عملت في قطر لمدة تقل عن خمس سنوات وذلك في ورش الصيانة التابعة للجيش القطري. والحق أني وجدت أهل قطر الأصلاء على مستوى عال من الأخلاق الكريمة والأدب الزائد.. وأتذكر منهم الرائد محمد الكواري وكذلك كل ضباط الجيش الذين ينتمون إلى العائلة الحاكمة وقد تعاملوا معنا بكل احترام. وقد عشت في قطر أحلى أيام حياتي وغادرتها إبان حرب تحرير الكويت، وقد لاحظت أن سياساتهم معتدلة، ففي الوقت الذي كانت فيه الكويت تميل كل الميل إلى جانب العراق في حربها على إيران، كانت قطر لها سياسة عاقلة ومتوازنة فيما بين كل من العراقوإيران. وعندما ظهرت قناة الجزيرة إلى الوجود لم يكن أحد ليتخيل كيف أن قناة فضائية تابعة لإحدى الدول الخليجية الصغيرة، والتي تسمى علبة الكبريت، يمكنها أن تطرح القضايا السياسية بحيادية في عالم تسيطر عليه قوى رأسمالية استعمارية غاشمة تتحالف مع نفوذ صهيوني خطير، والاثنان لا يتورعان عن ارتكاب أفظع الجرائم لتحقيق غاياتهما في التوسع والسيطرة. وعندما كنا نرى عرض قناة الجزيرة المباشر للغزو الأمريكي على أفغانستان أولا ثم على العراق، كنا نستغرب التباين الواضح فيما بين وجهة النظر المحايدة التي تعرضها الجزيرة، وما بين وجهة النظر المتحيزة التي تعرض في القنوات الفضائية الأمريكية العالمية، والتي كان ينتقدها الكثير من كبار المحللين السياسيين المحايدين، ولذلك كنا نصدق كل ما يقال عن ضرب الطائرات الأمريكية للمراسلين التابعين لقناة الجزيرة أثناء متابعتهم للحرب في كلا البلدين. وكانت أشهر برامج الجزيرة الفضائية برنامج "الاتجاه المعاكس"، الذي كان يفضح بجلاء مدى فساد الحكام العرب وعمالتهم للولايات المتحدةالأمريكية، خاصة في الدول ذات النظام الجمهوري مثل مصر وتونس وليبيا واليمن وبعض الدول ذات النظام الملكي، وهو الأمر الذي جذب الملايين من المشاهدين العرب الذين سبق لهم أن أعرضوا عن مشاهدة قنوات بلادهم الأرضية والفضائية والتي كانت قد امتلأت بالكذب والنفاق والرياء للحاكم العربي المستبد والعميل والفاسد في آن واحد معا. أما أعظم ما قامت به قناة الجزيرة الفضائية فقد جاء إبان ثورات الربيع العربي، أو ما يسمى كذلك، والتي بدأت في تونس ومن ثم انتقلت إلى مصر ومن بعدها وصلت إلى ليبيا واليمن وكان الإعجاب دائما ما يصاحب هذه القناة الفضائية التي تتبع الدولة الخليجية الصغيرة قطر أو علبة الكبريت، التي تمكنت من أن تفعل ما لم تفعله أكبر دولة عربية.. مع الأخذ في الاعتبار تقصيرها في عرض أحداث الثورة في دولة البحرين والتي تصورها حكومة البحرين على أنها أحداث طائفية. ولكن أغرب ما تفعله الجزيرة في الوقت الحالي هو انحيازها إلى الإخوان المسلمين بحق حينا وبغير حق حينا آخر، هذا على الرغم من أن الصراع في مصر هو صراع بين التماسيح على السلطة في مصر بعد زوال المخلوع مبارك، وهذه التماسيح تعبر عن قوى لا تمثل إلا جزءا صغيرا من الكتلة الشعبية المصرية في حين أن الأغلبية مازالت تعيش في الظل ولم تتمكن من فرض إرادتها بعد وتحقيق مطالبها في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. بدليل أن ما فعله فلول الحزب الوطني في المصريين لا يختلف عما فعله قادة المجلس العسكري، وما فعله الاثنان قريب جدا مما فعله أعضاء جماعة الإخوان وهو يتشابه كثيرا مع ما يفعله النظام الحالي.. وبدليل آلاف الشهداء من المصريين الذين سقطوا في زمن ثورة يناير والذين سقطوا في زمن المجلس العسكري، وفي زمن الإخوان المسلمين أيضا، والذين يتساقطون في الوقت الحالي ولم يقتص لأحد منهم لأنه حتى تاريخه لم يتم الاستدلال بعد على الطرف الثالث أو المجهول الذي يعرفه كل الناس في مصر ما عدا جهات التحقيق. فهل يمكن أن تكون قناة الجزيرة قد انتظمت في طابور القواعد الأمريكية خاصة وأن الإخوان كانوا الأكثر تماهيا مع المصالح الأمريكية؟..الله أعلم.. مع العلم بأنه لا يوجد في مصر أحد بريء من التعامل مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن التماهي مع مصالحها في المنطقة العربية .