أما وقد أناخت انتخابات الاتحاد السعودي لكرة القدم برحالها، وفاز من فاز وخسر من خسر، فقد ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، أعني سكرة الانتخابات بما فيها من برامج، ومؤتمرات، وحوارات، ومناظرات، ووعود، أما الفكرة فأعني بها الاستيقاظ على الواقع، والصحوة على الحقيقة، فقد انقضى زمن الأوراق المزركشة، وانتهى مفعول الكلام المعسول. الآن وبعد طول أخذ ورد أصبح أحمد عيد رئيساً لاتحاد الكرة، وأي رئيسٍ؟!، فهو الرئيس التاريخي؛ باعتباره أول رئيس منتخب للاتحاد السعودي لكرة القدم بعد خمسة عقود ونيف من تتالي الرؤوساء المعينين، وبقدر ما أن هذه الصفة الاعتبارية تضيف لأحمد عيد في سيرته الذاتية الحافلة، إلا أنها في ذات الوقت تضعه أمام مسؤولية جسيمة هي مسؤولية أن يكون في مستوى المنصب من جهة، وفي مستوى الثقة التي منحها إياه ناخبوه. أحمد عيد حالياً مطالب بترجمة برنامجه الانتخابي إلى واقع، إذ لا ينبغي أن تظل الوعود الانتخابية مجرد حبر على ورق، وإلا فإنه سيكون أمام مسؤولية تاريخية ليس فقط أمام الجمعية العمومية، بل أمام الوسط الرياضي برمته؛ خصوصاً وأنه سيكون محاسب على كل بند من بنود برنامجه الذي كان متخماً بالآمال، ومشبعاً بالتطلعات، ومثقلاً بالوعود، خصوصاً وأنه في حواراته ومؤتمراته وكذلك في المناظرة قد أكد أن ما جاء في برنامجه الانتخابي ليس بيعاً للوهم على الناخبين بل قناعة بأن ربيع الكرة السعودية قادم على يديه. الواضح أن واقع الانتخابات شبيه إلى حد بعيد بواقع الشركات التجارية التي تقدم سلعاً للمستهلك حيث تسبقها دعايات براقة، ووعود صارخة؛ خصوصاً فيما يتعلق بقيمة المنتج، وبخدمات ما بعد البيع، وتكون صدمة المشتري حاضرة حين يكتشف بأن السلعة المشتراة ليست في مستوى الدعاية، وتكون صدمته مضاعفة حين يكتشف أن خدمات ما بعد البيع أسوأ من المنتج نفسه، لكن ذلك بالتأكيد ليس بالمطلق إذ تتوافق أحياناً الدعاية والوعود مع الواقع وإن كان ذلك نادراً. شخصياً تعمدت ألا أتمعن في برنامجي عيد والمعمر كثيراً قبل الانتخابات لقناعتي أن البرامج لا تعبر غالباً عن إمكانات المرشح وقدراته، بقدر ما أن ملكات المرشح وكفاءته وشخصيته هي من بيدها أخذ المرشح لأبعد آفاق النجاح؛ لأن بإمكان كائن من كان صياغة برامج تدغدغ العواطف، وتشحن المشاعر؛ لكن قلة قليلة من بإمكانهم إحالتها لواقع. الأمر الآن مختلف تماماً بالنسبة إلي وإلى كثير من المهمومين بحاضر ومستقبل الكرة السعودية بعيداً عن لعبة الميول المملة، وبمنأى عن صراع التعصب المقيت، إذ أصبح من الواجب على الجمعية العمومية أن تباشر دورها في محاسبة أحمد عيد وفق برنامجه الانتخابي بأن ندقق في كل جزئية من جزئياته، وهو ما ينبغي أن يضطلع به الإعلام والجماهير ليس تصيداً عليه بل لما في ذلك مصلحة للكرة السعودية في حاضرها ومستقبلها، وللتأسيس بشكل أفضل لهذا المشروع الانتخابي الحضاري؛ وحتى يكون في علم الجميع بأننا بقدر ما نهتم بالرئاسة فأننا نهتم أكثر بخدمات ما بعد الرئاسة.