قد يتساءل البعض لماذا الحديث اليوم عن تشي جيفارا الذي رحل عن عالمنا منذ ما يقرب من ستة عقود، وشكل أيقونة للنضال حول العالم، وسجل إسمه بحروف من نور في تاريخ البشرية، كواحد من أهم المأثرين في الدفاع عن الفقراء والكادحين والمهمشين والمعذبون في الأرض، والذي سخر حياته واستغنى عن كل شيء إيمانًا برسالته، والذي مات فوق مدفعه خارج موطنه وهو يشارك في تحرير الإنسان المقهور من الإمبريالية العالمية.. وحتى لا أطيل على القارئ فخلال هذا الأسبوع أرسل لي أحد أصدقائي من قطر عربي شقيق فيديو قديم لزيارة جيفارا وتجوله داخل المسجد الأموي بدمشق أثناء زيارته لسورية في عام 1959، وكان ذلك في زمن الوحدة المصرية السورية الممتدة بين 1958 / 1961 تحت حكم الرئيس جمال عبد الناصر الذي أطلق على البلدين اسم الجمهورية العربية المتحدة..
وأثناء مشاهدتي للفيديو كان يجلس بجواري ابني يوسف الشاب اليافع الذي لم يتجاوز الثمانية عشر ربيعًا، فوجدتني أسأله هل تعرف تشي جيفارا ؟ فرد بدون تفكير نعم أعرفه إنه المناضل اليساري الأرجنتيني الشهير..
فكان سؤالي التالي هل يعرفه الآن جيلكم كما عرفه جيلنا والأجيال السابقة علينا كأيقونة نضال عالمي؟ وهنا ضحك يوسف بشدة وقال يا أبي أنا عرفته من أحاديثك التي تربيت عليها منذ الصغر، ومن قصيدة الرثاء التي كتبها شاعر العامية المصري الراحل الكبير أحمد فؤاد نجم، وقام بتلحينها وغنائها الراحل الكبير الشيخ إمام، وتحمل عنوان جيفارا مات.. لكن أصدقائي وأبناء جيلي لا يعرفون إلا صورته التي كانت ترسم على ملابس الشباب، ولو سألت أحدهم سيقول لك أنه صاحب (براند تيشيرتات شهير)، لذلك انصحك أن تكتب عنه لعل أجيالنا تعي تجربته النضالية العظيمة.
وإرنستو جيفارا المعروف باسم تشي جيفارا وتعني كلمة تشي في اللغة الإسبانية الرفيق، ولد في 14 يونيو 1928 في الأرجنتين، لأسرة من أصول إيرلندية وإسبانية، وكان والده ذات ميول يسارية، وكان مؤيدًا قويًا للجمهوريين من الحرب الأهلية الإسبانية، وكان يستضيف العديد من قدامى المحاربين في منزله..
لذلك تأثر الإبن بهذه الأجواء، ونمى بداخله الشعور بالتعاطف تجاه الفقراء، ويصفه والده بأنه تجري في عروقه دماء المتمردين الأيرلنديين، تعلم جيفارا الشطرنج من والده في سن مبكرة وبدأ في المشاركة في البطولات المحلية وعمره اثنى عشر عامًا، وخلال مرحلة المراهقة كان جيفارا متحمسًا للشعر وكان يحفظ الكثير من القصائد..
وكانت مكتبة والده تحتوي على أكثر من ثلاثة ألاف كتاب، مما سمح له أن يكون قارئًا متحمسًا، وكانت كتابات كارل ماركس وجواهرلال نهرو وفرانز كافكا وفلاديمير لينين وجان بول سارتر وفردريك إنجلز ملهمة له، وعندما كبر جيفارا أصبح مهتم بقراءة كتابات مفكري أمريكا اللاتينية مثل هوراسيو كيروغا وسيرو أليغريا وخورخي إيكازا وروبين داريو وميغيل استورياس، وشكلت أفكار هؤلاء وغيرهم عقلية جيفارا..
وقام جيفارا بتدوين أفكار العديد من هؤلاء الكتاب والمفكرين والفلاسفة في كتاباته الخاصة بخط يده، وكان جيفارا يتمتع بخلفية متنوعة من الاهتمامات الأكاديمية والفكرية وكان مثقفًا موسوعيًا أهتم بالفلسفة والرياضيات والهندسة والعلوم السياسية وعلم الاجتماع والتاريخ والآثار، ورغم ذلك عندما التحق بجامعة بوينس آيرس عام 1948 قرر أن يدرس الطب.
كان عام 1951عامًا مؤثرًا في حياة جيفارا حيث قرر أن يأخذ إجازة لمدة عام من دراسة الطب، ويقوم برحلة يعبر فيها أمريكا الجنوبية على دراجة نارية بصحبة صديقه البيرتو غرانادو، وكان الهدف من هذه الرحلة هو قضاء بضع أسابيع من العمل التطوعي في مستعمرة سان بابلو لمرضى الجزام في البيرو على ضفاف نهر الأمازون..
وأثناء الرحلة شعر جيفارا بالذهول لشدة فقر المناطق الريفية النائية، حيث يعمل الفلاحون في قطع صغيرة من الأراضي المملوكة من قبل الملاك الأثرياء، وخلال هذه الرحلة سجل جيفارا مذكراته التي تحولت لكتاب يحمل عنوان "يوميات دراجه نارية"، والذي وصفته نيويورك تايمز بأنه الكتاب الأكثر مبيعًا حول العالم، والذي تحول لفيلم سينمائي يحمل نفس الإسم..
