تنشر "فيتو"، النص المقترح لديباجة الدستور، الذي انتهت منه اللجنة المصغرة وتناقشه لجنة الخمسين حاليا وجاء النص المقترح كالتالي: مصر هبة النيل للمصريين، ومصر هبة المصريين للإنسانية، ومصر- بعبقرية موقعها وتاريخها - رأس أفريقيا المطل على البحر المتوسط، ومصب لأعظم أنهارها النيل، والنيل شريان الحياة لمصر والمصريين، ومصر - بعبقرية موقعها وتاريخها - قلب العالم العربى، بل قلب العالم كله، فهى ملتقى حضاراته وثقافاته ومفترق طرق مواصلاته البحرية واتصالاته.. هذه مصر، وطن خالد للمصريين، ورسالة سلام ومحبة لكل الشعوب. في فجر التاريخ، لاح فجر الضمير الإنسانى وتجلى في قلوب أجدادنا العظام، فاتحدت إرادتهم الخيرة، وأسس أول دولة مركزية، ضبطت ونظمت حياة المصريين على ضفاف النيل، وأبدعوا أروع آيات الحضارة وتطلعت قلوبهم إلى السماء، قبل أن تتنزل رسالتها إلى الأرض. مصر مهد الدين، وراية مجد الدين، وراية مجد الأديان السماوية، وهى وطن نعيش فيه ويعيش فينا.. في أرضها شب كليم الله، وتجلى له النور الإلهى وتنزلت عليه الرسالة في طور سنين، وعلى أرضها احتضن المصريون السيدة العذراء ووليدها، ثم قدموا آلاف الشهداء دفاعا عن كنيسة السيد المسيح، وحين بعث خاتم المرسلين للناس كافة ليتمم مكارم الأخلاق، وانفتحت قلوبنا وعقولنا لنور الإسلام، قدمنا الشهداء في سبيل الله، ونشرنا رسالة الحق وعلوم الدين في العالمين. وفى العصر الحديث، استنارت العقول وبلغت الإنسانية رشدها، وتقدمت أمم وشعوب على طريق العلم، رافعة رايات الحرية والإخاء والمساواة، وفي العصر الحديث أسس محمد على الدولة المصرية الحديثة وعمادها جيش وطني أنشأه إبراهيم باشا، ودعا ابن الأزهر الشريف "رفاعة الطهطاوي" أن يكون الوطن محلا للسعادة المشتركة بين بنيه. وجاهدنا نحن المصريين للحاق بركب التقدم وقدمنا الشهداء والتضحيات في العديد من الهبات والمن والانتفاضات والثورات حتى انتصرت الإرادة الشعبية في ثورة 25 يناير - 30 يونيو التي دعت إلى العيش بحرية وكرامة إنسانية تحت ظلال العدالة الاجتماعية. هذه الثورة امتداد لمسيرة نضال وطني كان من أبرز رموزه أحمد عرابي ومحمد عبيد ومصطفى كامل ومحمد فريد، وتتويجا لثورتين عظيمتين في تاريخنا الحديث ثورة 1919 التي أزاحت الحماية البريطانية عن كاهل مصر والمصريين، وأرست مبدأ المواطنة والمساواة بين أبناء الجماعة الوطنية، ووضع خلالها طلعت حرب حجر الأساس للاقتصاد الوطني وسعى الزعيم سعد زغلول وخليفته مصطفى النحاس على طريق الديمقراطية مؤكدين أن الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة. وثورة 23 يوليو 1952 التي قادها الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ورفاقه الأحرار واحتضنتها الإرادة الشعبية فتحقق حلم الأجيال في الجلاء والاستقلال وانفتحت مصر على أمتها العربية وقارتها الأفريقية والعالم الإسلامي وساندت بخطى ثابتة على طريق التنمية والعدالة الاجتماعية ثورة 25 يناير - 30 يونيو امتداد للمسيرة الثورية الوطنية المصرية، وتتويج للعروة الوثقى بين الشعب المصري وجيشه الوطني، والتي حققنا بفضلها الانتصار في معاركنا الكبرى من دحر العدوان الثلاثي