الفوضى الخلاقة مصطلح أطلقته وزيرة الخارجية الأمريكية للتعبير عن رغبة أمريكا فى خلق شرق أوسط جديد. وهى رغبة تنطوى على إعادة فك وتركيب المنطقة بما يتوافق وهذه الرغبة. وإعادة توزيع قطع الشطرنج على هذه الرقعة الجغرافية، وإخراج بعضها والإبقاء على البعض الآخر. ولو أمعنا النظر فى الأمر وأنعمناه لوجدنا أن هناك ثلاث دول تمتلك ثلاثة جيوش احترافية خاضت حروب فعلية بشكل أصيل. هذه الدول هى مصر وسورياوالعراق. فمصر خاضت أربعة حروب، وسوريا خاضت حربين، والعراق خاضت حرب طويلة استمرت لأكثر من ثمانى سنوات. وقد بدأت اللعبة القذرة بالعراق، فقد تم توريطها فى غزو الكويت بما أتاح للمجتمع الدولى ضرب الجيش العراقى وحصار العراق لعشر سنوات، ثم أجهز عليه تماماً ونهائياً باحتلال العراق وإعدام صدام وتفكيك الجيش وتسريحه وفقاً لخطة بريمر. وبذا خرج العراق من اللعبة غارقاً فى احتراب داخلى تغذيه عوامل طائفية داخلية وخارجية. لم سوى مصر وسوريا وهما يمثلان دول الطوق حول الكيان الصهيونى، فكيف يمكن التخلص منهما؟. لم تكتف القوى المعادية للمنطقة بإخراج مصر من اللعبة باتفاقية السلام مع الكيان الصهيونى، لأن هذا الخروج لم يضعضع قوتها العسكرية. فما كان أمام هذه القوى من سبيل سوى زلزلة الأوضاع الداخلية فى هذه الدول. وقد جرى الاتفاق على آليات هذا التغيير فى مؤتمر مستقبل التغيير فى العالم العربى الذى جرت وقائعه فى الدوحة فى قطر عام 2005 وقادت العمل فى هذا الاتجاه أكاديمية التغيير. صحيح أن ثورات الربيع العربى هى ثورات وطنية بامتياز، إلا أنها قد ركبت على حين غرة من أطراف هى جزء من المؤامرة الدولية. فانحرفت عن أهدافها وآلياتها، ووقع الثوار فى الفخ. فما حدث فى ليبيا يصعب تسميته ثورة، لأنه تدخل عسكرى من جانب حلف الناتو لإسقاط القذافى، وإدخال ليبيا فى مرحلة الاحتراب الداخلى، وقد حدث. وقد جرى التخطيط لذلك فى مصر وما زالت مساعى تفكيك الجيش وغيره من مؤسسات الدولة قائمة على قدم وساق. ثم جاء الدور على اليمن وسوريا. فاليمن يلزم تفتيتها لتأمين مدخل باب المندب بعد أن تم تفتيت الصومال لضمان سيولة الملاحة البحرية لإسرائيل دون معوقات محتملة من أى من الدول المطلة على هذا المجرى، وقد حدث. أما ما يحدث فى سوريا فهو السيناريو الفج لهذا المخطط التآمرى . فقد جرى تسليح المعارضة حتى تتحول الانتفاضة الشعبية إلى حالة احتراب أهلى أقرب إلى اللبننة أو الصوملة التى جرت قبل سنوات. تفجير الوضع من الداخل. ثم المطالبة بإحلال المعارضة محل النظام الرسمى لدولة سوريا فى جامعة الدول العربية، وهى من الدول المؤسسة لها. فى حالة تواطؤ عربى غير مسبوق بقيادة دولة قطر. كيف تم تدبير السلاح للمعارضة؟ ولماذا؟ هل نمت الشعب من أجل إسقاط فرد؟. لقد أصبحت سوريا وطناً باعه الجميع. باعه النظام بتعامله مع المعارضة بقوة السلاح. وباعته المعارضة عندما حملت السلاح ضد النظام. وباعه العرب لصالح مشروع الشرق الأوسط الكبير، وباعه الغرب وأمريكا لمصلحة إسرائيل. وباعه حزب الله لمصلحة إيران. فهل يمكن أن نسمى ما يحدث فى سوريا ثورة؟ أم أن ما يجرى هو جزء من المؤامرة؟ لا أحد يختلف على استبداد الأنظمة العربية وتخلفها فى شتى المجالات، لكن هذا لا يبرر الخروج عليها بالسلاح بمعاونة الأعداء. لأن المسعى هنا يكون لاستبدال الأدوار لا تحرير الشعوب. ولاستكمال السيناريو قامت إسرائيل بقصف مواقع سورية حتى تزيد حالة الارتباك، وحالة خلط الأوراق، وتجر المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة لرسم الخريطة من جديد وفقاً لما تم التخطيط. فبئس الثورات القائمة على خيانة الأوطان.