تأسست المحكمة الجنائية الدولية بصفة قانونية فى الأول من يوليو من عام 2002 بموجب ميثاق روما، الذى دخل حيز التنفيذ فى 11 أبريل من السنة نفسها، بعد تجاوز عدد الدول المصادقة عليه ستين دولة، وجاء التأسيس على خلفية موافقة 120 دولة على ميثاق روما، فى اجتماع للجمعية العمومية للأمم المتحدة فى إيطاليا عام 1998. واعتبر الميثاق أن ملايين الأطفال والنساء والرجال فى القرن العشرين - الذى شهد حربين عالميتين - قد وقعوا "ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزت ضمير الإنسانية بقوة"، وأنه شهد "جرائم خطيرة تهدد السلم والأمن العالَميين، وأن مثل هذه الجرائم لا يجوز أن تمر دون عقاب. وقبل ذلك كانت لجنة خاصة قد قدمت - بطلب من الجمعية نفسها - مسوَّدتين لنظام المحكمة الجنائية فى مطلع الخمسينيات من القرن الماضى، لكن المشروع لم يرَ النور، وبقى معلقا بسبب الإشكالات السياسية التى خيمت على العلاقات الدولية خلال ما عُرف بفترة الحرب الباردة بين المعسكر الغربى بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية والمعسكر الشرقى بزعامة الاتحاد السوفيتى السابق. وتختص المحكمة الجنائية الدولية بمتابعة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية، وتعنى حسب تعريف ميثاق روما، القتل أو التسبب بأذى شديد بغرض إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية إهلاكا كليا أو جزئيا، إضافة إلى معاقبة مرتكبى الجرائم ضد الإنسانية، وهى أى فعل من الأفعال المحظورة المنصوص عليها فى نظام روما، إذا ارتكب بشكل منظم وممنهج ضد مجموعة من السكان المدنيين، مثل القتل العمد والإبادة والاغتصاب والإبعاد والنقل القسرى والتفرقة العنصرية والاسترقاق، فضلا عن ارتكاب جرائم الحرب، والتى تعنى كل الخروقات المرتكبة بحق اتفاقية جنيف لسنة 1949، وانتهاك قوانين الحرب فى نزاع مسلح دولى أو داخلى. ويمكن للمحكمة أن تنظر بقضايا أشخاص متهمين بارتكاب هذه الجرائم مباشرة، أو آخرين لديهم مسئولية غير مباشرة فيها، كالمسئولية عن الإعداد أو التخطيط، أو مسئولية التغطية عنها، أو مسئولية التشجيع عليها. ويمكن للمحكمة، والتى تتخذ من مدينة لاهاى بهولندا مقرا لها، أن تعقد جلساتها فى أى مكان آخر بوصفها محكمة مكملة للقضاء الوطنى للدول الأعضاء فيها، وباعتبارها المآل الأخير عندما تكون هذه المحاكم غير قادرة على التحقيق مع المتهمين بالجرائم المذكورة أو لا تريد ذلك. يمكن للدول المصادقة على المحكمة أو مجلس الأمن الدولى أن تُحيل على المدعى العام قضايا تتعلق بالجرائم التى تختص المحكمة بالنظر فيها، كما يمكن له أن يبادر بفتح تحقيق فى أى قضية يرى أنها تستحق ذلك. ويفرض قانون المحكمة على هذه الدول أن تتعاون معها فى التحقيقات والمتابعات التى تباشرها، بأن تسلم المتهمين إن كانوا من مواطنيها، أو تعتقلهم وتسلمهم إذا دخلوا أراضيها، وأن تتيح كل الوثائق المتوفرة لديها فى أى قضية تفتح المحكمة التحقيق فيها. وتتشكل المحكمة من رئاسة تتكلف بالتدبير العام للمحكمة، وتضم ثلاثة قضاة ينتخبون من هيئتها القضائية لولاية من ثلاث سنوات، وشعبة قضائية، تتكون من 18 قاضيا متخصصا فى القانون الجنائى والمسطرة الجنائية والقانون الدولى، إضافة إلى مكتب للمدعى العام، ويختص بالتحقيق فى الاتهامات بالجرائم التى تدخل فى اختصاص المحكمة، ويبحث عن الدلائل والوثائق ويفحصها ثم يعرضها على المحكمة، والمدعى العام الحالى هو الأرجنتينى لويس مورينو أوكامبو، وكذلك قسم السجل، والذى يعنى بمتابعة كل الأمور الإدارية غير القضائية، وينتخب المسئول عنه من قبل قضاة المحكمة لولاية تمتد خمس سنوات. وأول شخص تم تقديمه للمحكمة الجنائية الدولية هو توماس لوبانجا، زعيم إحدى المليشيات المسلحة فى جمهورية الكونغو الديمقراطية، وذلك بتهمة ارتكاب جرائم حرب، حيث قيل: إنه جند أطفالا قاصرين واستخدمهم فى الحرب، كما تسعى المحكمة أيضا إلى متابعة قادة مليشيا جيش الرب الأوغندى، المتهمين بدورهم بتجنيد أطفال واستغلالهم فى الحروب. وعلى الصعيد العربى، كان قرار المحكمة بتوقيف الرئيس السودانى عمر البشير؛ لاتهامه بالتورط فى أعمال إبادة جماعية فى دارفور، من أكثر القرارات التى أثارت حالة من الجدل فى العالمين العربى والإسلامى، حيث تعاملت السودان مع الاتهامات التى وجهتها "الجنائية الدولية" للرئيس البشير بوصفها "اتهامات جائرة وظالمة، وأن المحكمة الجنائية تجاوزت دورها من أداة لتحقيق العدل إلى خصم سياسى، وأنها تعمل من خلال أجندة سياسية لتصفية الحسابات فى السودان، ولم تستجب السلطات المصرية لقرار المحكمة بتوقيف البشير أثناء زيارته للقاهرة فى 2009 ؛ لأنها لم توقع على إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.