«حسن البنا» أسس التنظيم الخاص بعيدًا عن جسد الجماعة وخطابها العام مشهد ميليشيا الأزهر ما زال حاضرًا إلى اليوم وله دلالته الخطيرة كاريزما الشاطر وحازم قد تخلق عنفًا بين المتحمسين المحبطين اعتراف اللواء عمر سليمان - قبل وفاته- بأن المخابرات العامة كانت «الصدر الحنون للجماعة... والذي شرحه في حديثه إلى عادل حمودة يؤكد عمق الصلة بين الجماعة والدولة، لذا قرأنا للمرشد العام مهدى عاكف - سنة 2005 - أنهم سوف يصوتون للرئيس مبارك وأنه يتمنى الجلوس معه. تاريخ الإخوان مع العنف هو أمر مقلق للكثيرين، فقد شكل المرشد المؤسس حسن البنا التنظيم الخاص بالجماعة، وكان سريًا حتى على أعضاء الجماعة، وقام التنظيم بالعديد من العمليات بدءًا من اغتيال أحمد ماهر، مرورا بالمستشار أحمد الخازندار ثم محمود فهمى النقراشى رئيس الوزراء الذي أصدر قرار حل الجماعة وللحق فإن عددًا من الأحزاب عرف في تاريخه أعمال العنف، حتى الوفد نفسه، فعلها، صحيح أن عملياته كانت موجهة ضد الإنجليز في المقام الأول، وليس إلى الزعماء المصريين، كما فعل التنظيم الخاص، لكنه في النهاية عنف.. وبعد فترة اكتشف الإخوان خطورة هذا النهج، حتى أن حسن البنا أعلن في أيامه الأخيرة أنه لو استقبل في أيامه ما استدبر، كما سار في هذا الطريق، وفيما بعد انقلب التنظيم الخاص على نفسه وقام بتصفية سيد فايز، أحد أبرز أعضائه وكان المرشد الثانى قد اختار قائدًا للتنظبيم بدلًا من قائده المؤسس عبدالرحمن السندى. التنظيم الخاص - فعلًا - هو محاولة اغتيال عبدالناصر في أكتوبر1945، لأن الإخوان يصرون على الإنكار حتى اليوم، ومن ثم لم نصل إلى معلومات تفصيلية عنها، لقد كانت بالعملية خلية صغيرة من خلايا التنظيم الخاص، ولا تعرف من في قيادات الجماعة كان على علم بها ومن أمر بها أم أن تلك الخلية شردت وحدها وقامت بها وورطت الجماعة فيها؟! المقلق كذلك، عملية 1965 أو تنظيم سيد قطب، والمؤكد أن سيد قطب ومجموعته لم يكونوا من أبناء الإخوان الأصلاء، وأنهم شكلوا تنظيمًا خاصًا بهم، دون علم الجماعة أو موافقتها، كانت هناك حلقة اتصال بين سيد قطب والمرشد الثانى، هي الحاجة زينب الغزالى، وعندما علم عدد من أعضاء الجماعة الكبار، أقصد الذين عملوا مع المرشد المؤسس، بأمر ذلك التنظيم، توجسوا منه خيفة، وفيهم من اعتبره دسيسة من المباحث العامة عليهم، وهناك من فكر جديا في أن يبلغ المباحث بأمرهم، والمعنى أن العنف لم يكن سياسة معلنة للجماعة، ولا هو جزء من بنيتها الفكرية، بل يقوم به تنظيم خاص يبتعد عن جسد الجماعة أو خلية تعمل وحدها، ويعمل هذا التنظيم بعلم المرشد وربما دون علمه، إنه أشبه بجهاز أمنى سرى، داخل دولة ما، يعمل بعيدا عن الحكومة وعن الدستور والقوانين، ومن المتوقع أن جماعة كبرى، يشكل مرشده تنظيما خاصا أو جهازًا سريا، لن تعلن عنه ولن تتحدث عنه في أدبياتها، ولن تمجد العنف أو تشد به.. وربما تدعو إلى التواد والتسامح، لكن هذا لا ينفى إمكانية وقوع عمليات عنف. ظل رموز الإخوان عقودًا طويلة لا يعرفون أن محمود العيسوى المحامى، عضو الحزب الوطنى، الذي نفذ عملية اغتيال الزعيم أحمد ماهر، كان عضوا في التنظيم الخاص بالجماعة وأنه كلف من التنظيم باغتيال أحمد ماهر، الذي قام بإسقاط حسن البنا في انتخابات البرلمان، قبلها بعام، وأعدم العيسوى وذهب إلى ربه يحمل سره، الذي أفشاه عدد من قادة هذا التنظيم بعد أن شعر كل منهم بدنو الأجل، تحدث محمود عساف سكرتير حسن البنا عن العملية بتفاصيلها في مذكراته وأشار إليها الشيخ الباقورى في ذكرياته. ميليشيا الإخوان والآن تؤكد الجماعة أنها مسالمة وسليمة تمامًا ولم يسجل عليهم حادث عنف واحد، ولابد أن نصدقهم في ذلك، وهو صحيح، ويصدر عن قادة الجماعة إشارات مطمئنة في هذا الجانب، وربما لم يتوقف كثيرون عند تعمدهم، ووهو زيارة المرشد الحالى د.