"الحكاية مصر"..ضمن برنامج «الثقافة» خلال الاحتفال بذكري 30 يونيو    خريطة الأسعار اليوم: استقرار البيض والدواجن وانخفاض الذهب    وزير الزراعة: تعزيز التعاون مع الأشقاء في إفريقيا وأوروبا لبناء سلاسل زراعية قيّمة    رفع 147 طن مخلفات بمركز صدفا في أسيوط    جهاز تنمية المشروعات: قدمنا 57.5 مليار جنيه تمويلات للمشروعات خلال 11 عاما    محافظ الجيزة يعتمد المخططات التفصيلية لأحياء: الدقي والعمرانية وبولاق الدكرور    الرئاسة الفلسطينية: حكومة نتنياهو تحاول جر الضفة الغربية إلى مواجهة شاملة    الجيش الإسرائيلي يستهدف مواقع لحزب الله بصواريخ ارتجاجية    المجر: انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبى والناتو يضع الكتلتين فى حالة حرب مع روسيا    ما هو أقوى خط هجوم في مجموعات كأس العالم للأندية؟    تفاصيل صفقة ضم الأهلي ل بديل وسام أبو علي من أوروبا.. تقرير يكشف مفاجأة    موعد مباراة مصر وسلوفينيا في تحديد مراكز بطولة العالم ببولندا    بالأسماء.. 19 وفاة في حادث تصادم الطريق الإقليمي.. ومعظم الجثامين مجهولة الهوية    ضبط 7 أطنان دقيق مدعم داخل المخابز السياحية    السيطرة على حريق اندلع داخل مخزن فى عين شمس    العثور على جثة عامل داخل منزله فى قنا    بعد الإعدادية.. كيف تلتحق بمدرسة الإنتاج الحربي للتكنولوجيا التطبيقية؟ (في 12 تخصص)    أيمن بهجت قمر يعلن دخول «ري ستارت» أعلى قائمة الإيرادات    قصر ثقافة مصر الجديدة يحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو بفعاليات متنوعة    آخرهم دنيا سمير غانم.. شائعات الانفصال تلاحق مشاهير الفن    أسماء أبو اليزيد عن "مملكة الحرير": "حدوتة فانتازية شيقة"    "جريئة".. أحدث ظهور ل منة فضالي والجمهور يغازلها (صور)    نيللي كريم عن «هابي بيرث داي»: فكرته لمست قلبي والسيناريو عميق    فضل شهر الله المحرّم.. بداية عامك بالأجر والمغفرة| فيديو    «التأمين الصحي» بأسيوط يتسلم شحنة من الأدوية لتوزيعها على المستحقين    إنجاز بحثي مصري يُحدث طفرة في فهم أمراض الركود الصفراوي الوراثية لدى الأطفال"    «التعليم العالي» تصدر تقريرا حول تصنيفات الجامعات المصرية خلال 11 عامًا (التفاصيل)    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيدة نفيسة    سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه بداية تعاملات اليوم 27 يونيو 2025    مصرية من أوائل الثانوية العامة بالكويت ل«المصري اليوم»: أهم حاجة الثقة في ترتيبات ربنا    مروة عبدالمنعم تكشف عن إصابتها ب «فوبيا».. والجمهور: «مش لوحدك»    عمرو الليثي يكشف كواليس فيلم الراجل الثاني ويعلن مفاجأة    ضبط 352 قضية مخدرات و85259 حكمًا قضائيًا خلال 24 ساعة    هل يجوز صوم يوم عاشوراء منفردًا إذا وافق يوم السبت؟. أمين الفتوى يكشف    هجوم أوكرانى بطائرة مسيرة على موظفى محطة زابوروجيه النووية    مستوطنون يعتدون على منازل جنوب الخليل.. وإصابة فلسطينية في مسافر يطا    طب عين شمس: توزيع المهام.. وإدارة غرف العمليات باتت جزءًا من تقييم الأطباء    توقيع الكشف على 872 مواطناً في قافلة طبية بشمال سيناء    محافظ أسيوط يعلن انطلاق الحملة القومية للتبرع بالدم "شارك وأنقذ حياة" ويدعو المواطنين للمشاركة    نقابة المهندسين: تطوير شامل لمصيف المعمورة يشمل الوحدات والمرافق والأنشطة    ماكرون: ترامب عازم على التوصل لوقف إطلاق نار جديد في غزة    جامعة عين شمس تنشئ وحدة داخلية لمتابعة ودعم جائزة مصر للتميز الحكومي    سعر الحديد اليوم الجمعة 27 يونيو 2025    محمد شريف ينتظر 48 ساعة لحسم مصيره مع الأهلى.. والزمالك يترقب موقفه    البصل ب7 جنيه... أسعار الخضراوات والفواكه بكفر الشيخ اليوم    مرموش ضد بونو مجددًا.. مواجهة مرتقبة في مونديال الأندية    ياسر ريان: طريقة لعب ريبيرو لا تناسب أفشة.. وكريم الديبس يحتاج إلى فرصة    "ياحراق اللجان".. شقيق رامي ربيعة يثير الجدل بهذا المنشور بعد خروج العين من المونديال    مصرع وإصابة 16 شخصا فى حادث مروع بالمنوفية    "لازم واحد يمشي".. رضا عبدالعال يوجّه طلب خاص لإدارة الأهلى بشأن زيزو وتريزيجيه    يكسر رقم أبو تريكة.. سالم الدوسري هداف العرب في تاريخ كأس العالم للأندية (فيديو)    قمة الاتحاد الأوروبي تفشل في إقرار الحزمة ال18 من العقوبات ضد روسيا    الورداني: النبي لم يهاجر هروبًا بل خرج لحماية قومه وحفظ السلم المجتمعي    هل التهنئة بالعام الهجري الجديد بدعة؟.. الإفتاء توضح    الأوقاف تفتتح اليوم الجمعة 9 مساجد في 8 محافظات    الإيجار القديم والتصرف في أملاك الدولة، جدول أعمال مجلس النواب الأسبوع المقبل    المفتي: التطرف ليس دينيا فقط.. من يُبدد ويُدلس في الدين باسم التنوير متطرف أيضا    حسام الغمري: الإخوان خططوا للتضحية ب50 ألف في رابعة للبقاء في السلطة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاح جاهين شاعر الوطنية

الدكتور يوسف إدريس: «أخطر ما عرفته حقيقة عن هذا الشاعر أن فى قلبه للعالم حبا، وللناس فى وجدانه مكانة ما صادفتهما في الشعراء من مختلف المذاهب والعصور والألوان إلا نادرًا، وأروع ما فى هذا الحب أن الشاعر قادر على التعبير عنه
أنجبت مصر العديد من الشخصيات البارزة الذين أثروا الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية فلمعت كالنجوم في سماء مصر وأعطت من فكرها وأدبها وفنها بقدر ما أتيح لها من رؤية في حدود زمانها وموقعها. ومن الشخصيات الشعبية الفنية والأدبية والفكرية من كان دوره الذي اختاره أن يكون إيقاظ الأمة والناس بما يشبه دور «المسحراتي» فكان عبدالله النديم ومحمد عبده والأفغاني وكان هناك أيضا بيرم التونسي وصلاح جاهين الذي أيقظ برسوماته وأشعاره وأعماله الفنية جموع المصريين وألهب حماستهم الثورية.
من أصدق ما قيل عن صلاح جاهين أنه كان «مؤسسة مستقلة بذاتها تشبع حتى النخاع بحب مصر».. مؤسسة؟! نعم فقد كان رحمه الله فنانا متعدد المواهب جمع بين الشعر والرسم وكتابة الحوار والأغنية بأداء متميز، وعبر عن المجتمع وعن الوجدان الجماعي في عمق وفي بساطة وبأسلوب ساخر وصل إلى قلوب الناس.. ووجدت نظرته الساخرة إلى الأشياء متنفسًا لها في فن الكاريكايتر.. ويمكن اعتبار كاريكاتيره الذي كان ينشر يوميًا تاريخا للحياة السياسية والاجتماعية على مدى عمره منذ بدأ رسومه الكاريكاتيرية العبقرية التي كانت ولا تزال تمتع العين بالرؤية وتمتع العقل بالفكرة وتمتع القلب بالبسمة.
