تحدث "ناثان براون"، أستاذ العلوم السياسية لدى جامعة جورج واشنطن والمحلل بمؤسسة كارنيجى للسلام الدولى، عن المشهد السياسى فى مصر مستكملاً تحليلاته عن صراع القوى الإسلامية للسيطرة على المؤسسة القضائية ومؤسسة الأزهر. ووصف "براون" فى تحليله بمجلة "فورين بوليسى" بالمشاركة مع "مختار عوض"، الزميل الشاب ببرنامج الشرق الأوسط لدى كارنيجى، الصراعات السياسية فى مصر بالمصارعة اليابانية، غير أنها فى مصر بلا هوادة ولا تتوقف. ويقول الكاتبان إنه يمكن القول إن "السلطة القضائية" فى مصر تتمتع بقدر كبير من الاستقلال الذى يمكنها أن تفخر به، فإن الحكام المستبدين قد تعدوا مراراً على استقلال القضاء، ومثال على ذلك ما وقع عام 1969، حيث تم التخلص من كبار القضاة وإخضاع جميع الهياكل القضائية للسلطة التنفيذية، ويبدو الآن أن الإسلاميين يرغبون فى مذبحة جديدة للقضاة على غرار عام 1969، من خلال قانون يقضى بتقاعد 3 آلاف قاض. وأضافا أن النزاع الأكثر تجريداً يتمثل فى السيطرة على السلطة التشريعية، حيث السيطرة على مجلس الشعب قبل حله بقرار من المحكمة الدستورية العليا، ثم مجلس الشورى الذى تولى سلطة التشريع فى أعقاب الاستفتاء على الدستور جديد، الذى لم يوضح سلطة أعضاء هذا المجلس، مما تسبب فى الخلط بين السلطة التنفيذية والتشريعية. وأشارا الكاتبان أنه بعيدا عن الصراع القضائى الذى يخوضه مجلس الشورى حيث إنه انتخب على نفس الأسس القانونية المعيوبة التى قضت فى النهاية بحل مجلس الشعب، فإنه بعد انتخاب مجلس نواب جديد فإنه من حقه أن يلغى تلك القوانين والتشريعات السابقة التى أصدها الشورى وهو ما يدخل البلاد فى حالة جديدة من الغموض القانونى. وتابعاً أن الصراع شمل النائب العام، حيث أصبح الرئيس محمد مرسى أكثر جرأة، مسيطرا على السلطات السيادية وأصدر إعلانا دستوريا يجنب قراراته من المراجعة القضائية ليعين نائبا عاما خاصا بدلاً من ذلك الذى عينه الرئيس السابق حسنى مبارك، على حد وصف الصحيفة. غير أن الخطوة قابلها بعد أشهر قليلة حكم قضائى يقضى ببطلان تعيين طلعت إبراهيم وإعادة النائب العام السابق عبد المجيد محمود لمنصبه، وهو الأمر الذى يفتح باب التشكيك فى الموقف القانونى للقرارات التى يتخذها النائب العام الجديد، كما أن قرار المحكمة يزيد الضغط على الرئاسة لتسوية الوضع، لكن الأمور أصبحت أكثر تعقيداً منذ ذلك الحين. وتناول "براون" و"عوض" الصراع حول "قانون الصكوك" الذى سمح للأزهر ليس فقط الاستفادة من سلطاته الدستورية، ولكن بقيادة العملية وجعل رأيه الاستشارى ضرورة قانونية لا مفر منها، إذ عارضه ورفض تسميته بالصكوك الإسلامية، لكن فى النهاية تم تمرير القانون بعد دائرة طويلة من الصراع الذى شمل القوى الإسلامية الأكثر تشدداً "السلفيين" الذين رأوا أن فيه ما يخالف الشريعة الإسلامية. لكن الخلاصة أن هذا القانون الذى تشمل تداعياته تشكيل لجنة تشريعة دائمة، للامتثال لأحكام الشريعة فيما يخص إصدار أى صكوك جديدة، من المرجح أن يفتح باب لمعارك محتملة فى المستقبل بشأن دور المؤسسة الدينية فى السياسية الاقتصادية. وأنهى الكاتبان تقريرهما بأرض الصراع الأخيرة وهى "قانون الانتخابات"، فلقد كان من المقرر وفقا لدستور 2012 إجراء الانتخابات البرلمانية بعد شهرين من الموافقة على الدستور غير أنه بسبب الصراع حول قانون الانتخابات، تم إلغاء قرار الرئيس بالدعوة إلى انتخابات برلمانية بموجب حكم قضائى فى مارس الماضى. وشكت المعارضة من أن تقسيم الدوائر الانتخابية لا يحقق العدل وأنه تم وفقا لمصالح جماعة الإخوان المسلمين، ووفقا للدستور فإنه يجب على مجلس الشورى إرسال القانون إلى المحكمة الدستورية العليا لإبداء رأيها والبت فيه ثم إعادته "للشورى" لتعديله وإعادته لها مرة أخرى، وهو ما يعنى أن القانون قد يستمر ذهابا وإيابا بين الجهتين. وختم "براون" و"عوض" تحليلهما بالقول: "إن الصراعات السياسية فى مصر تشهد مزيدا من القتال المستمر".