لم يكن هناك مصادر تاريخية صادقة ليضع المؤرخ صورة صادقة للديانة المصرية في عهد بداية استعمال المعادن، وما دون كتابة في فجر التاريخ المصري لم يشر الا بإشارات خفيفة لتلك الازمان السحيقة، واهم مصادر وصلت الينا في هذه الناحية هي متون الاهرام التي دونت على جدران اهرام سقارة في خلال الاسرتين الخامسة والسادسة، وذلك في داخل مجرات دفن الملوك فحسب، رغم أن هذا المتون تشير إلى ديانة ما قبل الاسرات، غير انها تنحصر في ديانة الوجه البحري التي الفت فيه المتون المذكورة هذا إلى انها كانت خاصة بالملوك لا بعامة الشعب. اما المصدر الثاني وهو مصدر مهم الذي تمركزت عليه في استنباط ديانة هذا العصر، فهو الكشف الاثري في الوجه القبلي وفي الدلتا، وما كشف من الآثار إلى الآن يدل على أن مدينة الوجه البحري اعرق في القدم من مدينة الوجه القبلي. واذا كانت الأمور تقاس بأشباهها فإن محتويات المقابر التي كشفت في هذا العصر بمقارنتها بما كشف في العصور التاريخية، يدل على أن القوم كانت لهم معتقدات دينية ترتكز على أساس متين، ولا أدل على ذلك مما عثر عليه في جبانة عصر البداري من الحيوانات التي عني بدفنها بعد تكفينها كما كان يحدث في العصر التاريخي، فمثلا وجدت اولاد آوي، وثيران، وكباش، غزلان، ملفوفة في حصير او نسيج من التيل – مما لا يترك مجالا للشك في انها كانت تقدس وتعبد، وكذلك وجدت مقابر في البداري تعويذات مصنوعة من العظم تمثل رؤوس غزلان، وجاموس، كما وجد في عهد تقادة بعض أعلام مرسومة على اواني فخار، ويحمل كل منها صور حيوان اشعار، وكان لا بد يستعمل بمثابة صورة اورز لإله خاص ومن المحتمل جدا أن هذه الرموز الدينية تدل على اقسام سياسية للبلاد في هذا العصر. وجدير بالذكر أن اهم دلالة على اعتقاد القوم في هذه الازمان السحيقة، بأن إنسان هذا العصر كان يعتقد في أنه سيعيش كرة أخرى في قبره مما يلاحظ في ترتيب الادوات التي كانت توضع معه، ويمكننا أن نستنتج أن المواد الغذائية التي كانت توضع بالقرب من الجثة، وكذلك ادوات الزينة وبعض الآلات، وكان لا بد للمتوفي أن يستعملها في حياته الثانية في القبر كما كان يستعملها في حياته الدنيا بكل مظاهرها ولوازمها. وكما ذكرنا قبل ذلك طريقة دفن المتوفي في القبور في هذا العصر، فكانت توضع جثة المتوفي في لحدها ورأسها متجهة نحو كوخ أسرته التي غادرها، وربما كان الباعث على ذلك رغبته حسب اعتقادهم في أن يرى باستمرار ملاكه الدنيوية واخلافه من بعده، ويعزز هذا الرأي ما نشاهده في قبور العصر التاريخي، إذ عينين تدلان على مكان وجود رأسه، وكان في مقدوره أن يرى كل ما يحيط به في العالم الدنيوي بهما، وفي هذا العصر عثر كذلك على بعض دمى لنساء وخدم وحراس نصبت خلف جدار القبر، هذا إلى مراكب صغيرة معها شبكها ومعداتها، وحيوانات متوحشة واليفة، كل هذه الاشياء قد اهديت للمتوفي ووضعت معه في القبر ليستعملها في حياته الاخرة بواسطة رقى سحرية، ولا نزاع في أن إنسان هذا العصر كان يستعين بالسحر لاستخدام هذه التماثيل الصغيرة فيقبلها إلى حقيقتها، وهذا بالضبط ما وجد في العصر التاريخي في معتقدات القوم الجنائزية، على أن هناك عادات في الدفن عثر عليها في عصر ما قبل الاسرات ولكننا لم نعثر عليها في عادات العصر التاريخي إلى الآن .. ولذلك ستظل سرا غامضا إلى أن نعثر على نظائرها، فمنها أنه عثر على هياكل عظمية في مقابر لم تمس بعد. فتلك الاشياء كلها لم تكن مدفونة في حالتها الطبيعية، وقد ظن بعض العلماء أن الاجسام التي وجدت بهذا الشكل قد فصل عظام كل منها عن بعضها بعد الموت او قبل الدفن، حتى أن بعضهم ظن أن لحمها كان يؤكل .. ولكن هذا الرأي لا يخرج عن مرتبة الخرافة المحضة. وقد عثر في دشاشة على مقابر لم تمس بعد من الاسرات الاولى على بعض اجسام مفصولة عظامها عن بعضها ثم لفت فيما بعد في نسيج من الكتان، ومن المحتمل جدا أن هذه العادة قد ورثها أهل الآرات من قوم ما قبل الاسرات ولم يعرف تفسيرها إلى الآن .. وهي اغرب عادة وصلت الينا من عصر ما قبل الاسرات هي كسر ساعد المتوفي، وقد وجدت هذه الظاهرة في النساء والرجال على السواء، ولا شك أن ذلك يرجع إلى اعتقاد ديني لا نعرفه. وفي عصر ما قبل الاسرات المتوسط ظهرت الرقى السحرية، ففي هذا العصر اخذت الرقى السحرية التي كادت تكون معدومة في العصر السابق، تظهر وتنتشر وكانت تصنع من الاردواز او العاج والعظم.