«لا تذكرنى بما حدث. إنها لحظات مريرة. نحن لم نهزم لأننا لم نحارب.. وعامر يتحمل المسئولية أمام التاريخ». هكذا بدأ اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات العامة الأسبق حديثه معنا، مؤكدا أن يوم الخامس من يونيو 67 لم تكن بالنسبة لنا كعسكريين حربا. كانت مأساة. عندما أصدر المشير عبدالحكيم عامر أوامره للجيش بالانسحاب من سيناء دون أى خطة تذكر، ودون أن يخبر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بقراره وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة. انسحاب بدون سلاح. السلاح الذى تحصل عليه مصر بصعوبة كبيرة تركناه للإسرائيليين. وأمام صورة على جدران صالون منزله لجمال عبدالناصر فى الجبهة وقف نصار متأملا وهو يقول : قبل مجىء يونيو 67 كنت مدرسا فى الكلية الحربية برتبة عقيد، وحدث أن أرسل لى كاتم الأسرار أن القيادة الشرقية سوف تتحرك فى سيناء، ونريدك أن تتولى قيادة إشارة المنطقة الشرقية، فقلت له لا يجوز أن أتولى هذا الموقع الذى يشغله ضابط برتبة عميد، وكان وقتها العميد القويسنى يتولى هذا الموقع منذ 3 سنوات، وعرضت أن أكون مساعدا له. لكن حدث أن تكلم معى المشير عامر وقال لى: اذهب إلى القيادة فى سيناء، فذهبت إلى هناك لأرى أشياء فى حياتى لم ولن أراها وكانت سببا فى نكسة 67، ومنها على سبيل المثال تجنيد الناس بالجلاليب وعزل القادة وتعيين قادة تشكيلات جدد فى الميدان. وكذلك تطبيق مبدأ أهل الثقة وليس أهل الخبرة. وهو الذى كان يؤمن به عامر ويطبقه طوال حياته، لذلك فهو لا يصلح كقائد عسكرى، لأنه فى الأصل غير مؤهل، كيف وقد تمت ترقيته فجأة وبدون مقدمات أو تدريب من رائد إلى لواء ثم مشير؟ لكن فؤاد نصار يرى أن عامر شهم وطيب وابن بلد لكنه لم يكن مشغولا بالجيش بل بالصراع على السلطة. وكان يترك رجال مكتبه يصدرون الأوامر للقادة الأعلى رتبة، مضيفا: كانت هناك مجموعة من الصاعقة يقودها الفريق سعد الشاذلى للاشتباك مع أى قوات، وحدث أن اتصل بى واحد من مكتب المشير عامر وقال لى إن المشير يريد أن يتحدث مع الفريق الشاذلى على التليفون، فقلت له لا توجد أسلاك توصل إلى هناك، فقال لى إنها أوامر المشير، فقلت له: أنا لا أتلقى أوامر من المشير بل من الفريق صلاح محسن قائد المنطقة الشرقية. ثم ذهبت إلى الفريق محسن فى مكتبه لإبلاغه بمكالمة مكتب المشير، وأثناء وجودى بمكتبه رن جرس التليفون وسمعت الفريق محسن يكرر «حاضر يا أفندم» وفور انتهاء المكالمة، قال لى محسن على الفور: قوم وصل الخط. فالحقيقة أنا اتكسفت وقمت فورا لأوصل الخط بنفسى، ولم أنتظر ضابطا آخر ليوصله. مرة أخرى وجدت الفريق صلاح محسن بيكلمنى ويقول: المشير سيصل بعد غد، إلى مطار المليز ويطلب حضورك. فذهبت أنا والفريق محسن فى طائرة، ووقفنا فى مربع ناقص ضلع ننتظر طائرة المشير عامر، ففوجئنا بالطيران اليهودى يضرب علينا رصاصا فقلت للقائد: نروح القيادة لأن الحرب قامت. وفى اليوم الثانى صدرت الأوامر لجميع القوات بالانسحاب.. ولكنى طلبت الانتظار لليوم التالى لجمع المعدات والأجهزة اللاسلكية. ثم عدت إلى الإسماعيلية. كل هذه الأسباب أدت إلى ما حدث من هزيمة 67 وإقدام الزعيم الراحل جمال عبدالناصر على التنحى عن الحكم ورفض الجماهير لذلك، ويعتقد نصار أن المشير عامر انتحر وكتب ورقة انتحاره لحظة هزيمته فى 67، وحاول الانتحار فى بيت عبدالناصر ولم تنجح المحاولة، وكان يقصد كسب التعاطف معه لكنه لم ينجح. ثم كررها فى استراحة المريوطية. حين تجرع سما قاتلا بنفسه وكانت نهاية مأساوية لم يشعر بها الناس لأنهم لم يكونوا راضين عن أدائه، إلا الذين استفادوا من امتيازاته من حاشيته فكانوا الأكثر حزنا عليه.