وزير العمل يعلن إيقاف نشاط "فاست كنترول" لإلحاق العمالة بالخارج ببني سويف    القومي للمرأة ينظم ورشة بعنوان الذكاء الاصطناعي مع أو ضد العنف السيبراني    وزارة العمل تقدم وظائف جديدة فى الضبعة بمرتبات تصل ل40 ألف جنيه مع إقامة كاملة بالوجبات    الاهتمام بالخدمة الكنسية بالخارج.. البابا تواضروس يستقبل أسقف إيبارشية برمنجهام    محافظ بني سويف يناقش جهود ونتائج 28 زيارة للتفتيش المالي والإداري بالمصالح الحكومية    سعر الذهب اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025.. عيار 24 ب6428 جنيهًا    قطع المياه لمدة 8 ساعات غدا السبت عن 3 قرى في بني سويف    كيف تحصل على شهادة المخالفات المرورية الإلكترونية.. خطوة بخطوة    بيان هندي روسي مشترك: ندعو إلى ضبط النفس واحترام حقوق الإنسان في الشرق الأوسط    القاهرة الإخبارية: القنيطرة تشهد تصعيدًا إسرائيليًا مع قصف مدفعي وتوغلات يومية    واشنطن ترفع عقوبات عن شركة روسية وماكرون يحذر من خيانة    إيران تتراجع عن المقاطعة وتعلن حضور قرعة كأس العالم 2026    رابط مشاهدة مباراة عمان والمغرب اليوم في كأس العرب 2025.. موعد ناري وحسابات معقدة في المجموعة الثانية    منافس مصر.. الإمارات أغلى منتخبات بطولة كأس العرب 2025    سلوت يتحدث عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء    العثور على جثة طفلة مجهولة الهوية في الترعة الإبراهيمية بالمنيا    بعد انقطاع خدمات Cloudflare.. تعطل فى موقع Downdetector لتتبع الأعطال التقنية    «الداخلية» تواصل حملاتها لضبط الأسواق والتصدى لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    حريق مصعد عقار بطنطا وإصابة 6 أشخاص    «البريد» يكشف تفاصيل إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية    "قبل ساعة الاستجابة.. دعوات وأمنيات ترتفع إلى السماء في يوم الجمعة"    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    ننشر الحصر العددي لنتائج انتخابات مجلس النواب في الدائرة الأولى بالبحيرة    "البحوث الزراعية" يوقع بروتوكول تعاون مع "الاتحاد الأوروبي" لتدريب 400 ألف مزارع قمح    رمضان 2025| كريم عفيفي ينضم ل "قبل وبعد"    صلاح مصدق يعود للمغرب بعد فسخ عقده مع الزمالك    اليوم العالمي للتطوع يشعل طاقات الشباب 35 ألف متطوع بصندوق مكافحة الإدمان يقودون معركة الوعي ضد المخدرات في كل محافظات مصر    الفيلم اللبناني Suspension بمهرجان القاهرة للفيلم القصير بعرضه العالمي الأول    بعد وفاته، 5 معلومات عن عازف الكمان قيس جمعة    طليق بوسي تريند البشعة: لم أشارك في أي جلسات لإثبات براءتها    وسام أبو علي: نسعى للفوز على سوريا وسأبقى مع فلسطين حتى النهاية    نجل البرغوثي يكشف تعرض والده لكسور بالضلوع وقطع بالأذن في سجون الاحتلال    العثور على جثة طفلة مجهولة الهوية بالترعة الإبراهيمية فى سمالوط بالمنيا    محافظ كفر الشيخ: افتتاح مسجد عباد الرحمن ببيلا | صور    الأهلي يلتقي «جمعية الأصدقاء الإيفواري» في افتتاح بطولة إفريقيا لكرة السلة سيدات    لقاءات ثنائية مكثفة لكبار قادة القوات المسلحة على هامش معرض إيديكس    منال عوض تؤكد: وزراء البحر المتوسط يجددون التزامهم بحماية البيئة البحرية والساحلي    تحرير 32 محضر مخالفات تموينية بكفر الشيخ    محافظ الجيزة: توريد 20 ماكينة غسيل كلوي ل5 مستشفيات بالمحافظة    قافلة طبية بقرية أبو عدوي في دمياط تقدم خدمات مجانية لأكثر من ألف مواطن    وكيل تعليم القاهرة تشارك بفعاليات لقاء قيادات التعليم ضمن مشروع "مدارس مرحبة ومتطورة"    خرست ألسنتكم داخل حناجركم    تفاصيل القصة الكاملة لأزمة ميادة الحناوى وحقيقة لجوئها ل AI    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    بعد إطلاق فيلم "أصلك مستقبلك".. مكتبة الإسكندرية: كل أثر هو جذر من شجرتنا الطيبة    مصر ترحب باتفاقات السلام والازدهار بين الكونغو الديمقراطية ورواندا الموقعة في واشنطن    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    إعلام إسرائيلي: انتحار ضابط في لواء جفعاتي بسبب مشكلات نفسية    طارق الشناوي: الهجوم على منى زكي في إعلان فيلم الست تجاوز الحدود    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    30 دقيقة تأخير على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الجمعة 5 ديسمبر 2025    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    رئيس هيئة الدواء يختتم برنامج "Future Fighters" ويشيد بدور الطلاب في مكافحة مقاومة المضادات الحيوية وتعزيز الأمن الدوائي    ميلان يودع كأس إيطاليا على يد لاتسيو    بشير عبد الفتاح ل كلمة أخيرة: الناخب المصري يعاني إرهاقا سياسيا منذ 2011    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل الشعر ضرورة أم ترف؟
الناقد أحمد حسن عوض يكتب..
