نعمة العدو أخيرًا، قررت مصر مواجهة أعدائها الحاقدين بعد أن جرأهم عليها حقب طويلة سادت فيها مظاهر الضعف والاستكانة والخنوع في مواقفها الإقليمية والدولية، ومن فرط استهانتهم بها قرروا استهداف كيانها ذاته مستكبرين عليها لا يخفون مكرهم وبغضهم وعداوتهم لها. لقد حرمنا نظام مبارك الانهزامى طيلة ثلاثة عقود مظلمة من حقنا في مواجهة أعدائنا أو أن نعرف لنا عدوا واضحا نواجهه، فكانت تلك أكبر جرائمه، فقد تسببت سياسته الرمادية المهادنة والمستسلمة في استهانة كل الدول بنا وبقدر بلدنا، وأصبح المصرى في الخارج يعانى من واقع وسياسة بلده في كرامته ومنعته وعزته، ولقد استهدفت معاهدة كامب ديفيد من قبل إفراغ مصر من حالة التحفز المجتمعى، ومنع استثارة عناصر المواجهة المجتمعية ضد العدو الإسرائيلى، حتى صرح السادات بأن حرب أكتوبر هي آخر الحروب، في إشارة خطيرة لطمس فكرة المواجهة والانفعال بها، وخلق واقع جديد تسوده المهادنة ويقيده الاستسلام، وليصير المجتمع بلا حراك تنافسى موجه، فوجود العدو هو الذي يستحث غريمه على الحركة والتحفز ليصد الاعتداء المنتظر، ما ينقل المجتمع كله نقلة نوعية تتصل بدرجة الوعى واستنهاض الهمم للإنتاج، حتى إن أمريكا عندما انهار عدوها الشيوعى سعت لصنع عدو بديل لها لضمان استمرار استنهاض همة أمتها القائمة على المشروع القومى للحلم الأمريكى الذي يفترض دائمًا وجود حالة العداء والكره في العالم كله لكل ما هو أمريكى، ما يدفع الشعب للالتفاف حول قيادته والافتخار بها ويساهم ذلك في تقوية اللحمة والاتحاد والانتماء الوطنى بين أفراده. وجود العدو المستمر لكل مجتمع هو الذي يضعه في حالة جهازية مستمرة، ويرفع من قدرته على المواجهة، ويتعرف فيها المجتمع على قدر نفسه ومقدار قوته وقدراته، وهى الحالة المماثلة لسنوات الطفرة المجتمعية المصرية في الثلاثينات والأربعينات التي قام فيها المصريون ليقاوموا المحتل البريطانى، فاستثار ذلك فيهم كل عوامل الابتكار والتفوق والإبداع. ولقد شهدت مصر طوال السنتين الماضيتين تغيرات مجتمعية وسياسية دراماتيكية حدثت فيها ثورتان وسقط فيها رئيسان، ولكن التطور الأكبر الذي تجلى على الساحة قرار مصر دخول حلبة المواجهة بعد أن عرفت عدوها فاتخذته عدوًا، وعزمت على الوقوف أمام مخططاته وإفشال مؤامرته بعد طول انتظار.