صدر عن دار الكتب الوطنية فى هيئة أبوظبى للسياحة والثقافة كتاب جديد عن سلسلة "روّاد المشرق العربى" يحمل عنوان العامر والغامر، رحلة من القدس إلى أنطاكية عام 1905م" للرحالة البريطانية غرترود بِل، وقامت بترجمته وفاء الذهبى، بينما قام بتحريره والتعليق عليه الدكتور أحمد إيبش المؤرخ المتخصص فى التاريخ الإسلامى والتاريخ الحديث. فى مقدمة الكتاب يصف د.إيبش المؤلفة المعروفة ب مس غرترود بِل (1868-1926) بأنها "ظهرت فى مجتمع بغداد امرأة إنجليزية فريدة احتلت مكانة بارزة ومارست نفوذا واسعا فى تأسيس الإدارة الجديدة وفى حكم البلاد – بعد الاحتلال البريطانى للعراق( خلال الحرب العالمية الأولى) وفى السنوات الأولى لقيام الحكومة العراقية تحت الانتداب البريطانى- وشاركت فى الحياة السياسية، ودخلت مجتمع الرجال بلا تحفظ، فجالست ساسة البلاد وحكامه من عراقيين وبريطانيين، وشيوخ العشائر من عرب وأكراد، ورجال الدين من سنة وشيعة، وزعماء البلد ووجوهه من موالين للسلطة ومعارضين". كانت صفتها الرسمية سكرتيرة شرقية للمعتمد السامى البريطانى فى العراق، وكان يلقبها الكثيرون ب"ملكة العراق غير المتوّجة" والعراقيون كانوا يسمونها "الخاتون" فهى إحدى الشخصيات التى رسمت مستقبل العراق السياسى لسنوات عديدة بعد الاحتلال البريطانى. وهناك عدة ترجمات للتقارير السرية التى كانت ترسلها مس غرترود بِل ترسلها إلى مكتب الاستخبارات البريطانية الخاص بالعالم العربى فى القاهرة. أما كتابها "العامر والغامر" فيضم وقائع أولى رحلاتها إلى المشرق العربى، من القدس إلى أنطاكية عام 1905، وفيه تقدم رواية شخصية ممتعة تطفو عليها آراء المؤلفة الرحالة وتفاعلاتها الإيجابية والسلبية مع ما صادفها من مجتمعات وأشخاص وأماكن، كما نلمح فيه صوراً حية وجذابة عن حياة المجتمع السورى فى تلك الفترة، وعن أوضاع الدولة العثمانية وهيئتها الحاكمة، إضافة للأحوال الاجتماعية السائدة، وملامح من حياة عامة الناس آنذاك، فى رحلة جريئة رائدة قامت بها بمفردها، وهو أمر غير مألوف بشكل صارخ فى عُرف ذلك العصر. ومن اللافت أن غرترود بِل تصف فى مقدمة الكتاب الإنسان الشرقى ب"الطفل الكبير، فهو غير مطلع على الكثير من فروع المعرفة، التى أصبحنا نعتبرها حاجة أولية، وعادة وليس دائما، ما يشغل عقله بالحاجة لإحرازها، ونادرا ما يشغل نفسه بكل ما ندعوه منفعة عملية، وهو لا يزيد فى مقدراته العملية عن طفل إذا صح التعبير، ومتطلباته تختلف عن متطلباتنا. ومن جهة أخرى فإن عمله محكوم بعادات السلوك والأخلاق التى تعود إلى بدايات الحضارة، عادات لم تتغير حتى الآن بأى تغيير مهم فى أسلوب الحياة التى يطبقونها وبعيدا عن التى نشأوا فيها". وتعكس سلسلة "روّاد المشرق العربى" التى دأبت على إصدارها هيئة أبوظبى للسياحة والثقافة بشكل دورى، إستراتيجية بعيدة المدى لإغناء المكتبة العربية بتراث الأجداد، والحرص على جمع كافة المصادر المتعلقة بتراث منطقة الخليج العربى والعالم العربى عموما، خاصة وأن تاريخ الحركة العلمية المختصة بنشر التراث العربى المخطوط يصل مجموعه إلى قرابة 3 ملايين مخطوطة فى مكتبات الشرق والغرب. كما ويتوازى ذلك مع الآلاف من نصوص الرحلات النادرة ضمن "أدب رحلات الأوروبيين إلى المشرق العربي"، وكل ذلك فى مشروع طموح يهدف إلى نشر أكبر عدد ممكن من مواضيع التراث العربى وتقديمها للقارئ العربى بأرقى مستوى علمى من التحقيق والبحث، وأجمل حلّة فنيّة من جودة الطباعة وتقديم الوثائق والخرائط والصور النادرة.