نشر في اليوم السابع يوم 24 - 07 - 2009

يرى كثير من الناس أن الشعر ترفٌ مجانى يمارسه الإنسان فى أوقات فراغه وصفائه الروحاني، وينسحب هذا الأمر أيضًا على بعض متذوقى الشعر ممن ينشدون الجمال فى الأشكال الشعرية المختلفة، التى تتمتع بروعة الصياغة وطرافة الأساليب بحيث يكون كل هدفها أن تهدهد مشاعرهم الساكنة المطمئنة وتدغدغ أجسادهم المستريحة، وهذه النفوس الهادئة ترى أن الشعر بخاصة والفن بعامة نوع من "الكماليات"، أو الرفاهية التى يستمرئها من لهم فائض فى أموالهم أو أوقاتهم أو من ركنوا إلى لون من "الكسل العقلي" فى الحياة أو من كانوا على النقيض، فاستبدلوا الشعر بالحياة، ووجدوا ضالتهم المنشودة فيه كنوع من التعويض عن الإخفاق فى اللحاق بقطارها السريع، فكان الشعر مجرد مشجبٍ يعلقون عليه أحلامهم المطوية، أو تيارًا كهربائيًا يصلون به مصابيحهم المطفئة.. والحق أن هذه التصورات لا تعيب الشعر فى شيء إنما تعيب تلك النفوس الكسولة والأرواح الخاملة، فالشعر الحقيقى هو الذى يمد الإنسان بدفعة الحياة المستمرة وجذوة الروح المشتعلة. لا أظن أن إنسانًا يؤمن بالشعر إيمانًا حقيقيًا واعيًا ناضجًا يمكنه أن يتنكب عن خطى النجاح والتفوق فى مختلف مجالات الحياة؛ ذلك الإنسان السليم الذى تتكامل فيه الملكات الإنسانية من وجدان حى، وعقل نشط، وإرادة وثابة سيكون حتمًا على قدر رفيع من التميز.
ليس الشعر نقيضًا للعلم أو للسعى على الرزق أو لاحترام الحياة.. ليس الشعر بديلاً عن الحياة، إنه "روح الحياة".. وأظن أن ما نحن فيه من تخاذل وكسل، وجمود وقهر، وفقر هو صدى حقيقى لتخلينا عن تلك الروح الخلاقة والطاقة المتجددة، وأذكر أن معاوية بن أبى سفيان كانت قد حدثته نفسه بالفرار فى إحدى المعارك، وأمر بأن يجهز جوادٌ له كى يفر عليه، ولكنه تذكر أبياتاً لعمرو بن الإطنابة، كانت هى خط الدفاع الأول له ضد الخوف والهروب، وكان عمرو يقول فيها:
أبت لى عفتى وأبى بلائى وأخذى الحمد بالثمن الربيح
وأعطانى على المكروه مالى وضربى هامة البطل المشيح
وقولى كلما جشأت وجاشت مكانك تحمدى أو تستريحى
لأدفع عن مآثر صالحاتٍ وأحمى، بعدُ، عن عرض صحيح
يا للمفارقة!! كيف تتحول العفة فى وعى معاوية من مفردات الأخلاق والتقوى والقناعة إلى تأويل جديد يعنى التعفف عن الفرار والهرب، وهو نقيض الشجاعة التى حملته على الثبات فى موقفه، أليست هذه "الشجاعة" التى تخلقها الروح الشعرية الوثابة والطاقة الدينامية الحية هى التى جعلت المتنبى يقول فى بيته الشهير:
الخيل والليل والبيداء تعرفنى
والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ
مستنفرًا "طاقات الإقدام والثبات" فى محاولة منه للتحرك الحقيقى من "الواقع الخانع" إلى التجسد فى قلب الأسطورة الشعرية التى خلقتها قيم شعره العليا ولم نعد نجد انفصالاً فى نهاية الأمر بين الذات والموضوع أو بين القائل والمقول.
