قد يكون من العبث فى خضم هذه المحنة التى يعيشها أن أؤكد أنه أحد الأوجه المتميزة فى موجة شعراء السبعينيات فى مصر. وقد يكون من العبث أيضا أن انتقد مؤسسات ثقافية وحكومية تقاعست عن علاجه على نفقة الدولة فى الخارج. لقد تعود وليد منير أن يروِّض الموت فى شعره، وأن يسابقه كل يوم على حافة هاوية اسمها الحياة، أو الحلم أو القصيدة. لا أصدِّق، وأشعر بالأسى والحزن لأننى لا استطيع أن أهاتفه، وأنه غير قادر على الكلام ، أو لأنه بالمستشفى يخضع لفحوصات وتحليلات مريرة لا تنتهي.. لا أصدق أنه لم يمر من هنا هذا الصباح، ولم يبتسم كعادته ابتسامة العارفين بوقار وطفولة حانية. كنت دائما وسأظل أرى فى قصيدة وليد منير لغة أخرى تبدأ بعدما تنتهى اللغة نفسها، ورمزا آخر، لا يخون رموزه، بل يدل ويشف عنه، حتى حين يواريه تحت خدر الروح، وبراح المخيلة والمجاز. اتسعت قصيدة وليد منير لكل ما هو جميل وحقيقى. رصدت الحضور الإنسانى فى أعلى تجليه، حين يمتزج الماءان، ماء القصيدة وماء الإنسان، فى مرآة واحدة وتحت قناع واحد، مشكلين معا أنشودة حارة للحق والعدل الحرية. وكما احتفت هذه القصيدة بقوتها، احتفت أيضا بلحظات ضعفها وانكسارها، كاشفة عن صدأ الجروح والشروخ فى واقع فقد القدرة على العطاء والحلم والحب، واقع انتحرت فيه القصيدة والشاعر معا، وتحول إلى زنزانة لهما، لا تفرق بين أيهما المجرم وأيهما الضحية. يا وليد منير، أيها الصعلوك الجميل، يا صديقى الغالى، تشدّد.. لم تبق إلا صرخة وحيدة وينتهى هذا العالم، واصطحبك فى نزهة قمرية على شاطئ نهر اسمه النيل.