المجموعتين صراع على الأرض والنفوذ والسلطة بينهما". وأضاف "هذا التناحر يزيد الوضع الأمنى فى العراق تعقيدًا، لكن التصفيات بين الطرفين يمكن أن تؤدى إلى إضعاف نفوذهما". من جهته، أكد مسئول أمنى، أن الصراع "يتركز ضمن مناطق عشائرية فى كركوك وجبال حمرين وخصوصًا الموصل المضطربة، حيث يتقاضى الطرفان إتاوات من التجار". وتعرضت "أنصار الإسلام" لضربة أمريكية ربيع العام 2003 إبان غزو العراق، وهو تنظيم أقل نشاطًا على الأرض "لكنه يعمل بسرية أكبر، ويتمتع بحواضن أكثر أمنًا فى مناطقه ذات الطابع العشائرى، مما يمكنه من الوصول إلى قادة القاعدة بسهولة"، وفقًا للمسئول الأمنى. وقتل مسلحون من "أنصار الإسلام" زعيم الساحل الأيسر من نهر دجلة فى الموصل (350 كلم شمال بغداد) فى آخر سلسلة عمليات التصفية الجارية منذ أكثر من شهرين، حسبما أفاد مصدر أمنى. وأوضحت مصادر عشائرية، أن "جلسة صلح بين أنصار الإسلام والقاعدة جرت لتهدئة الأوضاع، لكنها باءت بالفشل إثر مطالبة القاعدة برؤوس أربعة من قيادات الأنصار". والتوتر مرده فى بادئ الأمر اتهام جماعة أنصار الإسلام القاعدة باغتيال قائدها العسكرى هانى الأنصارى فى الموصل، وسرعان ما ردت على "الدولة الإسلامية" بقتل سبعة من قياداتها. وأكدت الجماعة فى بيان مؤخرًا نشر على مواقع جهادية، أن "دولة العراق الإسلامية وفى كثير من الأحيان ينفلت زمام التصعيد عندهم نتيجة تعدد مصادر القرار لديهم"، وطالبت ب"محاكمة القتلة"، رافضة "التنازل عن الدماء المعصومة". وقد تدخلت بعض التيارات الجهادية من أجل هدنة بين الطرفين، لكن نزاعًا داميًا اندلع مجددًا، بعدما تمكن "أنصار الإسلام" من قتل ستة من قيادات القاعدة، بينهم قائد منطقة الرشاد قرب كركوك بعبوة ناسفة. ووقعت العملية إثر مقتل قائد صحوة الرشاد، وهو ابن عم أمير جماعة أنصار الإسلام الذى تمكن بعدها من تفجير عبوة بموكب يقل تسعة من قيادات القاعدة، ما أسفر عن مقتل ستة منهم، وجميعهم هاربون من السجون العراقية، وفقًا لمصادر أمنية. ويرى مراقبون، أنه رغم ازدياد نشاط القاعدة فى الفترة الأخيرة فى العراق بعد فرار أعداد كبيرة من قياداتها من السجون، فان فتح جبهة فى هذه المناطق قد يؤدى إلى تشتت جهود هذا التنظيم وقطع طريق إمداداته الذى يمر عبر الموصل إلى سوريا.