اتفاق تجاري مفاجئ بين واشنطن وبكين يُنعش الأسواق العالمية    هدية "القصر الطائر" من قطر لترامب تثير جدلًا دستوريًا في أمريكا    مصدر ليلا كورة: ريفيرو يصل القاهرة خلال ساعات لحسم مفاوضاته مع الأهلي    الإحصاء: 24.1 % ارتفاع قيمة الصادرات خلال شهر فبراير 2025    التدريب الإجباري للطلبة.. تفاصيل تعديلات قانون مزاولة مهنة الصيدلة    الاتحاد ينتظر الحسم.. جدول ترتيب الدوري السعودي قبل مباراة الهلال والعروبة    في حملات على الأسواق.. ضبط 8 أطنان من الدقيق الأبيض والمدعَّم للتلاعب بالأسعار    سهير رمزي: بوسي شلبي جالها عرسان ورفضت بسبب محمود عبدالعزيز    إعلان الجوائز.. ختام مهرجان الفنون المسرحية لطلاب جامعة الإسكندرية- صور    هل يجوز للحامل والمرضع أداء فريضة الحج؟    هل هناك حياة أخرى بعد الموت والحساب؟.. أمين الفتوى يُجيب    جامعة المنيا: الكشف على 570 مواطنًا بالقافلة المتكاملة فى قرية بني خيار    النواب يحيل 33 تقريرا إلى الحكومة لتنفيذ توصياتها    سوريون يضرمون النار بمواد غذائية وزعتها قوات إسرائيلية    وزير الخارجية والهجرة يُجري اتصالين هاتفيين مع نظيريه العماني والإيراني    وزير الإسكان: تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع «جنة» للفائزين بمدينة القاهرة الجديدة    محافظ أسيوط: توفير 706 فرصة عمل لشباب الخريجين بمراكز المحافظة    إنبي: ننتظر نهاية الموسم لحساب نسبة مشاركة حمدي مع الزمالك.. وتواصل غير رسمي من الأهلي    رئيس مياه القناة: حملة مكثفة لأعمال تطهير وصيانة بيارات المحطات وشبكات الصرف الصحي    تأجيل محاكمة المتهم بقتل والده في مشاجرة بطوخ لجلسة أغسطس المقبل    مدير مزرعة يشرع في قتل عامل بالشيخ زايد    التخطيط القومي يعقد برنامجا تدريبيا للإعلاميين حول مهارات قراءة وتحليل التقارير    شون وصوامع المنيا تستقبل 266 ألف طن من القمح ضمن موسم توريد 2025    عرض ومناقشة فيلم "سماء أكتوبر" في مكتبة المستقبل    هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤول: إسرائيل ستوفر ممرا آمنا لإطلاق سراح عيدان    تكريم غادة جبارة ومنال سلامة خلال حفل افتتاح مهرجان المسرح العالمي بالإسكندرية    مسرح 23 يوليو بالمحلة يشهد ختام العرض المسرحي «الطائر الأزرق»    استقرار أسعار الحديد والأسمنت في الأسواق المصرية خلال تعاملات الإثنين 12 مايو 2025    تغير المناخ يهدد زراعة الموز في العديد من البلدان    لماذا يرتدي الحجاج "إزار ورداء" ولا يلبسون المخيط؟.. د. أحمد الرخ يجيب    براتب يصل ل 500 دينار.. 45 فرصة عمل بالأردن في شركات زراعية وغذائية وصناعات خشبية (قدم الآن)    متحدث الصحة: الفريق الطبي يأتي على رأس أولويات الرئيس السيسي    محافظ أسوان: استكمال فرش وتجهيز مستشفى السباعية ونصر النوبة بالمعدات الطبية    جنوب سيناء.. فريق الحوكمة والمراجعة الداخلية يرصد مخالفات بمستشفى دهب    إصابة 4 أشخاص بطلقات نارية في مشاجرة بدار السلام بسوهاج    ما حكم الأضحية إذا تبين حملها؟.. الأزهر يوضح    ضبط 50 طن قمح بمخزن حبوب غير مرخص بالمنوفية    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    تعويض 2000 جنيه.. البترول تعلن خلال ساعات آلية تقديم أوراق المتضررين من البنزين.. فيديو    استمرار الموجة جديدة الحرارة بالأقصر.. والعظمى 42    «قصر العيني» يحصل على اعتماد الجمعية الأوربية لأمراض القلب    قرار عاجل من الأهلي بشأن عماد النحاس.. مدحت شلبي يكشفه    رئيس «دي إتش إل» يتوقع استفادة من التوترات التجارية بين واشنطن وبكين    إصابة طالب بحروق إثر حادث غامض في البراجيل    تمثيلية يؤديها مدمن كوكايين.. صحفية أمريكية تعلق على تصريحات زيلينسكي حول وقف إطلاق النار    السعودية تواجه الأردن وديًا استعدادًا لمواجهتي البحرين وأستراليا    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    تزامنا مع زيارة ترامب.. تركيب الأعلام السعودية والأمريكية بشوارع الرياض    يارا السكري ترد على شائعة زواجها من أحمد العوضي (فيديو)    مدير الشباب والرياضة بالقليوبية يهنئ الفائزين بانتخابات برلمان طلائع مصر 2025    عباس شومان ينفي وفاة الدكتور نصر فريد واصل    تبدأ في هذا الموعد.. جدول امتحانات الصف الأول الثانوي بمحافظة أسوان 2025 (رسميًا)    «انخفاض مفاجئ».. بيان عاجل بشأن حالة الطقس: كتلة هوائية قادمة من شرق أوروبا    عاد إلى إفريقيا.. الوداد يحسم مشاركته في الكونفدرالية بفوز في الجولة الأخيرة    3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»    رياضة ½ الليل| انتصار الطلائع.. عودة عواد.. البارسا يطيح بالريال.. وتطور أزمة زيزو    منافسة رونالدو وبنزيما.. جدول ترتيب هدافي الدوري السعودي "روشن"    فتوح: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي بالضفة يهدف لترسيخ الاستعمار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكوميديا فى حياة الرسول.. أغلب المواقف الضاحكة فى عصر الرسول تنتمى إلى عالم "الست كوم" وأحب رسول الله الضحك وحرص عليه حتى وصفه الصحابة قائلين"أنه كان أفكه الناس"
نشر في اليوم السابع يوم 11 - 04 - 2013

لأن الإسلام دين إنسانى رحيم، ولأن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم "بشر يوحى إليه" ولأن الله جل وعلا يعتبرنا "عياله" ولأن الرسالة المحمدية لم تأت لتعذب الناس أو لترهقهم أو لتشقيهم وإنما أتت من أجل إسعاد البشر وقهر أحزانهم، حفظت الموروث الإسلامى الكثير من المواقف التى تشهد على عظمة هذا الدين وإنسانيته وتفاعله مع الأمور الحياتية العادية، فلم يضف الإسلام فى مجمله على صورة نبينا الكريم هالات القداسة التى تبعده عن بشريته وتلقائيته، ولم يلجأ الموروث الإسلامى إلى وصف الرسول بصفات تجعله أشبه إلى الكهان ومدعى الألوهية، وإنما حرص الموروث الإسلامى دائما على إضفاء الجانب الإنسانى على رسول الله، واحتل "الضحك" الإنسانى الطبيعى فى حياة الرسول الكريم مساحة كبيرة حتى أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يصفون رسول الله بأنه كان"أفكه الناس"، وبذلك يتميز الإسلام عن كل الديانات بأن الدين الذى راعى احتياج الإنسان إلى الضحك والترفيه والبشاشة حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الابتسامة من الأعمال التى يثاب عليها الإنسان ويؤجر، مساويا بين "الابتسامة" و"الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الذى يعد من أجل شعائر الإسلام أى أن الله ساوى بين من يأمر الناس بالمعروف كضابط الشرطة مثلا ومن يضحكهم أو يبتسم فى وجوههم، حيث قال فى صحيح الترمذى"تبسمك فى وجه أخيك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة".
لا محل للتعجب هنا من اهتمام الإسلام بالضحك والفرح وحثنا عليه، فغاية الديانات أن تهب الإنسان السكينة والطمأنينة وهدفها الأول – ويكاد يكون الأخير – أن يصبح الإنسان سعيدا فى الدنيا والآخرة، وما الضحك الصافى إلا تعبير عن هذه السعادة، ولهذا روى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عن رب العزة أنه "يضحك" ففى الحديث الذى رواه أبو هريرة أن رسول الله عرض على أصحابه أن يضيفوا رجلا غريبا فقال رجل من الأنصار أضيفه أنا، ولما ذهب إلى بيته قالت له امرأته أنهم لا يملكون طعاما إلا ما يكفى لعشاء أبنائهما فقال لها"نومى صبيانك أن أرادوا العشاء"، وأمرها بأن تطفئ الأنوار إذا ما وضعت الأكل ففعلت، وفى الظلام تظاهرا بأنهما يأكلان حتى لا يجد الضيف حرجا إذا ما اكتشف أنه يأكل وحده، فلما قابل الأنصارى رسول الله قال له"إن الله ضحك من فعلكما، وكان هذا سبب نزول آية"ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة".
مثال آخر على ضحك الله عز وجل أخبرنا به رسول الله فى الحديث الذى رواه البخارى حيث قال (آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشى مرَّةً ويكبو مرَّةً وتسفعُهُ النار مرة فإذا جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذى نجَّانى منك، لقد أعطانى الله شيئا ما أعطاه أحدًا من الأولين والآخرين، فترفع له شجرةٌ فيقول: أى ربِّ أَدْننى من هذه الشجرة فلأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول له الله: يا ابن آدم! لعلى إذا أعطيتُكَها سألتنى غيرها ؟ فيقول: لا يا رب، ويعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه عز وجل يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم تُرفع له شجرة هى أحسن من الأولى، فيقول: أى رب هذه لأشرب من مائها، وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها، فيقول: ابن آدم ! ألم تُعاهِدْنى أن لا تسألنى غيرها ؟ - فيقول -: لعلى أن أدنيتك منها تسألنى غيرها؟ فَيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه عز وجل يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هى أحسن من الأُوْلَيين، فيقول: أى رب أَدْننى من هذه لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم! ألم تعاهدنى أن لا تسألنى غيرها ؟ قال: بلى يا رب هذه لا أسألك غيرها،[ يقول: لعلى أن أدنيتك منها تسألنى غيرها فيعاهده أن لا يسأله غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أى رب أدْخِلْنيها ! فيقول: يا ابن آدم ما يصْرينى منك ؟ أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها ؟ قال: يا رب !أتستهزئُ منى وأنت رب العالمين ؟ -فضحك ابن مسعود، فقال: ألا تسألونى مما أضحك؟ فقالوا: مما تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم [فقال: ألا تسألونى مما أضحك؟]، فقالوا: مما تضحك يا رسول الله؟ قال: من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ منى وأنت رب العالمين؟ - فيقول: إنى لا أستهزئ منك ولكنى على ما أشاء قادر).
وخلاف المواقف التى أضحكت رب العزة هناك الكثير التى أضحكت رسول الله، سواء تلك التى وقعت أمامه فلم يبخل بضحكه أو تلك التى ابتكرها صلى الله عليه، وبحسب ما رواه أبو هريرة فقد كان رسول الله قائم بين أصحابه يحدثهم وبجانبه أعرابى من البادية، فقال رسولنا الكريم أن رجلا من أهل الجنة قال لرب العزة إنى أريد أن أزرع فقال له جل وعلا ألست فيما شئت بما يعنى لماذا تجهد نفسك وما تشاؤه تجده فقال لرب العزة: نعم أنى أجد ما أشاؤه لكن أحب أن أزرع، فأجابه الله إلى طلبه طالما كان فى ذلك متعته، وما أن بذر رجل الجنة بذرته حتى نبت الزرع فكان مثل الجبال، وهو الأمر الذى لم يستوعبه رجل البادية الجالس إلى رسول الله وظن أن هذا المزارع ماهر فحسب ولم يضع فى حسبانه أن الله هو الذى جعل النبات ينمو بهذه الطريق فقال الأعرابى والله لا تجده إلا قرشيا أو أنصاريا فإنهم أصحاب زرع وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع، وهذا ما أضحك رسول الله صلى الله عليه الذى لم يجد مهربا من الضحك أمام هذا الأعرابى الذى يشبه شخصية"رمزى" فى مسلسل رجل وست ستات تماما، ولم يجد حرجا فى ذلك لا هو ولا الصحابة الكرام.