وقصة الكاريكاتير كجانب من جوانب شخصية جاهين وإبداعه بدأت منذ الطفولة حيث ظهرت موهبته الفنية منذ الصغر، وعندما أنهى صلاح جاهين دراسته الثانوية كان يريد دراسة الفنون، ولكن قوبل طلبه هذا بالرفض من والديه.. كان والده يعمل بالقضاء ووالدته مثقفة، وكانت رغبتهما أن يدرس صلاح القانون حيث المستقبل المضمون، فقبل جاهين على مضض، والتحق بكلية لا يرغبها، وأرغم على دراسة لا تتفق مع ميوله الفنية، لكنه بعد عدة سنوات قرر هجر دراسة القانون ليلتحق بكلية الفنون الجميلة ضد رغبة والديه بعد أن احتدم الخلاف معهما، وترك صلاح جاهين بيت أسرته وأقام لفترة في بيت الفنانين بوكالة الغوري.. ولم يعرف له أبوه مكانا، وبعد فترة، تمرد جاهين مرة أخرى على الدراسة بكلية الفنون الجميلة وكره الدراسة الأكاديمية برغم اعتراف أساتذته بموهبته الفذة وعبقريته الواضحة وكان من ضمن أساتذته الفنان الكبير حسين بيكار.
سافر جاهين للسعودية للعمل كمخرج فني للمجلات لكنه لم يطل به المقام، وعاد إلى مصر بناء على طلب من والده الذي وافق على طلب ابنه بعدم مناقشة موضوع مواصلة دراسة الحقوق مرة أخرى معه.. وبعد عودته إلى القاهرة عمل صلاح جاهين في جريدة «بنت النيل» ثم تنقل بين العديد من الصحف والمجلات وشق طريقه بموهبته الفذة كفنان كاريكاتير وشاعر وصحفي.
ومع بداية الخمسينيات عمل صلاح جاهين بمجلة «صباح الخير» وتألقت أعماله الفنية بها، ثم انضم «للأهرام» عام 1964، وعاد إلى صباح الخير كرئيس للتحرير عام 1966، ثم عاد للأهرام مرة أخرى ليبدع كاريكاتير يوميا نابعا من قلب الشعب المصري، ومعبرا عن آماله وآلامه ساخرًا من الأخطاء والسلبيات، شارحا فيه ما قد يعجز عنه مقال سياسي أو اجتماعي.
كان صلاح جاهين مدرسة وحده، أهم ما ميزها امتزاج الشاعر برسام الكاريكاتير في وحدة واحدة وكيان متكامل، فكما أن الشعر يعني تكثيف الصور واختزال المعاني وإيجاز الفكرة في شطرة واحدة أو كلمات قليلة كذلك فن الكاريكاتير.. وابتكر جاهين عددا من الشخصيات الكاريكاتيرية الشعبية مثل شخصية «درش» الذي يمثل ابن البلد المصري الأصيل الذكي الذي يقول رأيه بسخرية في سياسة بلده وفي المواقف الاجتماعية المختلفة، كانت السخرية عند جاهين محببة للنفس تؤلم في غير إيذاء وتنتقد في غير تجريح وتهزأ بالنقائص والعيوب في خفة دم نادرة.
ملك جاهين ناصية الكلمة والرسم في آن واحد، فكان شعره عظيما يتميز بالعمق في نظرته للكون والحياة والبشر يقول في إحدى رباعياته:
أنا شاب لكن عمري ولا ألف عام
وحيد ولكن بين ضلوعي زحام
خايف، ولكن خوفي مني أنا
أخرس ولكن قلبي مليان كلام
عجبي
أما عن كاريكاتير جاهين فحدث ولا حرج فقد عكست رسومه هموم الناس وخاصة البسطاء الذين أحبهم وأحبوه، وفضل أن يعيش بينهم رغم انتمائه إلى طبقة مرفهة فانتقد من خلال رسومه الأخطاء السياسية والعيوب الاجتماعية مثل كسل الموظفين والروتين العقيم والغلاء وادعاء الثقافة عند أنصاف المتعلمين وتقليد الغرب الأعمى وظاهرة الشرائط الموسيقية الهابطة، وأعطال التليفونات، وانتشار الأمية وجنون التشجيع الكروي وانتشار المخدرات والهوة الساحقة بين الأغنياء والفقراء والسياسة العربية والعالمية.
