في عام 1992 تقريبًا وأنا بالصف الثاني بالجامعة وبدأ اهتمامي بدراسة الفقر وقضايا الفقراء. وفي دراستي للماجستير والدكتوراه كنت قد اطلعت على معظم تجارب الدول في مكافحة الفقر. التجارب الناجحة والفاشلة والدول التي حققت طفرات تنموية غير مسبوقة مثل تجربة الهند والبرازيل وسنغافورة وماليزيا وإندونيسيا وغيرها.. وكان مؤشر النجاح في معظم التجارب هو زيادة الإنفاق على برامج التنمية والرعاية الاجتماعية كالصحة والتعليم مثلًا.. والمشروعات الانتاجية الصغيرة والمتناهية الصغير والمشروعات كثيفة العمالة.. إلا في التجربة المصرية.. تساءلت بدهشة في حضور المنطق: لماذا كلما زاد الاتجاه نحو المشروعات الصغير وزاد معدل إنفاق الحكومة على برامج التنمية زاد معدل الفقر؟! ربما نجحت الدولة المصرية علي مدار تاريخها في التغلب على عديد من الأمراض المتوحشة التي كادت تفتك بحياة المصريين، لكنها لم تملك على مدار هذا التاريخ خطة ناجزة في مواجهة الفقر أو الحد من تداعياته.. ليس عيبًا أن نعترف بضعف الخطط والسياسات التي تبنتها الحكومات المتعاقبة في الحد من الفقر ولكن العيب كل العيب هو الإصرار علي نفس الخطط والسياسات التي تسببت إلى حد كبير في تزايد معدلات الفقر وجعلت الاستقرار الاجتماعي دائمًا علي المحك! أضلاع مثلث مواجهة الفقر وإذا أردنا أن نقدم للدولة تشخيصًا كاملًا لمشكلة الفقر في مصر فلن نستطيع أن نتجاهل ما ذكرناه في مقالات سابقة وهو أولًا: إيمان الحكومات أن بأن الفقر ليس مرضًا يمكن الشفاء منه بقدر ما هو عاهة مستديمة يعيش الإنسان موصومًا بها ويورثها لأبنائه من بعده، فيزداد الفقر عمقًا واتساعًا وحجمًا. ثانيًا: أن تمسك الحكومة بالسياسات القديمة والتي أثبتت فشلها في مواجهة الفقر على مر السنين إيمانًا منها بأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان، واتخاذ الدعم النقدي أهم آلياتها الأساسية في الحد من الفقر، رغم أن كل الدراسات قد أثبت أن الدعم النقدي والصناديق الغذائية المجانية لا تحد من الفقر بقدر ما تتسبب في تعميقه وتمدده! إذ تُعلِّم تلك السياسات الفقراء الاتكالية والاعتمادية، وكأن التسول علي أموال الدولة حق مكتسب، حتى وإن جعلت الدولة الدعم النقدي مشروطًا كما هو الحال في برنامج تكافل وكرامة، فاستمرار الدعم لأكثر من خمس سنوات دليل فشل لسياسات الدعم وليست مؤشرًا على نجاحه! فالمؤشر الحقيقي لنجاح برامج الدعم مرهون بما يساهم به الدعم النقدي في خروج الفقراء من دائرة الفقر والاعتمادية إلي دائرة الإنتاج والاستقلالية، في فترة لا تتجاوز الخمس سنوات، حسب ما أسفرت عنه دراسات البنك الدولي وغيره من المؤسسات الدولية المعنية بالقضاء علي الفقر. إذن سياسات الدعم النقدي وكراتين المواد الغذائية تحتاج إلي إعادة نظر.. ويجب ألا تزيد عن كونها علاج مؤقت يتلقاه الفقير بحذر كما يتلقاه بقَدر حتى يشفي وليس حتى يموت! والمقصود هنا ب "حتى يموت" فهذا معناه أن رب الأسرة الذي يموت فقيرا رغم الدعم الذي يتلقاه يتسبب في إضافة من أربعة إلي خمسة فقراء جدد إلي قائمة الفقراء.. بينما تحرر رب الأسرة من الفقر بفعل الدعم معناه وقاية الأسرة كاملة من الوقوع فيه.. وهذا يدعونا إلى مطالبة المؤسسات المسئولة عن تقديم الدعم النقدي بتقديم تقرير مفصل عن نسبة التعافي من الفقر والتحول من تلقي الدعم إلى العمل والإنتاج.
