من بين مكتبتي الفلسفية والأدبية كتاب قادة الفكر لطه حسين وفى الحقيقة قد قرأته في بداية عملي البحثي من سنوات وسنوات وتطرقت يدى إلى التقاط هذا الكتاب من بين الكتب كي أعيد قراءته مرة أخرى قراءة متأنية تحليلية.. ووقعت عينى من خلال سطور هذا الكتاب «قادة الفكر» لطه حسين في قلب مشروعه التنويري الذي أراد به فتحَ نوافذ العقل العربي على تراث الفلسفة الغربية وأدواتها، لا لمجرد التعريف بالأعلام، بل لاقتراح طرائق في النظر ومنهج في الفهم.
الكتاب ليس تاريخًا للفلسفة بالمعنى الأكاديمي الدقيق، وإنما سلسلةُ صورٍ فكرية لفلاسفة ومفكرين من سقراط وأفلاطون وأرسطو إلى ديكارت وسبينوزا وفولتير وروسو وغيرهم؛ صورٌ يلتقط فيها الكاتبُ الفكرةَ المركزية لكل واحد ويضعها في سياقها التاريخي والروحي، ثم يضع سؤال النهضة في خلفية المشهد: كيف انتقل العقل الأوروبي من القيود إلى الحرية؟ وكيف يمكن للقارئ العربي أن يتعلم من هذا المسار دون إسقاطٍ أعمى أو قطيعة مع الذات؟ يقدّم طه حسين قراءة مكثّفة لحياة وأفكار عدد من القادة الذين أثّروا في مسار الفكر الإنساني. سقراط يظهر باعتباره ضمير السؤال ومنطق الحوار؛ أفلاطون ممثلًا لسلطة المثال والمدينة الفاضلة..
أرسطو كمهندس التصنيف والمنهج؛ ثم ينتقل إلى الحداثة العقلية مع ديكارت ومنهجه الشكي، فسبينوزا وأخلاق الضرورة ووحدة الوجود؛ ومع فولتير وروسو تتجسد روح التنوير: حرية الضمير، ونقد الاستبداد، والعقد الاجتماعي. ولا يكتفي طه حسين بتلخيص الأفكار، بل يبدأ غالبًا من الظرف التاريخي: محاكمة سقراط، تجاذبات أثينا، صراع الكنيسة والفكر الحر في أوروبا، تحولات العلم والسياسة. بهذه الطريقة يربط الفكرة بأرضها، فيُفهم لماذا ظهرت لا ماذا قالت فقط. ونجد فى سياق ذلك أسلوبه مرنا، يقترب من القارئ العام دون أن يسطّح، ويستخدم الحكاية والمشهد الحيّ لتقريب المباحث المجرّدة. هذا الخيار الأسلوبي جزء من رسالة الكتاب:ان الفلسفة شأن عمومي لا أسرار خاصة بالنخب.
وتتلخص أفكار الكتاب في أربع قضايا كبرى اولها العقل ومنهجه من سقراط إلى ديكارت، ثمة خيط واضح: شرعية السؤال، وأن الطريق إلى اليقين يمرّ عبر الشك المنهجي والنقاش المفتوح. وأرسطو يمثّل لحظة بناء الأدوات: تعريف، برهان، قياس؛ أي أن التقدم يبدأ حين نرتّب أفكارنا ونضبط ألفاظنا.
وثاني هذه القضايا الحرية والسلطة حيث يعرض فولتير ويذكّر حرية الضمير ونقد التعصب، ثم يتطرق إلي روسو اذ يعيد تعريف الشرعية السياسية بأنها نابعة من إرادة عامة لا من حق إلهي أو قوة السلاح وأن تحرير الإنسان شرط لتحرير الفكر؛ فلا فلسفة مزدهرة تحت منهجية منغلقة.
وثالث القضايا التي عرضه طه حسين هى قضية الأخلاق والإنسان واشار إلي سبينوزا حيث قدّم رؤية أخلاقية تقوم على الفهم والحاجة إلى التحرر من أهواء العاطفة العمياء، لا عبر الوعظ بل عبر معرفة الضرورة. ومن ثم هذا يقود إلي تصور يرى الفضيلة ثمرة معرفةٍ وعملٍ لا مجرد وصايا.