هذه الرغبة الشعرية الحميمة فى امتلاك الواقع بأبعاده المختلفة، التى جسدتها الروح الشعرية العربية فى أبرز تجلياتها الشعرية التى يقف على قمتها المتنبى لم تكن إلا ترسيخًا لقيم الإقدام والشجاعة والوفاء والعفة والعطاء والبذل.
هذه الروح العربية المفعمة بالولع بالصدارة هى التى جسدها أيضًا أبو فراس الحمدانى فى بيته الشهير:
ونحن أناسٌ لا توسطَ بيننا
لنا الصدرُ دون العالمين أو القبرُ
هل هذا الولع بالنموذج أو المثل الأعلى هو الذى رسخ لفكرة الطاغية، وهل الفحل الشعرى هو الذى هيأ للفحل السياسى؟ كما يزعم بعض النقاد. لا أظن أن الأمر على هذا النحو، فقد كان كبار الشعراء فى العصور الحضارية المتقدمة فى تاريخنا العربى القديم مشغولين بصنع النماذج أو المثل العليا فى كل شىء، لم يكن يعنيهم كثيرًا أن يتصف ممدوحهم بهذه الصفات، وإنما كان يعنيهم أن يتحرك الخليفة أو القائد إلى أن يتمثل تلك القيم الأخلاقية المختلفة، فيتجاوز دوائر التسلط والأنانية والطمع إلى آفاق الإيثار والعدل والعطاء، وأن يرتبط الطموح الفردى بالغايات الجماعية.
ولعل هذا الولع بنحت النماذج العليا فى أغراض الشعر المختلفة انعكاس عميق لما رسخته القيم العربية الإسلامية، التى تحرص على الغايات القصوى بوجهيها البراقين النصر أو الشهادة، كان طه حسين يقول حين أقرأ قول الشاعر القديم للرشيد:
وعلى عدوك يا بن عم محمد رصدان ضوء الصبح والإظلامُ
فإذا تنبه رعته وإذا غفا سنت عليه سيوفك الأحلامُ
"لا أكاد أقف عند الرشيد ولا عند إخافته للعدو نيامًا وأيقاظًا، وإنما الذى يعنينى أن هذا الشعر جيد يروع بما فيه من تصوير ما ينبغى أن يكون عليه الملك اليقظ الحازم الذى يحرص على رعاية الدولة، وليس يعنينى أن يكون الرشيد قد كان كما وصفه الشاعر أم لم يكن، وإنما الذى يعنينى هو هذا المثل الأعلى الذى رسمه الشاعر للذين يقومون على شئون الأمم ملوكًا كانوا أم خلفاء أم رؤساء جمهوريات".
ولا يعنى إيرادى لتعليق طه حسين، أننى مؤمن بالتصالح المطلق بين الشعرى والسلطوى أو أننى أغض الطرف عن السلبيات التى نراها الآن فى الأنظمة العربية، ولا يعنى ذلك أيضًا أننى أدافع عن الشعراء بذواتهم، فهم بشر يصيبون ويخطئون، ولكننى أبارك فيهم هذا النزوع المستمر إلى الكمال الذى يدفعهم إلى الحلم بقدر ما يدفعهم إلى المغامرة.. إذن علينا أن نعى جيدًا درس الشعر الحقيقى، وأن نستلهم روح المغامرة التى كان المتنبى ينشدها قديمًا حين قال:
إذا غامرت فى شرف مرومِ فلا تقنع بما دون النجومِ
فطعم الموت فى أمرٍ حقيرٍ كطعم الموت فى أمرٍ عظيمِ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.