عام 1956 إلى هزيمة الهزيمة بنصر أكتوبر المجيد "بقيادة محمد أنور السادات". وثورة 25 يناير – 30 يونيو، فريدة بين الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية بكثافة المشاركة الشعبية التي قدرت بشعرات الملايين، وبتجاوز الجماهير للنخب والطبقات والأيدلوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة، وبمباركة الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية لها كما هي فريدة بسلميتها وبطموحها أن تحقق الحرية والعدالة الاجتماعية معا. هذه الثورة إشارة وبشارة، إشارة إلى ماض مازال حاضرا وبشارة بمستقبل تتطلع اليه الإنسانية كلها، فالعالم – في القرن الواحد والعشرين – توشك أن تطوى الصفحات الأخيرةَ من عصرِ الرشد، الذي مزَّقته صراعات المصالح بين الشرقِ والغرب، وبين الشمالِ والجنوب، واشتعلت فيه النزاعاتِ والحروب، بين الطبقاتِ والشعوب. وزادت المخاطر التي تهدد الوجود الإنساني وتهدد الحياة على الأرض التي استخلفنا الله عليها، وتأمل الإنسانية اليوم أن تخرج من عصر الرشد إلى عصر الحكمة لنبني عالما جديدا تسوده الحقيقة والعدل، وتصان فيه الحريات وحقوق الإنسان، ونحن المصريين نرى في ثورتنا عودة لإسهامنا في كتابة تاريخ جديد للإنسانية. نحن نؤمن أننا قادرون أن نستلهم الماضي، وأن نستنهض الحاضر، وأن نشق الطريق إلى المستقبل، وأن نبني مجتمعا مزدهرا متلاحما، ودولة عادلة تحقق طموحات اليوم والغد، للفرد والجماعة الوطنية. نحن قادرون أن ننهض بالوطن وينهض بنا، ولنا – ولأجيالنا القادمة – السيادة في وطن سيد، ونحن الآن نكتب دستورا لدولة الثورة، نغلق به الباب أمام أي فساد وأي استبداد، ونعالج فيه جراح الماضي من زمن الفلاح الفصيح القديم، وحتى ضحايا الإهمال وشهداء الثورة ومصابيها في زماننا، ونرفع الظلم عن بعض فئات شعبنا، التي عانت طويلا بسبب موقعها الجغرافي أو خصوصيتها الثقافية، كأهل النوبة والصعيد وسيناء والواحات. نحن الآن نكتب دستورا يستكمل بناء الدولة الديمقراطية الحديثة في مصر، وهو دستور يؤكد أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع بما يتعين معه على المشرع أن يكون اجتهاده ملتزما بالقواعد الضابطة لاستنباط الأحكام من أدلتها الشريعة متحريا مناهج الاستدلال على أحكامها العملية والقواعد الضابطة لفروعها. نحن الآن نكتب دستورا ينير لنا طريق المستقبل ويتسق مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي شاركنا في كتابتها وصدقنا عليها، ونرى أن تنوع مصادر التشريع يثري حياتنا ويفتح أمامنا آفاق التقدم، ونحن نؤمن أن مصر جزء لا يتجزأ من الأمة العربية ينتمي إلى القارة الأفريقية، وتمتد حدودها في القارة الآسيوية، وتطلع على البحر المتوسط، وأزهرها الشريف منارة للعالم الإسلامي، أرضها وحدة واحدة لا تقبل الانقسام أو التجزئة أو الانتقاص منها، ووحدتنا الوطنية مبدأ ثابت من مبادئنا. ونحن نحترم التنوع في إطار الوحدة الوطنية، ونرى فيه ثراءً للهوية المصرية، ونؤمن أن كرامة الوطن من كرامة المواطن، كما نؤمن أننا مواطنون أحرار في وطن حر، ونحن الآن نكتب دستورا يصون حرياتنا ويحمي الوطن من كل ما يهدده أو يهدد وحدتنا.