هل يدور في خلد المدرّب أن يتخذ قراراً بالاعتزال رغم أيّة نجاحات يحققها؟.. يقول أليكس فيرجسون إنّه كان جالساً على الكنبة الوثيرة في ليلة الكريسماس من عام 2001، كان يشاهد التلفزيون وكأي رجل تقليدي غفا لدقائق. كانت الأسرة كلها في المنزل. الطباخ مر وركل قدم أليكس لكي يستقيظ المدرّب مقررا الاعتزال أمام الأبناء والأحفاد والأصدقاء. قالت له كاثي زوجته: "عقدنا اجتماعاً وقررنا ألا تعتزل. أولاً لأن صحتك جيّدة، ثانياً أنا لا أريدك في المنزل، ثالثاً: أنت مازلت شاباً في كل الأحوال". هنا تدخّل الأبناء أيضاً، وقال له أحدهم: "أنت غبي يا أبي. لا تفعل ذلك. أنت تستطيع أن تبني فريق جديد لمانشستر يوناتيد". يعلّق فيرجسون على هذا الأمر بأنّه أشبه باجتماع العصابة الذي جعله يرضخ لرأيهم. ويصف الأمر ساخراً بأنه يجب عليه أن يغفو في المستقبل، فقد كانت هذه الغفوة كفيلة بأن يكمل 11 عاماً مع "المانيو" مليئة بالإنجازات. لكن الإنجازات تصيب أحياناً صاحبها بالفتور، والرغبة في المغادرة، هذا ما يحكيه أليكس، الذي قضى يوماً رائعاً في برشلونة عام 1999 بالفوز على بايرن ميونخ وحصده الكأس الأوربية. يومها قال لنفسه "لقد وصلت للذورة"، لن أحقق أكثر من ذلك، فالوقت مناسب للمغادرة. كان مستاءً أيضاً من إدارة النادي في ذلك الوقت، وعمره وصل للستين، ويرى السير أن الوصول لهذا العمر يشبه أن تدخل غرفة أخرى غير التي كنت تسكنها طوال حياتك، أحس أن العمر تقدّم، عاش أكثر من نصف قرن، لم يعد الجسد شاباً أو العقل. أخبر الإدارة بالقرار. جن جنون زوجته، أخبرته أن ما فعله طوال الأعوام الفائتة يجب أن يدفعه إلى المزيد من العمل لا إلى التفكير التقاعد. أعلمها بأن الإدارة بدأت بالفعل في البحث عن بديل له. كان السير يعتقد أن إدارة مانشستر كانت ستجلب أريكسون، وسألهم لماذا فكروا فيه، فلم يخبروه بجواب واضح عن السبب. أخبر فيرجسون إدارة الشياطين الحمر بعدوله عن قراره. السبب؟.. تعديل العقد مع الإدارة وكلام كاثي زوجته الذي يقدرّه كثيراً، كانت شريكة حياته بكل معنى الكلمة، وكما أسلفنا في الحلقة الأولى فإن القرار الذي تم اتخاذه بالفعل بالاعتزال نبع من موقف متعلّق بكاثي. يقول أليكس إنّه فكّر في التقاعد عقب مباراة البايرن وقتئذ لأنّه كان مدرّباً ل32 عاماً، وهذه فترة كافية، بقراءة كلماته، تستطيع التأكد أنّه عدل عن ذلك لأن 32 عاماً كفيلين بترسيخ أنّه حظى بلقب السير بالذات لأنّه مدرّب ولا يمكن ألا يفعل ذلك في المستقبل. التفكير في ترك مانشستر يوناتيد لم يكن في سنوات تألقه فحسب، لكن منذ بداية ذهابه إلى النادي، يريد أليكس هنا أن يقول إن التفكير في المغادرة لا يعني عدم الاحترام، هذه مشاعر وقرارات أخلاقية لابد من احترامها والنظر إليها بعين التقدير. كاد فيرجسون أن يرحل عن مانشستر لأن جورج جراهام آخر مدربي الأرسنال قبل فينجر كان يتقاضى ضعف مرتبه. ارتأى السير أن ذلك تهاون من قبل الإدارة في تقديره. لم تصدّق الإدارة في البدء أن جورج يتقاضى ضعفه، فقدّم له جورج نسخة من عقده ممهورة بتوقيع رئيس الأرسنال. قدّر أليكس كثيراً أن يمنحه مدرّب الأرسنال نسخة من العقد، حيث دفع ذلك للأزمة أن تنقضي. يتذكّر نصيحة مدرّبه الاسكتلندي بيج جوك، عن مدراء النادي وملاكه في المطلق: "نحن لسنا مثلهم. نحن لسنا مثلهم، هم يديرون النادي، ونحن مجرّد عمال لديهم". يرى أليكس أن الإدارة في أغلب الأوقات لا تفهم المدرب وطبيعة عمله ومطالبه ورغبته الدائمة في الحصول على تقدير. يضرب مثلاً بإدارة سيلتيك التي حين أرادت تكريم أحد أساطيرها جوك ستين الذي كان سبباً في حصولهم على 25 لقباً، طلبوا منه إدارة حمام السباحة. ويندهش من عدم استعانة إدارة ليفربول بأحد أساطيرها بيل شانكلي، رغم مساهمته في بناء تاريخ النادي. سعى فيرجسون طوال فترة تدريبه لمانشستر إلى بناء جدران تواصل مع اللاعبين الذين يخشون حتى أن يطلبوا منه إجازة ليوم. اللاعب الذي يرغب في تعديل عقده يساعده طالما يستحق، من يرحل عن الأولد ترافورد لا يتوانى في نصحه إن طلب. من الأمور التي كان يفقد التواصل بها في البداية منح الإجازات. حين يحضر لاعب ويسأل: "هل يمكنني الحصول على إجازة ليوم؟". يجيب أليكس: "هل لديك سبب ما؟. من يريد أن يفوّت ليلة تدريب في مانشستر؟". فأجابه لاعب يوماً: "نعم، لديّ. جدتي توفيت" شعر السير بأنّه في مشكلة وإحراج وحقيقي ومنحه الإجازة، وبنى جسور ثقة مع اللاعبين فيما بعد، بألا يسألهم عن السبب. رغم كل الصخب الذي يحيط بالمدرّب فإنه في أوقات كثيرة يشعر بالوحدة. يقول أليكس إنّه كان يجلس في مكتبه، يحلم بأن يدق الباب أي عابر ليحتسي معه كوب من الشاي ويشاركه الأفكار. كل النجاحات والأوقات التي تمنحه الخبرة، لا تمنع أن يجلس كل ليلة يخشى من الفشل، ويريد أن يتوصل مع أحدهم ليخبره أن يسير في الطريق الصحيح. في الحلقة القادمة: كيف أصبح مساعدي فيرجسون مدربين.. ولماذا أخبر كيروش بأنّه سيفشل في ريال مدريد؟ سيرة فيرجسون (1).. حين قرر الرحيل لوفاة أخت زوجته وعدم تحمله خسارة الدوري سيرة فيرجسون (2).. حين طالبه مشجّع برد قيمة التذكرة فنصحه بالالتحاق بدار المسنين سيرة فيرجسون (3).. حين طرد لاعب لشربه الخمر دون إذنه وأنهى عقد الكابتن لإشارته بشكل غير لائق