قررت اليوم ولأول مرة أن أفتح نافذة الطائرة، كي أنظر للسحاب... لم أهتم يوما برغم سفري الكثير، أن أتأمل السحاب... فاهتمامي دائما انصب على مراجعة الأوراق الخاصة بالسفر، وترتيب جدول الرحلة ما بين العمل والترفية وزيارة الأماكن السياحية... وبرغم سفري للمرة الأولي إلى أستراليا، إلا أنني لا أشعر برغبة كبيرة في السفر... نعم أحب السفر كثيرا، وأرى أنه حقيبة جديدة في رحلة الحياة تفيد ولا شك... إلا أن هذه المرة أشعر بمسئولية كبيرة تجاه عائلتي، فهي المرة الأولى لسفري منذ وفاة جدي... استقرت الأحوال في المنزل إلى حد كبير، شحنة إيمانية كبيرة تحلى بها الجميع، جعلت الأيام تمضي بسيطة وهادئة... لا يستطيع أحد إخفاء هذا الحزن الداخلي، من فقدان شخص عزيز... ولكنها مشيئة الله ونحمد الله على كل شيء. كانت أختي الصغرى دائما ما تعد قائمة طويلة، لما تريده من مكان سفري، ولكنها هذه المرة لم تطلب مني غير شيء واحد، أن أدعو لها ولجدي وأنا بين السماء والأرض. كان هذا دائما طلب جدي الوحيد، لطالما سألته عن قائمة طلباته للسفر، ولكنه لم يكن يطلب مني غير الدعاء، فللمسافر دعاء لا يرد. كنا على وشك الوصول عندما شارفت على الانتهاء من الدعاء للجميع، ومثل كل مرة للسفر كان لديك النصيب الأكبر من الدعاء يا جدي... كأنك لم تكتف بالدعاء إليك ليلا ونهارا، ولكن جاءت هذه السفرة لتزيد من أوقات دعائي لك، إنها مني يا جدي، من "حمزة" حفيدك الأكبر... وكعادتي أصبت بعطش شديد، فتوقفت لأبتاع زجاجة مياه قبل الذهاب إلى الفندق... ظللت أنظر للبطاقة الملصقة بزجاجة المياه متعجبا، حتى أن البائع ظن أنني أنظر للسعر... ولكني ابتسمت له مناولا إياه النقود، وبنفس نظرة الدهشة على وجهي... تعرف ما كان مكتوب على البطاقة يا جدي!... إنه حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم - الذي طالما نبهتني إليه عند استعمالي للمياه... "لا تسرف في المياه ولو كنت على نهر جار"... مترجم للغة الإنجليزية على لسان رسولنا الكريم... وكانت ابتسامتي لتذكري مقولة الإمام محمد عبده بعد عودته من البعثة التي كانت بباريس "وجدت في أوربا مسلمين بدون إسلام ووجدت في وطني إسلاما بدون مسلمين ".