ليس صعبا على أى قارئ لهذا العنوان أن يفهم معنى (فقه الأولويات) ببساطة، بأنه عند مواجهة المرء لعدة اختيارات، فعليه اختيار الأمر الذى يستحق أن يبدأ به، فلو هى أزمات فيجب علاج المشكلة الأكثر أهمية ثم تناول المشكلات الأقل أهمية، فلا يمكن لمركب تقترب من الغرق فيذهب الركاب للاطمئنان على تنظيم خط سير الرحلة الأسبوع المقبل!. والحقيقة أننا إذا ما أردنا أن نطبق هذا الأمر على ماتمر به بلادنا هذه الأيام من مشكلات، فلن يختلف اثنان على أن الأولوية ستكون لإنقاذ الوضع الاقتصادى من الانهيار، ويتوازى هذا الأمر مع إصلاح الوضع الأمنى، ولايمكن أن يكون قانون السلطة القضائية: "أهم من ناس بتموت.. وناس مش لاقية تاكل"، علما بأننى أرى لا أقلل من أهمية تعديل قانون السلطة القضائية، لكن متى يتم ذلك وكيف تكون الكيفية حتى لا يتحول الأمر إلى مجرد صراع سياسى لا يكسب منه أحد، ويخسر الجميع وأهمهم المواطن المطحون الذى تتراجع حياته يوما بعد آخر ولا أحد يهتم به!. عنوان هذا المقال هو عنوان لأحد أهم أنواع الفقه الإسلامى، الذى يجب أن نتوقف أمامه كثيرا، فهو يحمل معنى فى منتهى الأهمية على المستوى الدنيوى، ربما أكثر من الدينى، وأرجو من قارئ هذه السطور، ألا يكتفى بقراءة المقال باعتباره استعراضا لفقه الأولويات، ف"كاتب السطور" أقل كثيرا من العلماء الذين يستطيعون الحديث عنه، لكن المهم أننا يجب أن نبحث عن معنى فقه الأولويات من مصادره، سواء فى كتب فقه السنة أو غيره من أمهات الكتب أو الكتب التى تبسطها دون إخلال، ومنها كتب للدكتور، راغب السرجانى، ويوسف القرضاوى، فى فقه الأولويات تحديدا. وتعالج الكتب قضية الخلل فى ميزان الأولويات عند المسلمين، واختلال النِّسب واضطراب الموازين- من الوجهة الشرعية- فى تقدير الأُمور والأفكار والأعمال، وأيها يجب أن يُقدّم، وأيها ينبغى أن يُؤخَّر. حدثنى د.محمود الديناوى، وهو أحد الأساتذة المتميزين فى جامعة الأزهر (وهو يدعم تيار الإخوان، رغم أنه ليس منهم)، لكنه يتحسر على أنه يسكن فى التجمع الخامس، ويحيط به خمسة مساجد تزين أحدهم نجفة قد تصل لربع مليون جنيه، تبرع بها رجال أعمال، والحسرة سببها أن المنطقة يكفيها مسجد واحد، وكان الأجدر بمن لديهم الأموال أن يقيموا مستشفى أو مدرسة أو يساهموا فى توفير حياة كريمة لقاطنى العشوائيات، وهو مثال نموذجى لفقه الأولويات، خاصة أن الله منح للمسلمين فرصة الصلاة فى أى مكان حتى لو كان على رمال الشارع ضرورة توفر عناصر بسيطة للطهارة. لو فكرنا قليلا لوجدنا عشرات الأمور التى ستجعلنا نضع الأكثر أهمية فى مقدمة اهتماماتنا تنفيذا لفقه الأولويات، والذى سيجعل من ترغيب الناس (مسلمين ومسيحيين وأى أديان أخرى وحتى الملحدين)، ترغيبهم فى الدين أفضل من ترهيبهم منه، لأن الله رحمن رحيم، قبل أن يكون أى اسم آخر من أسمائه الحسنى، لذا جعل البسملة هى الأساس فى كل ركعة صلاة، بل قبل أى فعل إنسانى حياتى حتى نتذكر رحمته قبل أى شيء آخر. فقه الأولويات أحد الفروع الفقهية التى علينا التمحص فيها قليلا، فقد نفهم مالم نكن نفهمه من قبل، والله من وراء القصد.