محمد بديع للأنبا شنودة الثالث في مقره، قبل وفاته بوقت قصير، ولو علمنا أن المرشد الحالى من مجموعة وتنظيم سيد قطب لأدركنا مدى التحول، سيد قطب لعن المسيحيين والنصارى وكان يراهم جميعًا صليبيين، لكن تلميذه يذهب إلى البابا في مقره.. التخوف العام هو أن يكون لدى الجماعة ميليشيات خاصة أو تنظيم سرى، على غرار هذا التنظيم، وبالتأكيد لو أن هذا التنظيم موجود لن يعلم به عموم الجماعة، ولنتذكر حين وقع حادث ميليشيات الأزهر، خرج د.محمد حبيب، وقتها كان حبيب نائب المرشد، مذهولا وكأنه فوجئ، ولم يكن الرجل يدرى بأى طريقة يعتذر هل هناك ميليشيات أو مجموعات مسلحة بالفعل..؟ إذا وجد سوف يكون سريا تماما حتى على قادة الجماعة. ومع التحول السياسي وبناء دولة القانون ودولة المؤسسات لن يكون للميليشيات دور ولا هناك احتياج لها، ومن ثم قد تفكك، وإذا كانت بتصرف غير قانونى سوف تحاسب، والمعنى أنه لن يكون منها خطر كبير، في أي مجتمع قد تتشكل عصابة ما، لكنها تكشف وتضبط مع أي عمل أو أعمال إجرامية تقوم بها. الجناح العسكري لقد تحدث بعض المراقبين عن وجود ميليشيات أو تنظيم خاصة «جناح عسكري» داخل الجماعة، وقيل أيضا إنه يتبع نائب المرشد المهندس خير الشاطر، واكتفت الجماعة بالرد أنها تركت العنف نهائيا، لكن لم يصدر نفى واضح من المرشد ولا من نائبه، يكذب فكرة وجود جناح مسلح داخل الجماعة، لقد شاهدت بعيناى في ميدان التحرير، يوم موقعة الجمل، كيف قام بعض شباب الإخوان بدور بطولى في عرقلة أصحاب الجمال، تتار النظام السابق، وهذا الدور رغم التقدير والامتنان لهم يكشف أنهم تلقوا تدريبًا قتاليًا ما، وهناك كثيرون لاحظوا ذلك. إن تجربة التنظيم الخاص بالجماعة غير قابلة للتكرار، المناخ العام في مصر الثلاثينيات والأربعينيات مختلف منه الآن، كان مقبولًا وقتها جمع الأسلحة والتدريب عليها بدعوى مقاومة الاحتلال البريطانى، وكانت أجهزة الدولة تتسامح في ذلك، وهذا غير قائم الآن، وكانت هناك شخصية المرشد المؤسس حسن البنا وهو شخصية مخابراتية بامتياز، ورغم طيبته وتسامحه الشديد كداعية، لكن كانت في شخصيته جوانب عنف وحدة تبدو في بعض المواقف، وهو أيضا شخصية غير قابلة للتكرار، لكن أمر ميليشيات المسلحة - سهل وميسر- في مجتمعنا اليوم، لدينا جيوش من البلطجية، هم بمعنى عام، ميليشيات تخريب وتدمير، ولذا لأبد أن يصدر عن المرشد أو نائبه بيان بهذا الخصوص، يؤكد بوضوح أن الجماعة ليس لديها ميليشيات ولا جناح مسلح ولا أن أحد قادتها يشكل جناحا مسلحا من وراء ظهر الجماعة. الخلايا الشاردة الخطورة الحقيقية هي في «الخلايا الشاردة»، أي أن يشكل مجموعة من الشباب وحدهم، خلية تستعد لأعمال عنف وعمليات مسلحة ثم يقومون بها، وهذا هو الأقرب إلى الحدوث، مع حالة الغضب لاستبعاد خيرت الشاطر، وحازم أبو إسماعيل، وكل منهما له كاريزما خاصة، وسيطرة معنوية على مجموعات من الشباب، وربما الكبار، أحد أعضاء الإخوان، وهو أستاذ جامعى، ذكر اسم المهندس خيرت، أكثر من عشرين مرة في مداخلة تليفزيونية مدتها أقل من خمس دقائق، مثل هؤلاء مع حالة الحماس والانجذاب الشديد للمهندس خيرت وللمحامى حازم أبو إسماعيل ومع الإحساس بأنه تم استبعادهم عمدًا، حتى لو لم يكن ذلك صحيحا، فإنه يمكن أن يصدر عن بعضهم عمليات عنف من بابا الانتقام وأخذ الثأر. أيا كان الأمر فما نتمناه هو لا تقع عمليات عنف وألا تتكرر - حوادث الإرهاب، لأنه لو حدث ذلك -لا قدر الله - فإن الخسارة سوف تصيب الجميع، وفى المقدمة سوف تضرب الحياة السياسية ومدنية الدولة في مقتل، حوادث وعمليات التنظيم الخاصة في الأربعينيات حولت جهاز الشرطة إلى وحش كاسر ولم يكن كذلك من قبل: وعملية 1954 أدت إلى بؤلسة النظام السياسي كله وضربت الحياة والتيارات الإسلامية في العمق، فقد نقلتها إلى ساحة التكفير وذم عقائد المخالفين لها، ويكفى مصر تلك التجارب المريرة والفاشلة: الأمل معقود على العقلاء بيننا، سواء في الجماعة وحزبها أو بين التيارات السلفية وكذلك الشخصيات المدنية لنعبر هذه اللحظة الفارقة.