من هنا يمكننا القول أن أغلب ما كان يمر بالرسول الكريم صلوات الله عليه من أمور مضحكة يمكننا أن نطلق عليه اسم ال"ست كوم" أو كوميديا الموقف التى تنبع من تفاصيل الحياة وتشابكها واختلاف مستوى الإدراك بين الناس، مع الأخذ فى الاعتبار أن كلمة"ست كوم" التى انتشرت مؤخرا هى اختصار لكلمة"ستويشن كوميدى" أى كوميديا الموقف، وهو ما كان يمر به الرسول حرفيا، ومقال على ذلك تلك القصة التى وردت فى كتب الأحاديث وأوردها الإمام ابن دقيق العيد فى كتاب النكاح من كتابه"إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" حيث قال إن إحدى السيدات أتت إلى رسول الله وكانت زوجة لرفاعة القرظى ثم طلقها ثلاث تطليقات فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير، فأرادت هذه السيدة أن يطلقها رسول الله من عبد الرحمن بن الزبير فقالت: يا رسول الله إنى كنت عند رفاعة فطلقنى آخر ثلاث تطليقات فتزوجنى بعده عبد الرحمن بن الزبير وأنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل هذه"الهدبة" والهدبة هى قطعة القماش ومعنى ذلك أنها لم تستسغ الحياة معه لعدم وفائه بواجباته الزوجية، وفطن رسول الله إلى المقصود من كلامها وضحك منه فقال أحد الصحابة مناديا أبا بكر الصديق يا أبا بكر يا أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله وذلك لما لاحظه الصحابة من جرأتها فى الكلام وعدم مناسبة هذا الحديث فى مجلس رسول الله، لكن رسول الله لم ينهرها ولم ينهها وقال لها: لعلك تريدين أن ترجعى إلى رفاعة؟ ثم قال لها ما معناه أنه لا يجوز لك أن ترجعى إلى زوجك السابق قبل أن يصبح زواجك بعبد الرحمن بن الزبير أمرا واقعا، وهو ما عبر عنه رسول الله بالقول"تذوقى عسيلته ويذوق عسيلتك" أى تصلا معا إلى غاية النشوة.
وقبل أن نغوص فى بحر الروايات عن المواقف المضحكة فى عهد رسول الله يجب علينا أولا أن نعرف أن الضحك النبوى لم يكن إلا بالحق، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قالوا يا رسول الله: إنك تداعبنا، قال: نعم، غير أنى لا أقول إلا حقا، أما عن الصحابة فقد سئل ابن سيرين وهو التابعى الذى رأى الكثير من الصحابة وعاشرهم عن الصحابة: هل كانوا يتمازحون ؟ فقال: ما كانوا إلا كالناس، كان ابن عمر يمزح وينشد الشعر، ومعروف عن ابن عمر إن كان متشددا فى إتباع سنة رسول الله، وقد سئل ابن عمر نفسه: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون؟، قال: نعم، والإيمان فى قلوبهم أعظم من الجبل وقال بلال بن سعد: أدركتهم يضحك بعضهم إلى بعض، فإذا كان الليل لا، كانوا رهبانا، وقال الإمام ابن حجر الهيثمى: "إن المداعبة لا تنافى الكمال، بل هى من توابعه ومتمماته إذا كانت جارية على القانون الشرعى، بأن تكون على وفق الصدق والحق" وبالطبع ليس أحق بالحق إلا رسول الحق ولا عنوان للصدق إلا الصادق الأمين.
نعود إلى المواقف المضحكة فى حياة الرسول ومنها أن رسول الله كان سائرا ذات يوم مع أنس ابن ملك فإذا بأعرابى يدركه ويشده من ثوبه حتى كان إن يقع ولما التفت رسول الله إليه قال له يا محمد مر لى من مال الله الذى عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء، وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رجلا أتى رسول الله فقال يا رسول الله هلكت، فاستفسر منه عن سبب كربه فقال، وقعت على أهلى فى رمضان فدله الرسول الكريم على كفارة الذنب وقال له: أعتق رقبة، فرد عليه الرجل بأنه لا يملك رقاب ولا يملك ثمنها، فقال له إذن صم شهرين متتابعين فقال لا أستطيع، فقال فأطعم ستين مسكينا قال ما أجد، فأتى بشىء فقال خذه فتصدق به فقال يا رسول الله أعلى غير أهلى؟، وقال للرسول الكريم ما معناه أن أهله أحوج بالصدقة من غيرهم فضحك رسولنا الحليم الكريم، وقال له خذه وتصدق به على أهلك، وفى هذا الحديث يضرب لنا رسول الله مثلا فى التعامل الرحب السمح الميسر على عباد الله، كما يضرب لنا مثلا فى التأليف بين القلوب، فكان الضحك علاجا لموقف غريب مع هذا الأعرابى الفقير المذنب، ومثل ذلك ما روى عن عبد الله بن مسعود، إنه قال جاء رجل إلى النبى من أهل الكتاب، فقال يا أبا القاسم إن الله يمسك السموات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر والثرى على إصبع والخلائق على إصبع ثم يقول أنا الملك أنا الملك فرأيت النبى ضحك حتى بدت نواجذه ثم قرأ وما قدروا الله حق قدره، وهنا تبرز عظمة الرسول وسماحته من خلال ضحكاته فلم ينهر الرسول ذلك الذمى ولم يعاتبه ولكنه ضحك على تصوراته الأسطورية للخلق والخالق، وكان الضحك المهذب بديلا عن الهجوم والوجه البشوش بديلا عن التجهم إلقاء الاتهامات كما يحدث الآن من المنتسبين إلى الإسلام الذى يهاجمون إتباع الديانات الأخرى.
ورأى الحاكم فى المستدرك أن العباس بن عبد المطلب أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه حلة، وله ضفيرتان وهو أبيض، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم، فقال العباس: يا رسول الله، ما أضحكك، أضحك الله سنك؟ فقال: أعجبنى جمال عم النبى، وعن أنس رضى الله عنه أن رجلا جاء إلى النبى يوم الجمعة وهو يخطب بالمدينة فقال قحط المطر فاستسق ربك فنظر إلى السماء وما نرى من سحاب، فدعا رسول الله ربه أن ينزل المطر فأمطرت السماء حتى ملأت المياه المدينة، فلما كانت الجمعة التالية قال الأعرابى والنبى يخطب: غرقنا فادع ربك يحبسها عنا فضحك وأخذ يدعو الله ضاحكا اللهم حوالينا ولا علينا مرتين أو ثلاثا فجعل السحاب يتصدع عن المدينة يمينا وشمالا يمطر ما حوالينا ولا يمطر علينا، ومن أكثر المواقف التى تدل على أن نبى الله كان يستجلب الضحك ويرغب فيه ذلك الموقف الذى سألته فيه عجوز قائلة: يا رسول الله ادع الله أن يدخلنى الجنة، فداعبها صلى الله عليه وسلم قائلاً: إن الجنة لا تدخلها عجوز، فانصرفت العجوز باكية، فقال النبى صلى الله عليه وسلم للحاضرين: أخبروها أنها لا تدخلها وهى عجوز، أن الله تعالى يقول {إنَّا أنشأناهن إنشاءً فجعلناهن أبكاراً} أى أنها حين تدخل الجنة سيعيد الله إليها شبابها وجمالها" وهذا الموقف يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل نفس ما نفعله هذه الأيام ونطلق عليه اسم"اشتغاله" فقد أوهم العجوز بشىء بينما أراد شيئا آخر، فعلم أتباعه شيئين غاية فى الأهمية الأول أن الدعوة لا تكون دائما عن طريق إسداء النصائح والأوامر وإنما يجوز أن تكون عن طريق الضحك، كما فسر لهم آية من القرآن الكريم وأخبرهم بأن أهل الجنة يصبحون على أجمل صورهم، وروى أن الضحاك بن سفيان الكلابى كان رجلاً دميمًا قبيحًا، فلما بايعه النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن عندى امرأتين أحسن من هذه الحميراء – يقصد السيدة عائشة - أفلا أنزل لك عن إحداهن فتتزوجها ؟! وعائشة جالسة تسمع، فقالت: أهى أحسن أم أنت؟ فقال: بل أنا أحسن منها وأكرم، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من سؤالها إياه، لأنه كان دميمًا.
