هل هناك شىء يجعل شهرزاد تتوقف عن الحكى والبوح؟ لا يمكن، فقوة شهرزاد تكمن فى ذكائها وحكاياتها معا، وبهما معا قهرت شهريار الذى وقف مبهورا كطفل صغير أمام العالم السحرى الذى فتحته أمامه بحكاياتها، ذاب شهريار، ونجت هى برأسها من سيف «مسرور» ونجت معها بنات جنسها. هذا ما جاء فى الحكاية القديمة، لكن يبدو أن الزمان مهما اختلف وتغيرت أحداثه وتفاصيله ستظل شهرزاد تجيد البوح والحكى، فالبوح هو طريقتها المثلى لتتحرر وتغير واقعها أو على الأقل تستعيد نفسها وتقف من جديد متمردة على كل محاولات كسرها، هذا ما أراد الكاتب الكبير وحيد حامد والمخرج شديد التميز يسرى نصر الله تأكيده فى فيلمهما «احكى يا شهرزاد». ورغم أن المبدعين الكبيرين يبدوان للبعض عالمين مختلفين إلا أن واقع الحال يؤكد أن وحيد ويسرى يعشقان الشخصية المصرية الحية، المأزومة، التى ترفض الاستسلام لقهر الحياة والمجتمع، فالمبدعان تغلب على شخصيتهما الرغبة فى الحلم والتمرد على الواقع وعدم الاستسلام والقدرة على الوقوف من جديد، والرهان على المجموع. إنه فيلم ملغم بالسياسة والساسة، كل هؤلاء الذين يحكمون ويتحكمون يضعون قواعد اللعبة، ونمارسها نحن صاغرين ومتواطئين، وهم يقهروننا ونحن نقهر أنفسنا بدورنا. لا يخلو احكى يا شهرزاد من الصراخ المكتوم والعنف والقسوة التى باتت تحكمنا، ولكن أجمل ما فيه تلك الشخصيات النابضة التى تضج بالحياة، حيث نرى «سوسن بدر» امرأة ترفض الزواج إلا من شخص تحبه ويحبها، وتقبل بأن تستكمل حياتها عانسا لأنها لم تجد الحب الحقيقى، ونرى أيضا 3 فتيات رحاب الجمل وناهد السباعى ونسرين أمين، تحرقهم الرغبة ويسعين لاستغلال سعيد الخفيف الذى جسد دوره الفنان الواعد محمد رمضان- وحتى لو لمحنا طيفا للنص المسرحى «جريمة فى جزيرة الماعز» للكاتب الإيطالى إيجوبتى أو «بيت من لحم» ليوسف إدريس، فإن ذلك يدل على أن مجتمعنا لم يتحرر بعد، والطيبة التى تقهرها تقاليد طبقتها سواء الرجل صائد النساء وثرواتهن، أو الشاب اليتيم «جوعان للحياة والجنس» يلعب مع الشقيقات الثلاث غير المتزوجات لعبة «الرغبة والشبق»، وزوج «يجسد دوره حسن الرداد» يحاول الوصول إلى كرسى رئاسة التحرير متملقاً كل من حوله، و يلعب بكل الأوراق حتى زوجته. وتقدم كل هذه الحكايات هبة يونس-منى زكى- فى واحد من أجمل أدوارها- الإعلامية الدءوبة المهتمة بقضايا من حولها، والتى تنكشف لها نفسها تفصيلة تفصيلة مع كل حكاية تستمع إليها وتقدمها، حيث تساعد كل تلك النماذج من النساء على رؤية أنفسهن بوضوح، وتتأكد من زيف حياتها، لذلك فى النهاية تتحرر هى الأخرى عندما تملك القدرة على البوح والحكى عن نفسها. تلك الدراما الحية التى كتبها وحيد حامد وصاغها يسرى نصر الله برؤيته الإخراجية المتناغمة ما بين النعومة فى الصورة وخشونة الواقع.