غير مقبول أن يكون حصول الدستور على موافقة الأغلبية المطلقة فقط ممن حضروا التصويت جوازا لاعتماده!!..المفروض أن يحصل الدستور على موافقة 70 % على الأقل من الحضور، شريطة أن يكون هؤلاء فى حدود ثلثى من لهم حق التصويت، حتى يكون الدستور معبرا عن توافق مجتمعى حقيقى..كنا نتمنى أن يتأجل الاستفتاء على الدستور شهرين أوشهرا، كى يتمكن الفرقاء من التوافق على المواد المختلف عليها..كنا نتمنى أن تكون الأجواء السابقة والمصاحبة للاستفتاء هادئة، بعيدة عن أى عنف، لفظى أو مادى..لكن للأسف لم يحدث ذلك..كان هناك إصرار على أن تمضى سفينة الوطن فى وسط الأنواء وفى خضم تلك الأمواج العاتية..لا يهم إن تعرضت السفينة للغرق أو الاصطدام، سواء بجبل جليد غاطس أو بسفينة أخرى..الانقسام والتصدع والتشرخ الحاصل فى جسد الوطن سوف يجرإلى خراب ودمار، خاصة بعد أن سالت دماء وفاضت أرواح..ترى من يتآمر على سفينة الوطن؟! قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية، كان الشعب المصرى، أو أغلبه فى وئام وفرح ونشوة..كان خارجا لتوه من الثورة التى أسقطت رأس النظام..لكن بعد الاستفتاء، كانت الفاجعة..انقسام المجتمع إلى فسطاطين، الأول إسلامى والآخر علمانى..كانت هذه بداية المأساة التى مازلنا نتجرع آثارها..فما الذى يمكن أن يحدث لنا بعد الاستفتاء على الدستور، ونحن على هذه الحال البائس من التردى والتدهور والانقسام؟! إن أهم ما نراه الآن هو غياب دولة القانون..لا سيطرة ولا تحكم فى شىء..من يريد أن يفعل شيئا مضى فيه غير عابئ بمن حوله، وغير مكترث بما يمكن أن يؤول إليه..أهم ما نراه الآن هو فقدان البوصلة..هناك ضباب كثيف يحيط بنا ويحجب عنا الرؤية..فأين نقف الآن، وفى أى طريق يمكن أن نسير، وإلى أى هدف نريد أن نصل؟ رئاسة الدولة فى خصومة مع مؤسساتها، والمواطن العادى فى حيرة واضطراب وارتباك بين معسكرين؛ أحدهما مع قرارات الرئيس والآخر ضدها..نحن الآن أمام حشد هنا، وحشد هناك..اعتصام حول المحكمة الدستورية العليا، واعتصام أمام قصر الاتحادية مصحوبة بمجزرة بشرية..حرق لمقار حزب الحرية والعدالة، واعتصام لمدينة الانتاج الإعلامى، وحصار واشتباكات دامية حول مسجد القائد ابراهيم بالاسكندرية، ثم هجوم على مقر حزب الوفد وتهديد لمقرات أخرى! ولا ندرى ما الذى يمكن أن يحدث خلال الأيام القليلة المقبلة؟! وتسأل عن الدولة، فلا تجد! هل هى مؤامرة على الوطن، حتى لا يستطيع أن يجنى ثمار ثورته الفتية؟ ومن الذى يسعى إلى ذلك، أو من له مصلحة فى ذلك؟ هل هو النظام القديم يريد أن يستعيد مجده الغابر؟ هل هو عدم حكمة من قيادة الدولة أدى إلى وقوع أخطاء استغلها البعض للوصول بالوطن إلى ما نحن فيه؟ أعتقد أن البداية كانت مع صدور"الإعلان الدستورى"..إن المؤامرة على الوطن لم تتوقف يوما..لكنها تختلف من حيث طبيعتها،والقائمين بها، والأهداف التى يريدون الوصول إليها من وقت لآخر..والقول إن هناك مؤامرة أدت إلى إصدار "الإعلان" يحتاج إلى توصيف دقيق وتحديد واضح ومكاشفة صريحة حتى يكون الشعب على بينة. نتيجة استفتاء المرحلة الأولى شابتها أخطاء كثيرة..لكن أهم دلالاتها تعميق الانقسام..والتصدع..فى جدارالوطن..هذا التصدع الواضح سوف تكون له آثاره السيئة، وما لم يسع الدكتور مرسى إلى مبادرة لجمع الشمل وتطبيب الجراح فسوف تكون العواقب وخيمة، ونسأل الله السلامة.