ثالثا: إن الاعتماد علي القروض متناهية الصغر في الخروج من دائرة الفقر بات مسألة تحتاج إلى إعادة نظر.. فهناك فارق كبير بين القروض الصغيرة والمشروعات الصغيرة.. خاصة وأن المشروعات الصغيرة كالقروض الصغيرة لا أب شرعي لها.. فكل مؤسسة مقرضة وتعمل في مجال المشروعات الصغيرة لها سياساتها الائتمانية. ويصبح العمل هو الضحية الأولى في اختلاف تلك السياسات كما هو ضحية الفوائد المتراكمة. والتي قد تفضي بالعميل إلي التعثر عن السداد أو السجن في أحايين كثيرة.. فالقاعدة البنكية الأولى في مواجهة الفقر تقول أن المال يفقد وظيفته في موجهة الفقر إذا جر علي المقرض فائدة! أي أن معظم تجارب مواجهة الفقر من خلال الإقراض كانت تركز على قيمة المشروع وحقيقيته أي أنه فعلي وليس على الورق، كما يحدث دون التركيز على قيمة القرض وحجم الفائدة والقدرة على استرداده.. وعادة ما تكون القروض الموجهة لتمويل مشروعات الفقراء دون فائدة..
وخرجنا من دراسة التجارب التنموية للدول بأن مواجهة الفقر تتطلب الالتزام بالأضلع الثلاث لمثلث مواجهة الفقر وهى: إرادة سياسية - كفاءة إدارية- تمويل كاف، فلا يمكن بحال مواجهة الفقر أو تحقيق التنمية بمثلث سياسات ناقص ضلع! التجربة الصينية فقبل 40 سنة كان أكثر من نصف سكان جمهورية الصين الشعبية تحت خط الفقر من عمال ومزارعين وصيادين. اليوم تؤكد التقارير الأممية أن أكثر من 80% من سكان الصين هم طبقة متوسطة و18% أغنياء و2% فقط فقراء.. وبالبحث عن أسباب الخلاص من الفقر تأكد لنا اكتمال أضلع مثلث مواجهة الفقر في الصين!
حتى في سياسات توزيع صناديق الغذاء وحتى لا يتعلم الناس التسول والاعتمادية، أخذت ألمانيا نفسها منحى مختلفا.. ففي زاوية هادئة من ألمانيا يتم تعليق أكياس الطعام بشكل سري لمن يحتاجون إليها، الفقراء والمساكين والضعفاء وابن السبيل، لا توجد عروض عامة أو ضجة ولا كاميرات أو مقاطع فيديو لالتقاط العدد أو الشهرة. إنها مجرد لفتة غير معلنة من حسن النية والخدمة وسمو الإنسانية تتم بتواضع ورحمة حقيقية وليس مصطنعة! يعد هذا العمل الهادئ الذي لا يحتاج إلى أي تقدير بمثابة تذكير قوي بأن الكرم الحقيقي غالبًا ما يظل غير مرئي، ولكن تأثيره محسوس عميق..
اقتراح لهذا فإنني أقترح أن ترفع كل أسماء الشركات والبنوك ورجال الأعمال والجمعيات الأهلية من على الكراتين أو صناديق الغذاء ويكتب فقط اسم مصر.. هدية مصر لأبنائها أو كما قلت سابقًا "مصر بتسلم عليك" تعزيزًا لمشاعر الانتماء عند أسر البسطاء.. وأن مصر وحدها هي التي تطعم وتقدم الدعم.. طبيعة العقل الخائن! الاستهداف وأنماط التنمية المحرمَّة وما دامت الدولة تشجع تلك الأنشطة وتشرف عليها وتعتمدها آلية مهمة لمواجهة الفقر أو على الأقل الحد من تداعياته، فلا تعتبر تلك الكراتين إحسانًا من أحد بل حق تكفله الدولة ويحميه القانون والقيم الاجتماعية الراسخة. وعلى أية حال لن تتوقف أنهار الفقر عن التدفق.. إلا إذا تبنت الدولة سياسات تحفز الفقراء على العمل والإنتاج.. وتحفز الحكومة على تطبيق العدل.. وتكف أيدى المسئولين عن الفساد! ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا