تشير نتائج انتخابات الرئاسة الإيرانية، إلى أن الرئيس الفائز حسن روحاني، يكاد يكون من أقوى رؤساء الجمهورية الإيرانية منذ ثورة 1979، سواء من حيث عدد الأصوات التي نجح في الحصول عليها منذ الجولة الأولى في الانتخابات، أو من حيث توقيت انتخابه. وبرغم ذلك فإن حجم التغيير الذي يمكن أن يحدثه في سياسة إيران الخارجية قد يكون محدود، ولا يمثل خروجا عن الخط العام الذي ميز سياستها خلال الفترة الماضية. معضلة المرشد: برغم أهمية الانتخابات الرئاسية في إيران، فإن حجم التغيير الذي يمكن أن يطرأ على السياسة الخارجية الإيرانية، لا يمكن القول بأنه تغير كبير، أو خروج عن الخط العام للسياسة الإيرانية، وذلك يرجع إلى كون الرئيس يقوم بمهام تنفيذية بالدرجة الأولى، وأن قرار السياسة الخارجية الإيرانية بخاصة حين يتعلق الأمر بالقضايا الكبرى هو بيد المرشد، مع تأثير ما يمارسه الحرس الثوري، وبالتالي ليس كل السياسة الخارجية يعبر عنها الرئيس المنتخب. وبالتالي، فرغم حديث روحاني عن أن فوزه هو انتصار لل"اعتدال على التطرف"، لكن لا تزال قدرته على إدارة السياسة الخارجية لبلاده على نحو يعكس اعتداله يعوقه دور المرشد وتصوره لدور إيران خلال الفترة المقبلة في المنطقة، ومع ذلك فإن روحاني قد يكون أقدر على المناورة مقارنة برؤساء إيران السابقين، خاصة بالنظر إلى عاملين. يتعلق العامل الأول بتوقيت وصوله للسلطة، حيث يعد المرشد في موقف قد يكون مهتزا وأقل قوة من ذي قبل، لأسباب خاصة بوضعه الصحي، وبعلاقته القوية بأحمدي نجاد، ومساندته له في انتخابات 2009 والتي مثلت خصما من شرعيته الداخلية. وينصرف العامل الثاني إلى أن روحاني خرج من رحم النظام الإيراني، حيث شغل منصب مستشار الأمن القومي الإيراني خلال إدارتي خاتمي ورفسنجاني، وخلال الثماني سنوات الماضية، كان واحدا من ممثلين اثنين للمرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي، وبالتالي قد يكون حريصا على استمرار الخط العام لسياسات النظام الحالي، وقربه من المرشد قد يجعله أكثر قدرة على التفاهم معه حول مواقف معينة، وتظل مسألة قدرته على التأثير في الحرس الثوري محط تساؤل، خاصة وأنه في فترات حكم هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي ، وبرغم الطابع الدبلوماسي الهاديء القائم على الحوار والانفتاح الذي ميز سياستهما الخارجية، فإن الحرس الثوري كان يعمل بحرية مطلقة بعيدا عن هذا الخط الدبلوماسي. البرنامج النووي: تعد القضية النووية من أهم قضايا الخارجية التي سيتعين على روحاني التعامل معها، لأسباب خاصة بتعاظم تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران من قبل مجلس الأمن الدولي، ومن قبل الإدارة الأمريكية ومن قبل الاتحاد الأوروبي، على نحو أدى إلى تراجع القيمة السوقية للريال اإايراني في مقابل الدولار الأمريكي. ورغم أهمية هذه الضغوط الاقتصادية، من حيث تحولها لدافع للرئيس الجديد لتحريك الملف النووي مع الغرب، إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية القضية النووية لدى القيادة الإيرانية التي تتعامل معها كجزء من قوة الدولة، وكمكون للأمن القومي لإيران، وهو ما يعني أن حجم التنازلات التي يمكن تقديمها من قبل الرئيس الجديد محدودة. فهذه الأهمية للقضية النووية لعبت دور في موقف إيران من ألماتا 2 التي عقدت في أبريل 2013، حيث إن ما طرحته إيران ارتبط ب"تعليق" تخصيب اليورانيوم عند 20% وليس "وقف" التخصيب، كما اقترحت الدول الست (الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين)، استنادا لتمسكها بحقها في تخصيب اليورانيوم، وفق معاهدة حظر الانتشار النووي التي هي طرف فيها، في حين ترى الدول الغربية أن هذا الحق لا يمارس إلا وفق شروط محددة، تضمن الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وهو