دائماً ما كان يفتح إستاد القاهرة لكل الأطياف المصرية، سواء المختلفة فكرياً أو عقائدياً، فهو مكان عام يحق لكل مصرى دخوله، لكن ما لفت انتباهى أن هذا الاستاد شهد حدثين غريبين للغاية، وهما ذكرى نصر أكتوبر فى العام الماضى وآخر يدعى مؤتمر نصرة سوريا فى منتصف هذا الشهر. والغريب أنى لم أجد أطياف الشعب المصرى، بل هناك اقتصار على تيار وتوجه سياسى معين يحق له المشاركة، ولم أشهد علم الدولة المصرية خاصة فى المؤتمر الأخير، وأرى أفراداً أفكارهم ترجع إلى عصور عفى عليها الزمن ولا تتواكب على الإطلاق مع ما وصلنا إليه من تقدم. يؤسفى أن أقول أننى لم أكن أتوقع ما تم طرحه فى المؤتمر من مهاترات لايجب على الإطلاق أن تصدر من رئيس دولة هى مصر. ولم تكن إذنى تصدق ما سمعته من شعارات تقول لبيكى يا سوريا؟ هل سوريا شهدت جديداً لم نره منذ أكثر من عامين؟ أم سوريا جسر لتصدير أزمة الداخل إلى الخارج؟ وماذا عن مصر أو ليس هناك لبيكى يا مصر؟ وهل الرئيس يدرك بحشده الإخوانى هذا أنه يمثل كل طوائف الشعب المصرى؟ وأنه يتمتع بثقة الآخرين الأكثرية؟ أندهش من رئيس يناقض نفسه، فهو يحشد الفلول حوله فى تشكيلاته الوزارية ويتهكم على المعارضة ويتهمها بالالتحام مع الفلولية. إن حقيقية الحشد الإخوانى فى الاستاد وهدفه هو إرهاب المواطن المصرى من الخروج يوم 30 يونيو، فهو نوع من الحرب النفسية، وهو مؤشر على خوف وفزع النظام الحاكم من المظاهرات القادمة، خوف من نفس مصير مبارك، وهو ما يتجلى فى تسارع القرارات غير المدروسة المتلاحقة مثل مبادرات حزب الوسط وحزب النور التى لا تقدم جديداً غير أنها تحاول إنقاذ النظام من السقوط وتقديم الحكومة ككبش فداء، وفى الحقيقة هى خطوة غير مجدية فمصر شهدت مبادرات لا تحصى ولا تُعد منذ أن تولى مرسى الحكم. ولما فشلت هذه الخطوة، تقدم النظام بخطوة استباقية هى أشد غباء تكرر نفس المنهجية التى تربى عليها الإخوان، وهى أخونة هيكل المحافظين وتوزيع الغنائم مسبقاً لكى يقوم المستفيدون بتقديم كل ما لديهم من قوة لمواجهة التظاهرات القادمة، ورغم مكر النظام فى استهداف المحافظات التى هبت ضده كمحافظات القناة، إلا أنه قدم خطاً جديداً لبدأ التصادم بينه وبين معارضيه خاصة مع إستراتيجية الإصرار على أنا ومن معى فقط دون احترام مبدأ تشارك القوى الآخرى، ولم يتعلم الدرس من سابقيه فهذا نفس نهج العجرفة التى اتباعها النظام السابق الذى قلل من حجم وشأن منافسيه. ولم يقتصر الأمر على هذا بل شهدنا فى المؤتمر الذى عقده مؤسس حملة تجرد العديد من المهاترات غير المسئولة وغير العقلانية على الإطلاق، ورسائل الترهيب والتهويل المباشرة والتى تشير إلى بدأ العد التنازلى لكشف القناع عن حقيقة المتأسلمين. إن التيار الإخوانى فقد ثقته ومصداقيته وذلك نتيجة لسياساته المتناقضة وتصريحاته المتعالية التى لا تحترم مبدأ التشارك أو التوافق، وعليه أن يعلم أن موازين القوى لا تقاس بعدد المنتميين له أو باستعراض الحشد فى الميدان أو الإستاد، بل تقاس بمدى التوافق المجتمعى والوصول لعقد اجتماعى يرتضيه الشعب، وهذا لم يحدث مع استمرار إستراتيجية أنا دون الآخر. لابد لهذا التيار أن يتجاوب مع ما وصلت له مصر من حداثة فكرياً وسلوكياً، فالخطاب والسياسات والممارسات لا تتلاءم مع مكانة مصر لا داخلياً ولا خارجياً. * مدرس العلوم السياسية المساعد بجامعة القاهرة .