وفي نهاية هذه الرحلة استنتج جيفارا أن أمريكا اللاتينية ليست مجموعة من الدول المنفصلة، بل هي كيان واحد يتطلب استراتيجية تحرير على نطاق القارة، وعند عودته إلى الأرجنتين أكمل دراسته وحصل على شهادة الطب في عام 1953، وكانت قد تكونت لديه قناعة بأن هناك صلة وثيقة بين الفقر والجوع والمرض، مع عدم القدرة على علاج طفل بسبب عدم وجود المال.. لذلك عليه أن يترك مجال الطب، ويتجه إلى الساحة السياسية بحثًا عن الكفاح المسلح لكي يساعد هؤلاء الناس على التحرر من الفقر والعبودية، فقد رأى جيفارا أن العلاج الوحيد هو الثورة العالمية على الإمبريالية الرأسمالية.
انتقل جيفارا للعيش في مدينة مكسيكو، والتقى هناك براؤول كاسترو المنفي هو وأصدقائه الذين كانوا يجهزون للثورة، وينتظرون خروج شقيقه فيدل كاسترو من السجن في كوبا، وبخروجه انضم جيفارا للثورة الكوبية التي غزت كوبا بنية الإطاحة بنظام باتيستا الدكتاتور المدعوم من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية.. ونجحت الثورة وكان جيفارا قد لعب دورًا بارزًا بين المسلحين، مكنه من أن يصبح الرجل الثاني في القيادة، ومنحه فيدل كاسترو قائد الثورة الجنسية الكوبية وعينه وزيرًا للصناعة، وقام بتأسيس قوانين الإصلاح الزراعي، وعمل رئيس ومدير للبنك الوطني الكوبي، ورئيسًا تنفيذيًا للقوات المسلحة الكوبية، كما جاب العالم كدبلوماسي باسم الاشتراكية الكوبية.. وزار مصر لأول مرة عام 1959 والتقى الزعيم جمال عبد الناصر، وأكد له أن فيدل كاسترو قائد الثورة عندما كان يجابه المصاعب والنكسات وهو يقود حرب العصابات في قمم التلال الكوبية عام 1956، كان يستمد كثيرًا من الشجاعة من الطريقة التي صمدت بها مصر للعدوان الثلاثي، وأخبره أنه كان مصدر قوة روحية وأدبية لرجاله.. ثم عاد لمصر مرة ثانية في عام 1965 وفي لقائه بالزعيم جمال عبد الناصر أخبره أنه قرر ترك كوبا والتخلي عن أي موقع رسمي، وأنه سيتفرغ للنضال والكفاح من أجل الثورة العالمية، وبالفعل ذهب جيفارا إلى الكونغو لمساعدة الثوار، ثم انتقل إلى بوليفيا وحوصر هناك في أحراشها هو ورجاله بالمرض ونقص الإمدادات والسلاح وخيانات من كانوا يحسبون أنفسهم على الثورة وحركة التمرد.. وانتهى الأمر بإصابته فوق مدفعه، وألقي القبض عليه وتم إعدامه رميًا بالرصاص في 9 أكتوبر من عام 1967، ليتحول بعدها إلى أيقونة ثورية تنير طريق الباحثين عن الحرية والعدل والمساواة والخلاص. ذهبنا لندافع عن سورية والأمن القومي العربي! ماذا يفعل بنا العدو الأمريكي؟! وتعد قصيدة أحمد فؤاد نجم أعظم قصيدة رثاء لهذا المناضل الأممي العظيم والتي تقول "جيفارا مات، جيفارا مات، آخر خبر ف الراديوهات، وف الكنايس والجوامع، وف الحواري والشوارع، وع القهاوي، وع البارات، جيفارا مات، جيفارا مات، واتمد حبل الدردشة والتعليقات، مات المناضل المثال، يا ميت خسارة ع الرجال، مات البطل فوق مدفعه جوه الغابات.. جسد نضاله بمصرعه ومن سكات، لا طبالين يفرقعوا، ولا اعلانات، ما رأيكم دام عزكم، يا انتيكات، يا غرقانين في المأكولات والملبوسات، يا دفيانين، ومولعين الدفايات، يا محفلطين، يا ملمعين، يا جميسنات، يا بتوع نضال آخر زمن ف العوامات، ما رأيكم دام عزكم، جيفارا مات لا طنطنة، ولا شنشنة، ولا اعلامات واستعلامات، عيني عليه ساعة القضا، من غير رفاقه تودعه.. يطلع أنينه للفضا، يزعق ولا مين يسمعه، يمكن صرخ من الألم، من لسعة النار في الحشا، يمكن ضحك، أو ابتسم، أو ارتعش، أو انتشى، يمكن لفظ آخر نفس كلمة وداع لجل الجياع، يمكن وصية للي حاضنين القضية بالصراع، صور كتير ملو الخيال، وألف مليون احتمال، لكن أكيد ولا جدال، جيفارا مات موتة رجال.. يا شغالين ومحرومين، يا مسلسلين رجلين وراس، خلاص خلاص ما لكوش خلاص، غير بالقنابل والرصاص، دا منطق العصر السعيد، عصر الزنوج والأمريكان، الكلمة للنار والحديد، والعدل أخرس أو جبان، صرخة جيفارا يا عبيد في أي موطن أو مكان، ما فيش بديل، ما فيش مناص، يا تجهزوا جيش الخلاص، يا تقولوا ع العالم خلاص".. هذا هو تشي جيفارا أيقونة النضال الأممي الذي دفع حياته من أجل تحرير العالم من الظلم والاستبداد، اللهم بلغت اللهم فاشهد. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار ال 24 ساعة ل أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري ل أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية. تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هنا تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هنا