استمرت الاستعدادات العسكرية الإسرائيلية على قدم وساق، مع التنسيق الكامل للخطة وعقب إعلان الرئيس "عبد الناصر" إغلاق خليج العقبة، حيث بدأت مرحلة جديدة فى التخطيط الإسرائيلى على المستويين السياسى والعسكرى، قادها العسكريون الذين بدا عليهم الإصرار على اتخاذ قرار الحرب. ويورد موقع المنتدى العربى للدفاع والتسليح أن أخطر الاجتماعات فى هذه المرحلة، كان اجتماع القيادة الإسرائيلى "مجلس الحرب" الذى يضم القادة السياسيين والعسكريين صباح يوم 23 مايو، ودارت فيه خلاصة فكر القادة الإسرائيليين فى التخطيط للحرب، وفكر القادة السياسيين لإدارة الحرب. ومن الناحية العسكرية التى تولى شرحها الجنرال "رابين" رئيس الأركان آنذاك كان هناك ثلاثة اقتراحات للعمل العسكرى ضد مصر وهى: "إما عملية محددة تهدف احتلال شرم الشيح وفك الحصار المصرى عنها... ويعتبر هذا التصرف خطأ سياسى وعسكرى... والثانية، توجيه ضربة جوية شاملة لتدمير الطيران المصرى واحتلال قطاع غزة، ثم انتظار الرد المصرى والتصرف على أساسه.. ولكنه عمل ناقص... أما الثالث، فهو الحرب الشاملة...". أما الموقف السياسى فتلخص فى ضرورة تشكيل وزارة حرب يشترك فيها كل الأحزاب، ولا بد من التثبت من الموقف الأمريكى، ولا بد من حساب الموقف السوفيتى، وأخيراً التصرف إزاء برقية من الرئيس "جونسون" تطلب إيقاف أى عمل عسكرى قد تقوم به إسرائيل لمدة 48 ساعة. وتقرر فى الاجتماع سفر وزير الخارجية "أبا إيبان" إلى الولاياتالمتحدة للتنسيق على أن يمر خلال سفره على كل من لندن، وباريس لتأكيد المواقف، ووصل الأمر بضغط العسكريين لضرورة تشكيل وزارة حرب إلى الحد الذى قام فيه "شيمون بيريز" بتكوين تكتل من 50 عضواً فى الكنيست لإسقاط حكومة "أشكول". وتوجه "أبا إيبان" إلى فرنسا، حيث وجد أن رأى الجنرال "ديجول" محدد فى "أن إسرائيل لا ينبغى لها أن تقوم بشن الحرب.. على الأقل لا تكون هى البادئة بها، ولا تبادر بالطلقة الأولى". وفى لندن، وجد "أبا إيبان" أن بريطانيا متحمسة للعمل العسكرى ضد مصر، وأن مجلس الوزراء البريطانى وافق على الاشتراك بوحدات بحرية مع الولاياتالمتحدة وآخرين فى عملية منسقة لفتح خليج العقبة بالقوة، وفى نفس الوقت فإن "ويلسون" "لا يريد تحريض إسرائيل على العمل المباشر والسريع ضد مصر". وفى واشنطن، كانت بداية زيارة وزير الخارجية الإسرائيلى، ومعه وزير الدفاع الأمريكى، لغرفة العمليات فى البنتاجون، حيث بادر الجنرال "إيرل هويلر" رئيس الأركان المشتركة فى الجيش الأمريكي "إننى لا أريدك أن تقلق عن أى اعتبار، فسواء بدأوا هم (المصريون).. أو بدأتم أنتم (الإسرائيليون)، فليس لدينا شك فى النتيجة، فنحن نعرف ما هو حجم المتاح لكم، كما أننا نقدر كفاءتكم فى إدارته... وحساب المعركة كلها فى صالحكم... هذه تقديرات جميع خبرائنا، ولم يعترض منهم واحد، فلديكم كل ما هو لازم وزيادة". ثم قابل "إيبان" الرئيس "جونسون" واستمرت المباحثات بينهما 85 دقيقة، أكد "جونسون" خلالها أنه "يتمنى للعلم الإسرائيلى ذو اللونين الأزرق والأبيض أن يمر خلال هذا المضيق، مؤكدا له دعمه الكامل لإسرائيل، ولكنه يريد وقتا لمدة ساعات حتى يحقق تأييد الكونجرس، وتأييد الأممالمتحدة، وتأييد الرأى العام العالمى لنضمن عزلة الاتحاد السوفيتى. وفى نهاية المقابلة قال جونسون ل " إيبان" لينقل لحكومته، قل لهم إن إسرائيل تستطيع أن تعتمد علىّ. إننى لن أنكص عن وعد ولن أنسى كلمة قلتها، ولكننى لا أريد أن أترك ثغرة لاحتمال تدخل سوفيتى بسبب أنكم سئمتم الانتظار ساعات". وبينما كانت الحال تجرى على النطاق الخارجى لصالح إسرائيل، كان هناك بركان فى داخلها يثيره القادة العسكريون للإسراع باتخاذ قرار الحرب، حيث يسجل "أشكول" أنه كان فى زيارة للجبهة فى القطاع الجنوبى (الجبهة المصرية) فى 25 مايو، وعاد مقتنعاً أنه إذا لم تدخل إسرائيل الحرب بسرعة، فإن هناك خطرا أن يستولى بعض القادة العسكريين على السلطة. ولم يقتصر ذلك على الجبهة فقط، بل أن "أشكول" واجه الجنرال "عيزرا وايزمان" مدير العمليات أثناء عرض الأخير بعض التقارير عليه، حيث فوجئ "أشكول" أن "وايزمان" يقول له "إننى فى دهشة من أمرك، فتحت تصرفك أقوى جيش يهودى تجمّع منذ أيام "داوود"، وهو لا ينتظر إلا إشارة "داوود" منك، ومع ذلك تتردد حتى الآن فى إعطائها له"، ولم يتمالك "أشكول" نفسه، ورد بعصبية "إنى مذهول لأن الجنرالات عاجزون تماماً عن رؤية مقتضيات السياسة، وأن أى عمل إسرائيلى لا يمكن تأمين نجاحه العسكرى والسياسى وتحقيق نتائجه والاحتفاظ بها، إلا بإشتراك الولاياتالمتحدة والرئيس "جونسون" شخصياً.. وما يروعه هو أن الجنرالات ليسوا على استعداد لانتظار ساعات كى يحققوا حلم عمرهم الطويل..". وفى مساء 26 مايو، وصلت معلومات استخبارية بأن مصر تستعد لهجوم على إسرائيل عندما جاوزت قوات برية كبيرة من الجيش المصرى قناة السويس ورابطت فى شبه جزيرة سيناء لإظهار حالة الاستعداد بعد معلومات سوفيتية، فأبرق "أشكول" فوراً إلى وزير الخارجية الإسرائيلى، الذى كان متواجد فى واشنطن لإبلاغ وزير الخارجية الأمريكى بهذه المعلومات، ونفذ وزير الخارجية ذلك فوراً لتبدأ سلسلة من الاتصالات لإيقاف هذا الهجوم. وفى 5 يونيه1967، شن سلاح الجو الإسرائيلى هجوما مباغتا على جميع المرافق الجوية المصرية ودمرها خلال 3 ساعات مطلقا بذلك شرارة الحرب.