سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الذكرى الثانية لوفاة الشاذلى بطل حرب أكتوبر.. نجح فى الانسحاب بقواته كاملة فى النكسة.. حرم إسرائيل من تفوقها العسكرى فى حرب رمضان.. فعاقبه السادات بعزله من الجيش
جاءت وفاة الشاذلى فى 10 فبراير عام 2011 قبل تنحى الرئيس السابق محمد حسنى مبارك بيوم، ليعطى له القدر جزءا مما يستحق، بجنازة عسكرية مهيبة فى نفس يوم تنحى مبارك، تبعها قرار جمهورى من الرئيس محمد مرسى بمنح اسم الفريق الراحل ''سعد الدين محمد الحسينى الشاذلى'' قلادة النيل العظمى، تقديرا لدوره الكبير فى حرب أكتوبر 1973، وتسلمها من سيادته أسرة الفريق الراحل . والفريق أول سعد الدين محمد الحسينى الشاذلى من مواليد 1 أبريل 1922، بقرية شبراتنا مركز بسيون بمحافظة الغربية، والتحق بالكلية الحربية فى فبراير 1939، وكان عمره وقتها 17 سنة، وتخرج برتبة ملازم فى يوليو 1940 ثم انتدب للخدمة فى الحرس الملكى من 1943 إلى 1949، وقد شارك فى حرب فلسطين عام 1948 ضمن سرية ملكية مرسلة من قبل القصر. انضم إلى الضباط الأحرار عام 1951، وأسس أول قوات مظلية فى مصر عام 1954، وشارك فى العدوان الثلاثى عام 1956، وشارك فى حرب اليمن كقائد للواء مشاة بين عامى 1965 و1966، وشكل مجموعة من القوات الخاصة عرفت فيما بعد ب"مجموعة الشاذلى" عام 1967. أثبت الشاذلى كفاءته مرة أخرى فى نكسة 1967، عندما كان برتبة لواء ويقود وحدة من القوات المصرية الخاصة مجموع أفرادها حوالى 1500 فرد، والمعروفة بمجموعة الشاذلى فى مهمة لحراسة وسط سيناء، ووسط أسوأ هزيمة شهدها الجيش المصرى فى العصر الحديث، وبعد قرار الانسحاب استطاع بحرفية نادرة أن يقطع أراضى سيناء كاملة من الشرق إلى الشط الغربى لقناة السويس، وقد نجح فى العودة بقواته ومعداته إلى الجيش المصرى سالما، وتفادى النيران الإسرائيلية، وتكبد خسائر بنسبة 10% إلى 20% جاءت كلها فى المعدات فكان القائد المصرى الوحيد الذى استطاع الانسحاب بقواته كاملة . واكتسب الشاذلى بعد هذه الحادثة سمعة كبيرة فى صفوف الجيش المصرى، فتم تعيينه قائدا للقوات الخاصة "صاعقة ومظلات"، وقد كانت أول وآخر مرة فى التاريخ المصرى يتم فيها ضم قوات المظلات وقوات الصاعقة إلى قوة موحدة هى القوات الخاصة. فى 16 مايو 1971، وبعد يوم واحد من إطاحة الرئيس السادات بأقطاب النظام الناصرى، فيما سماه بثورة التصحيح، عين الشاذلى رئيسا للأركان بالقوات المسلحة المصرية، باعتبار أنه لم يكن يدين بالولاء إلا لشرف الجندية، فلم يكن محسوبا على أى من المتصارعين على الساحة السياسية المصرية آنذاك. فى 6 أكتوبر 1973 شن الجيشان المصرى والسورى هجوما كاسحا على إسرائيل، بطول الجبهتين، ونفذ الجيش المصرى خطة "المآذن العالية" التى وضعها الفريق الشاذلى بنجاح غير متوقع، لدرجة أن الشاذلى يقول فى كتابه "حرب أكتوبر": "فى أول 24 ساعة قتال لم يصدر من القيادة العامة أى أمر لأى وحدة فرعية، قواتنا كانت تؤدى مهامها بمنتهى الكفاءة والسهولة واليسر كأنها تؤدى طابور تدريب تكتيكى". الخطة كان لها بعدان آخران على صعيد حرمان إسرائيل من أهم مزاياها القتالية، يقول عنهما الشاذلى فى مذكراته: "عندما أعبر القناة وأحتل مسافة بعمق 10: 12 كم شرق القناة بطول الجبهة (حوالى 170 كم) سأحرم العدو من أهم ميزتين له؛ فالميزة الأولى تكمن فى حرمانه من الهجوم من الأجناب؛ لأن أجناب الجيش المصرى ستكون مرتكزة على البحر المتوسط فى الشمال، وعلى خليج السويس فى الجنوب، ولن يستطيع الهجوم من المؤخرة التى ستكون قناة السويس، فسيضطر إلى الهجوم بالمواجهة وعندها سيدفع الثمن فادحا". وعن الميزة الثانية قال الشاذلى: "يتمتع العدو بميزة