ما تسعى لوضعه من خلال المحادثات مع إيران. ورغم ذلك، فإن روحاني بإمكانه أن يحقق انجاز في هذه المحادثات، بالنظر الى تاريخ عمله، حيث كان هو المسئول عن ملف المفاوضات مع الغرب في الفترة 2003-2005 ، ونجح في تجنيب ايران أي عقوبات جديدة خلال تلك الفترة. كما أن خبرته الدبلوماسية، قد تدفعه لفتح قنوات أخرى للتفاوض مع الغرب لا تنحصر في آلية 5+1 ، وهذا ما أشار إليه في حديثه لجريدة الشرق الأوسط في 13 يونيو 2013، حيث تحدث عن أن هذه الآلية "هي إحدى قنوات المفاوضات". كما قد يسعى روحاني للاستفادة من الفتوى التي أصدرها المرشد والتي تحرم السلاح النووي ، كإجراء لإعادة بناء الثقة مع الغرب. وقد ينجح روحاني في نهاية المطاف في الترويج للموقف الإيراني الداعي الى تضمين القضايا الاقليمية في المحادثات 5+1 ، بحيث لا تقتصر على البرنامج النووي، وهو ما حاولت ايران القيام به في فترات سابقة، خاصة قضية الصراع في سوريا، حيث من الممكن ان يسعى للبناء على الموقف الروسي الداعي لمشاركة ايران في محادثات جنيف-2. واللافت للانتباه أن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، في تعليقه على فوز روحاني، تحدث عن أن بلاده "مستعدة للعمل" معه وخصوصاً حول "الملف النووي وانخراط إيران في سوريا". العلاقات مع الخليج: يتبنى روحاني موقف "متزن" من دول الخليج، ففي حديثه للشرق الأوسط في 13 يونيو 2013 صرح بأنه حريص على تحويل "الخصومة" مع السعودية إلى "احترام متبادل"، وأن إيران والسعودية يمكن أن يلعبا دورا إيجابيا في التعامل مع القضايا الإقليمية الرئيسية مثل الأمن في الخليج. ولكن تظل قدرة روحاني على تبديد مخاوف دول الخليج من إيران هي التحدي الحقيق الذي يواجهه، فبعد فوزه في الانتخابات، حذر بعض كتاب الأعمدة السعوديين من "اللدغة الايرانية الثالثة"، خاصة وأن هناك تصورا سائدا في الخليج أن روحاني هو أحد الملالي الإيرانيين، فهو "الملا الدبلوماسي"، وهو ليس أقل تشددا من الولي الفقيه. ويمكن تحديد أربعة قضايا محورية في علاقات إيران مع الخليج، وهي الجزر الاماراتية الثلاث، والتدخل في شئون دول الخليج، والملف النووي، والصراع في سوريا، ولا تزال تصريحات روحاني فضفاضة بخصوص هذه القضايا، فرغم حديثه عن أهمية استقرار البحرين بالنسبة لإيران، إلا أنه تحدث عن أنه "لا ينبغي تجاهل تطلعات الشبع البحريني للحصول على حقوقه المشروعة"، وهذا يمثل تبنيا لما ترفعه بعض دوائر المعارضة في البحرين من مطالب خاصة بتقرير المصير. وفيما يتعلق بسوريا، تشير عدة دوائر ايرانية أن صاحب القرار في سوريا هو المرشد وأن قدرة روحاني على الانسحاب من سوريا محدودة، ولعل هذا يفسر تواضع تصريحات روحاني الخاصة بسوريا، حيث تحدث عن أن "عام 2014 مهم للغاية، لأنه سيشهد نهاية الفترة الرئاسية للرئيس الأسد، ولذا فإن إجراء انتخابات حقيقية بعيدة عن التدخل الأجنبي والتخريب وتشكيل حكومة منتخبة يمكن أن يعيد الاستقرار والأمن إلى سوريا"، وهذا الموقف قد يعطي إيران دور ما في محادثات جنيف-2. قد يكون احتفاظ روحاني بعلاقات ما مع دول الخليج وقنوات مفتوحة معها، حتى على المستوى الأمني كما كانت في عهد خاتمي، أقصى ما يمكن أن يحققه مع هذه الدول ، معتمدا في ذلك على العلاقات الجيدة التي يحتفظ بها مع هذه الدول، بحكم تاريخ عمله في النظام الايراني، خاصة أثناء عمله كأمين عام للمجلس الأعلى للأمن القومي. رغم وجود مناخ دولي مرحب بفوز حسن روحاني في الانتخابات الإيرانية،حيث رأت كاثرين أشتون أن فوز روحاني قد يسمح بالتوصل الى "حل دبوماسي سريع" للقضية النووية، كما أعلنت الولاياتالمتحدة أنها "مستعدة للتعاون مباشرة" مع طهران حول ملفها النووي بعد انتخاب روحاني، إلا أن قدرته على إحداث تغير في السياسة الخارجية لإيران تظل مرتبطة بما يريده المرشد.