أما رابع القضايا هى المجتمع والتاريخ يشير الكتاب أن الأفكار الكبرى لا تُفهم إلا في حركتها التاريخية: الفلسفة مرآة تحوّلات المجتمع، وهي في الوقت نفسه محرّك لتلك التحولات. ولكن طرأ إلي ذهني كيف كان يقرأ طه حسين هؤلاء «القادة»؟ في الحقيقة من خلال قرأتى للكتاب للمرة الثانية وجدت طه حسين يلمّح، بصورة غير مباشرة، إلي أسئلة عصره المصري والعربي: التعليم، سلطة التقليد، الإصلاح السياسي. وعبر المقارنة بيننا وبينهم، يدعو القارئ إلى تفكيك عوائق العقل في بيئته: الخلط بين المقدس والبشري، الاستسلام لبلاغةٍ بلا برهان، وتقديس الماضي بدل فهمه. هو كان لا يغرق في الاقتباسات، بل يقدّم روح الفكرة: مثل ما الذي أراد ديكارت تحقيقه؟ أيّ مخاوف واجهها روسو؟ لماذا كان سقراط خطرًا على الراحة العامة؟ هذه الأسئلة تجعل العرض حيويًا لا تلخيصًا مدرسيًا. وكان يبسّط من دون أن يُملي على القارئ لاستنتاج الصحيح. يترك مساحةً للاختلاف، وهو درسٌ في أخلاق التفكير.
وفي الحقيقة أجد قيمة الكتاب الفكرية اليوم في التعليم والثقافة العامة إذ يُظهر الكتاب أن الطريق إلي النهضة يبدأ من تعميم أدوات التفكير: السؤال، البرهان، الشك المنهجي. لذلك ما يزال صالحًا كمدخل لطيف إلي الفلسفة لمن لا خلفية أكاديمية لديهم.
وفي السياسة والفكر العام إعادة طرح ثنائيات التنوير الحرية/ السلطة، العقل/ التقليد، تفيد في نقاشاتنا الراهنة حول التعليم، والتنمية ويذكّرنا أيضا بأن الدولة الحديثة تُبنى على عقدٍ اجتماعي ومواطنة. وفي الأخلاق الشخصية الدرس السبينوزي -حرير النفس بالمعرفة- والدرس السقراطي- حياةٌ غير ممحوصة لا تستحق أن تُعاش- يقدّمان برنامجًا عمليًا: اطرح أسئلة، افهم دوافعك، واشتغل على نفسك قبل أن تطلب تغيير العالم.
ولكن لى ملاحظة نقدية علي الكتاب بحكم تخصصى كاستاذ وباحث في الفلسفة إذ ينتقي رموزًا أوروبية بالأساس، فيبدو كأن الفكر الإنساني هو الغرب وحده. هذا مفهوم في سياق مشروع التحديث، لكنه يظلّ انحيازًا كان يمكن موازنته باستدعاء أعمق للفكرين اليوناني والإسلامي ضمن سلسلة التطور نفسها. قوة الكتاب في الإيجاز، وضعفه كذلك؛ فالقارئ قد يغادر كل فصل بإحساسٍ جميل دون أدوات كافية للخوض في نصوص الأصل. ولهذا يُستحسن أن يُقرأ بوصفه مقدّمةً يتبعها الرجوع إلى المصادر. طه حسين يختار ويؤطّر ويشير؛ أي أنه يقترح طريقًا أكثر مما يقدّم «حكمًا نهائيًا». هذه ميزة تربوية، لكنها تتطلب من القارئ يقظةً حتى لا يتحوّل الإعجاب بالأسلوب إلى تبعية ذوقية. واطرح السؤال لعزيزى القارىء لماذا يبقى قادة الفكر مهمًا؟ الفلسفة السياسية نحو الواقع عيد رهبنة قداسة البابا تواضروس الثاني ال37 لأنه يربط الفلسفة بالحياة: لا أفكار معلّقة في الهواء، بل أسئلة الضرورة، العدل، المعرفة.التنمية وتربية الكوادر وانتهاج حياة سياسية على قواعد فكرية لا على غوغائية ولأنه يذكّر بأن المنهج أصل النهضة؛ وأن كل تحوّلٍ تاريخي بدأ بجرأةٍ على السؤال ومهارةٍ في التنظيم العقلي. ولأنه يقدّم نموذجًا عربيًا رصينًا لمنهج الأفكار يصلح للمساهمة فى مشروع بناء الإنسان المصري. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا