سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
واشنطن تستبق تنصيب «روحانى» بعقوبات ضد طهران.. سياسة الرئيس مرهونة بتطلعات «خامنئى».. إيران تتمسك بالأسد حتى 2014.. الجزر الإماراتية الثلاث أزمة «خليجية- فارسية» متواصلة.. آشتون تتوقع حلا سريعا للأزمة
قبل ثلاثة أيام من مراسم تنصيب الدكتور حسن روحاني، رئيسا جديدا لإيران خلفًا للرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد، والمقرر لها أن تجرى في الرابع من أغسطس الحالي، ألقت الولاياتالمتحدةالأمريكية حجرًا جديدًا في طريق روحاني وكأنه بالونة اختبار لرد الفعل الإيراني الجديد، إذ وافق مجلس النواب الأمريكي في الأول من ذات الشهر بأغلبية ساحقة على مشروع قانون يشدد العقوبات على طهران. يتضمن مشروع القرار، الذي وافق عليه المجلس الأمريكي بأغلبية 400 صوت مقابل 20 صوتا، على خفض صادرات إيران من النفط بمقدار مليون برميل يوميا على مدى عام، في محاولة لتقليص التمويل للبرنامج النووي الإيراني الذي يعتقد الغرب أنه يهدف إلى صنع سلاح نووي وهو ما تنفيه طهران، وهذا القرار هو الأول من نوعه الذي يحدد رقما معينا لخفض مستهدف لصادرات النفط الإيرانية. ويتطلب سريان القرار، موافقة مجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس باراك أوباما، ومن المتوقع أن تقدم اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ مشروعا مماثلا في سبتمبر المقبل. كان حسن روحاني، الذي انتخب رئيسا لإيران في يونيو الماضي وعد بتبني نهج أقل تصادمية في المحادثات النووية مع القوى العالمية من النهج الذي تبناه الرئيس المنتهية ولايته نجاد. ولعل هذه البداية غير المتوقعة من جانب واشنطن بالنسبة للرئيس الإيراني الجديد، تلقي بظلال كثيفة وتثير تساؤلات مهمة عن مدى قدرة روحاني على إحداث نقلة نوعية في السياسة الخارجية الإيرانية، وما هي حدود التغيير في تلك السياسة بافتراض أن ثمة تغيير قد يلحق دولاب العمل السياسي الإيراني. وثمة حقيقة يجب التأكيد عليها أولًا وهي، أن طبيعة تركيبة النظام الإيراني معقدة، فليس من الضروري أن تتغير السياسة الإيرانية لمجرد تغير شخص رئيس الجمهورية، وذلك لأن المصالح العليا الاستراتيجية والأهداف المرجوة منها ترتبط بمجموعة من الثوابت تتضافر مع متغيرات ومستجدات آنية، وبالتالى تكتسب هذه المصالح والأهداف المبنية عليها سمة الديمومة والثبات إلى حد بعيد، وغالبا ما تكون وتيرة التحول أو التعديل فيها بطيئة ومحدودة، كما أن التوجهات العامة في السياسة الخارجية الإيرانية وثوابت تلك السياسة الخارجية لا تلاقي اختلافًا واضحًا بين الإصلاحيين والمحافظين. ومن المتعارف عليه في النظام الإيراني، أن المرشد الأعلى للجمهورية هو اللاعب الرئيسي في السياسة الخارجية، وخاصة حين يتعلق الأمر بالقضايا الكبرى، مع تأثير ما يمارسه الحرس الثوري، بما يعني أن الرئيس المنتخب لا يستطيع توجيه السياسة الخارجية بمفرده. ففي إيران، لا يحق للرئيس القول الفصل في المسائل الرئيسية في الدولة، فهذا الحق مقصور فقط للمرشد الأعلى" آية الله على خامنئي " وفقًا للمادة 110 من الدستور، ويمكن له إقالة الرئيس في أي وقت وتعيين أو عزل رؤساء الحرس الثوري والجيش، ورئيس القضاة، ورئيس الإذاعة والتليفزيون، وغيرها. إلا أن هذه الطبيعة الخاصة للسياسة الإيرانية لا تستبعد أهمية المدرك الشخصي لدى صانعى القرار ومخططى السياسات الخارجية، كونها تلعب دورا مهما في توجيه دفة الدبلوماسية ومختلف أدوات السياسة الخارجية، وهو ما يثار الآن من أن الفريق الرئاسي الذي يكون ضمن منظومة مؤسسة الرئاسة الجديدة، سيشكل مركز القرار، سواء في وزارة الخارجية أو المجلس الأعلى للأمن القومي أو الفريق المفاوض مع الدول الست المعنية بالملف النووي الإيراني. ورغم أن فوز حسن روحاني بالانتخابات أثار موجةً من التفاؤل الخاصة بمستقبل سياسة إيران الخارجية، وانعكس ذلك في ردود فعل الدول الغربية على وجه التحديد، ولكن ينبغي التعامل مع روحاني على إجراء تغيير جوهري في السياسة الخارجية الإيرانية بحذر شديد، لأسباب خاصة بطبيعة النظام الإيراني من ناحية، وتوجهات التيار الذي يعبر عنه حسن روحاني من ناحية أخرى، وبالتالي من المتوقع أن ينحصر التغيير الذي يمكن أن يفرضه روحاني في آليات إدارة السياسة الخارجية لإيران، على نحو يضمن مزيدًا من التمدد الإقليمي للنفوذ الإيراني، دون أن يحدث تحول جوهري في محتوى هذه السياسة. واقع الأمر، يمكن القول إن حسن روحاني سيعمل على ضمان توسيع دور إيران في الإقليم خلال الفترة المقبلة من خلال أدوات جديدة، تقوم على الدبلوماسية الهادئة، والحوار مع الدول المهمة في الإقليم والعالم، لكن تظل قدرته على إحداث تحول استراتيجي في السياسة الخارجية لإيران مرتبطة بمدى رغبة المرشد في ذلك خلال الفترة المقبلة. ويعتبر الملف النووي الإيرانى من أهم قضايا السياسة الخارجية التي يتعين على روحاني التعامل معها، لأسباب خاصة بتعاظم تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، على نحو أدى إلى تراجع قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار الأمريكي. فضلا عن أن الدول الغربية ترى أن هذه القضية لها الأولوية، وهو ما انعكس في البيانات التي صدرت عنها بعد فوز روحاني، حيث رأت "كاثرين آشتون" ممثلة السياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوربي أن فوز روحاني قد يسمح بالتوصل إلى "حل دبوماسي سريع" للقضية النووية، كما أعلنت الولاياتالمتحدة أنها "مستعدة للتعاون مباشرة" مع طهران حول ملفها النووي. ومن المتوقع أن ينجح روحاني في تحريك المحادثات مع الغرب، وإعادة إجراء المفاوضات، وذلك بالنظر إلى تاريخه السابق، حيث كان هو المسئول عن ملف المفاوضات مع الغرب في الفترة من عام 2003 وحتى عام 2005، ونجح في تجنيب إيران أية عقوبات خلال تلك الفترة. كما من المتوقع أن يتجه إلى فتح قنوات أخرى للتفاوض مع الغرب لا تنحصر في آلية "5+1"، وهو ما أشار إليه في تصريحاته التي قال فيها إن هذه الآلية "هي إحدى قنوات المفاوضات". إلى جانب ذلك، ربما يسعى روحاني إلى المبادرة ببعض إجراءات بناء الثقة مع الدول الغربية، بالاستفادة من الفتوى التي أصدرها المرشد التي تحرم السلاح النووي، على نحو قد ينتج مرونة ما لدى الغرب حول تضمين بعض القضايا الإقليمية، خاصة الأزمة السورية، في محادثات "5+1"، وهو أمر طالبت به إيران في السابق. ومن أهم المؤشرات التي تشير إلى إمكانية قيام روحاني بتطبيق استراتيجية "بناء الثقة مع الغرب، ما أبدته لندن في الأول من أغسطس الجاري من استعدادها لتحسين العلاقات مع طهران والتعامل بالمثل، وذلك بعد قطيعة استمرت منذ نوفمبر 2011. كانت بريطانيا قررت أواخر نوفمبر 2011 إغلاق السفارة الإيرانية في لندن ومنحت دبلوماسييها 48 ساعة لمغادرة البلاد، وسحبت دبلوماسييها من إيران في الشهر التالي، بعد اقتحام متظاهرين إيرانيين سفارتها ومجمعا سكنيًا تابعًا لها في طهران ردًا على فرض بريطانيا عقوبات مالية جديدة على إيران بسبب برنامجها النووي. تبديد مخاوف الخليج أما فيما يتعلق بمدى التغيير الذي يمكن أن يحدثه روحاني في التعاطي مع ملف العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، يمكن القول إن ثمة أربع قضايا هي التي تحدد شكل ومستقبل هذه العلاقات وهي: الجزر الإماراتية الثلاث، والتدخل في شئون دول الخليج، والملف النووي، والصراع في سوريا، حيث لا تزال تصريحات روحاني غير محددة بدقة بخصوص هذه القضايا، فعلى الرغم من حديثه عن أهمية استقرار البحرين بالنسبة لإيران، إلا أنه أكد أنه "لا ينبغي تجاهل تطلعات الشعب البحريني للحصول على حقوقه المشروعة"، وهو ما يعد تبنيًا لما ترفعه بعض دوائر المعارضة في البحرين من مطالب خاصة بتقرير المصير. وفيما يتعلق بسوريا، تشير دوائر إيرانية عديدة إلى أن صاحب القرار في سوريا هو المرشد، وأن قدرة روحاني على تقليص حدة التدخل الإيراني في الأزمة السورية محدودة، ولعل هذا يفسر تواضع تصريحات روحاني الخاصة بسوريا، حيث تحدث عن أن "عام 2014 مهم للغاية، لأنه سيشهد نهاية الفترة الرئاسية للرئيس الأسد، ولذا فإن إجراء انتخابات حقيقية بعيدة عن التدخل الأجنبي والتخريب وتشكيل حكومة منتخبة يمكن أن يعيد الاستقرار والأمن إلى سوريا"، وهو ما قد يعطي إيران دورًا ما في محادثات "جنيف 2". وربما يكون التغيير فقط فيما يخص العلاقات مع السعودية، معتمدًا في ذلك على العلاقات الجيدة التي يحتفظ بها مع هذه الدول، بحكم تاريخ عمله خاصة أثناء توليه منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، كما تظل قدرة روحاني "المحافظ المعتدل" قاصرة على تبديد مخاوف دول الخليج من إيران النووية .