كل هذه المواقف المضحكة ليست بغريبة عن رسول الله الذى صار رسول السعادة فى الدنيا والآخرة، وكما كان الرسول"أفكه الناس" مع أصحابه كان كذلك مع أهل بيته، فقد كان يسابقهن ويمازحهن ويحرص على أن يستمتعن بمتع الحياة، فقد كان يترك السيدة عائشة رضى الله عنها تلعب ببعض تماثيلها، كما كان يفرجها على الرقصات الحبشية فى المسجد، كما كان يشاركهن فى اللعب بأكلة الحريرة، وهى أكلة مصنوعة من الدقيق والعسل، وحدث ذات يوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب مع زوجاته بهذه الأكلة كما نمزح الآن فى أعياد الميلاد بتلطيخ وجوه بعضنا البعض بالشيكولاتة والكريمة.
ولم تكن الكومديا قاصرة على رسول الله أو أهل بيته فحسب فقد أحب رسول الله أن يمزح أصاحبه وكان كثيرا ما يقف موقف المتفرج الضاحك مشجعا أصحابه على تلك العادة، دون إسراف أو تماد قد يقود إلى نسيان الواجبات الأساسية التى يجب أن يقوم المسلم بها، ولعل أبلغ دليل على ترغيب الرسول فى الضحك واستجابته له هو أنه قال على أحد الصحابة وهو النعيمان بن عمر أنه سيدخل الجنة ضاحكا، وقد كان النعيمان من أهل بدر الذين رضى الله عنهم كما كان من السباقين فى الإسلام الذين حضروا المشاهد كلها، ومن نوادر النعيمان أنه كان معتادا إذا ما دخل المدينة أن يأتى بهدية إلى رسول الله، وذات يوم أتى للرسول بهدية شيئا يأكل ثم أتى إليه بعد فترة وفى يده بائع الهدية وقال للرسول الكريم أعط لهذا ثم الهدية، فقال الرسول أولم تهدنى بها؟ فقال له نعم أهديتك به لكنى والله لم يكن عندى ثمنه، ولقد أحببت أن تأكله، أى أنه أهدى رسول الله هدية على حسابه، فضحك رسول الله وأمر للبائع بثمن بضاعته، وفى مرة أخرى أتى إلى رسول الله أعرابى وأناخ ناقته عند بابه فقال بعض الصحابة لنعيمان اذبح هذه الناقة لنأكلها فقد اشتقنا للحم، فذبحها النعيمان وأكلوها ثم هرب النعيمان، وحينما خرج الأعرابى صار يصيح"واعقراه يا محمد" باكيا على ناقته المذبوح فخرج النبى صلى الله عليه وسلم فقال: "من فعل هذا"؟ فقالوا: النعيمان، فبحث عن حتى وجده قد دخل دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، واختفى تحت سرب لها فوقه جريد النخل، فأشار رجل إلى النبى صلى الله عليه ودله على مكانه فأخرجه فقال له: "ما حملك على ما صنعت"؟ قال: الذين دلوك على يا رسول الله هم الذين أمرونى بذلك، فصار الرسول يمسح التراب عن وجهه ويضحك، ودفع ثمنها للأعرابى.
وما يدل على أن الصحابة الكرام كانوا"أهل نكتة" أن واحدا منهم أراد أن يوقع النعيمان فى"مقلب" فكان سويبط بن حرملة فى رحلة بصحبة أبى بكر الصديق والنعيمان، وكان النعيمان هو القائم على توزيع الأكل، وبينما أبو بكر بعيد عنهم قال له سويبط اطعمنى فقال النعيمان لا طعام إلا حينما يعود أبو بكر، فتوعده قائلا"والله لأغيظنك" فذهب سويبط إلى قوم مروا بهم وقال لهم هل تشتروا عبدا لى؟ فقالوا نعم، فقال لهم لكنى قبل أن أبيع لكم العبد أنبهكم إلى أنه كثير الكلام وأوحى إليهم بأن فى عقله ما يشبه المرض الذى يجعله يتخيل أنه حر، فقالوا قد عرفنا ما به وسنشتريه منك، فباع لهم"النعيمان" الذى وجد القوم عند رأسه يضعون فى رأسه حبلا فقال نعيمان: أن هذا يستهزئ بكم، وإنى حر، لست بعبد، قالوا: قد أخبرنا خبرك فانطلقوا به، فجاء أبو بكر رضى الله عنه، فأخبره سويبط فأتبعهم، فرد عليهم ثمن نعيمان، وأخذه، فلما قدموا على النبى صلى الله عليه وسلم أخبروه قال: فضحك النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها عاما كاملا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.