مهمة فى المعارك التصادمية، وهى الدعم الجوى السريع للعناصر المدرعة التابعة له، حيث تتيح العقيدة القتالية الغربية التى تعمل إسرائيل بمقتضاها للمستويات الصغرى من القادة بالاستعانة بالدعم الجوى، وهو ما سيفقده؛ لأنى سأكون فى حماية الدفاع الجوى المصرى، ومن هنا تتم عملية تحييد الطيران الإسرائيلى من المعركة". وفى 12 أكتوبر أرسلت القيادة العسكرية السورية مندوبا للقيادة الموحدة للجبهتين التى كان يقودها المشير أحمد إسماعيل، تطلب زيادة الضغط على القوات الإسرائيلية على جبهة قناة السويس لتخفيف الضغط على جبهة الجولان، فطلب الرئيس السادات من إسماعيل تطوير الهجوم شرقا لتخفيف الضغط على سوريا، فأصدر إسماعيل أوامره بذلك، ولكن الفريق الشاذلى عارضه بشدة، مؤكدا أن أى تطوير خارج نطاق ال12 كيلو التى تقف القوات فيها بحماية مظلة الدفاع الجوى، وأى تقدم خارج المظلة معناه أننا نقدم قواتنا هدية للطيران الإسرائيلى. وثبت صحة كلام الشاذلى، والقوات المصرية خسرت 250 دبابة من قوتها الضاربة الرئيسية فى ساعات معدودات من بدء التطوير للتفوق الجوى الإسرائيلى، وبنهاية التطوير الفاشل أصبحت المبادأة فى جانب القوات الإسرائيلية التى استعدت لتنفيذ خطتها المعدة من قبل، والمعروفة باسم "الغزالة" للعبور غرب القناة، وحصار القوات المصرية الموجودة شرقها، خاصة أن القوات المدرعة التى قامت بتطوير الهجوم شرقا هى القوات التى كانت مكلفة بحماية الضفة الغربية ومؤخرة القوات المسلحة، وبعبورها القناة شرقا وتدمير معظمها فى معركة التطوير الفاشل، ورفض السادات سحب ما تبقى من تلك القوات مرة أخرى إلى الغرب، أصبح ظهر الجيش المصرى مكشوفا غرب القناة، فيما عرف بعد ذلك بثغرة الدفرسوار. وبعد انتصارات أكتوبر تم تسريح الفريق الشاذلى من الجيش بواسطة الرئيس أنور السادات، وتعيينه سفيرا لمصر فى إنجلترا ثم البرتغال. وفى عام 1978 انتقد الشاذلى بشدة معاهدة كامب ديفيد وعارضها علانية مما جعله يتخذ القرار بترك منصبه ويذهب إلى الجزائر كلاجئ سياسى، وفى المنفى كتب الفريق الشاذلى مذكراته عن الحرب والتى اتهم فيها السادات باتخاذ قرارات خاطئة رغما عن جميع النصائح من المحيطين أثناء سير العمليات على الجبهة، أدت إلى التسبب فى الثغرة وتضليل الشعب بإخفاء حقيقة الثغرة وتدمير حائط الصواريخ وحصار الجيش الثالث لمدة فاقت الثلاثة أشهر كانت تصلهم الإمدادات تحت إشراف الجيش الإسرائيلى. كما اتهم فى تلك المذكرات الرئيس السادات بالتنازل عن النصر والموافقة على سحب أغلب القوات المصرية إلى غرب القناة فى مفاوضات فض الاشتباك الأولى، وأنهى كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه الرئيس السادات بإساءة استعمال سلطاته، وهو الكتاب الذى أدى إلى محاكمته غيابيا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، وحكم عليه بالسجن ثلاثة سنوات مع الأشغال الشاقة، ووضعت أملاكه تحت الحراسة، كما تم حرمانه من التمثيل القانونى وتجريده من حقوقه السياسية. وعاد إلى مصر بعد 14 عاما، وقبض عليه فور وصوله المطار، وصودرت منه جميع الأوسمة والنياشين وأجبر على قضاء مدة الحكم عليه بالسجن دون محاكمة، رغم أن القانون المصرى ينص على أن الأحكام القضائية الصادرة غيابيا لا بد أن تخضع لمحاكمة أخرى. وأثناء تواجده بالسجن، نجح فريق المحامين المدافع عنه فى الحصول على حكم قضائى صادر من أعلى محكمة مدنية، وينص على أن الإدانة العسكرية السابقة غير قانونية، وأن الحكم العسكرى الصادر ضده يعتبر مخالفا للدستور، وأمرت المحكمة بالإفراج الفورى عنه، رغم ذلك لم ينفذ هذا الحكم الأخير وقضى سنة ونصف السنة فى السجن، وخرج بعدها ليعيش بعيدا عن أى ظهور رسمى.