كانت زاويته الكاريكاتيرية في الأهرام أول ما يحرص القراء على مشاهدتها فيرون فيها حياتهم ومشاكلهم وقضاياهم، وكثيرا ما كان يبعث من خلالها برسائل بين سطور الكاريكاتير تنبه إلى قضية معينة أو تلفت نظر الرأي العام إلى مخاطر أو عيوب، وكان تأثير جاهين كبيرًا في الرأي العام.
ارتبط اسم صلاح جاهين بثورة يوليو 1952، وتغنى بإنجازاتها ودافع عن قائدها وساهم في صياغة أحلامهم وأفكارهم، فلما حدثت نكسة 1967، أصيب بصدمة كبيرة مثل كل المصريين، لكنه لم يعاند أو يستمر في ترديد الشعارات، بل اعتبر الهزيمة ضرورة لمراجعة النفس ومحاسبة الذات ومحاكمة العهد بكل أخطائه وخطاياه.
قال الكاتب الصحفي فتحي غانم عن جاهين: «إنه شاعر عمره خمسة آلاف عام».. وقال عنه الدكتور لويس عوض: «كان صلاح جاهين متعدد المواهب بدرجة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الفنون والآداب المصرية، كان في تقديري أعظم رسام كاريكاتيري عرفته مصر في كل تاريخها وكان أعظم شاعر بالعامية عرفته مصر منذ بيرم التونسي، وكان مخرجا وممثلا وملحنا ومؤديا كشعراء الربابة.. ومع ذلك فلن يذكر أحد إخراجه ولا تمثيله ولا تلحينه، وإنما سيبقى منه عبر القرون للفن المصري رسمه الكاريكاتيري وللأدب المصري شعره العامي.. وسيبقى قبل هذا وذاك من صلاح جاهين توهجه الوطني وإيمانه بالجماهير».
وقال عنه الدكتور يوسف إدريس: «أخطر ما عرفته حقيقة عن هذا الشاعر أن في قلبه للعالم حبا، وللناس في وجدانه مكانة ما صادفتهما في الشعراء من مختلف المذاهب والعصور والألوان إلا نادرًا، وأروع ما في هذا الحب أن الشاعر قادر على التعبير عنه».
وقال عنه الفنان زهدي: «كان صلاح جاهين في عالم الفكر معملًا جبارًا يفوق الأجهزة الالكترونية الحديثة غزارة وفيضانا وكأنه شلال فكري يهدر في جريانه».
كان جاهين يرسم في المتوسط نحو ثلاثين كاريكاتير في الأسبوع -وهو عدد كبير جدًا يقدره الرسامون- خاصة إذا ما عرفنا أن معظم هذه الكاريكاتيرات تناول قضايا فكرية واجتماعية وفلسفية وسياسية على أعلى مستوى، وكثير منها يصلح نشره الآن، فقد كان يتنبأ بالأحداث بنفس الدرجة التي يعلق بها على الأحداث الجارية.
قدم جاهين لمسرح العرائس بجانب رائعته «الليلة الكبيرة» «صحصح لما ينجح» و«حمار شهاب الدين» و«الشاطر حسن» وغيرها وقدم للتليفزيون مسلسل «بوجي وطمطم»، وللإذاعة قدم فوازير الإذاعة بعد وفاة بيرم التونسي، وكتب سيناريوهات لبعض أفلام السينما كما قام بالتمثيل في بعض الأفلام وكتب العديد من الأغاني الوطنية وترك عدة دواوين.
وفي 21 أبريل من عام 1986 تصعد روح الفنان الشاعر صلاح جاهين إلى بارئها بعد حياة حافلة ثائرة مفعمة بعشق مصر.. الأرض والشعب والأمل.. وأتذكر هذا اليوم جيدًا عندما قطعت الإذاعة المصرية برامجها لتذيع ظهرًا نبأ رحيل الفنان الكبير صلاح جاهين وكنا مجموعة من الصحفيين ذاهبين في رحلة إلى الإسكندرية نظمتها سلطنة عمان، وعندما أذيع النبأ الحزين كان صدمة لكل الإعلاميين ولكل الناس الذين أحبوا جاهين أو اختلفوا معه، فقد اعترض البعض على موقف جاهين من ثورة يوليو وزعيمها وتعرض للوم خاصة بعد هزيمة 67، فقد اتهموا جاهين بأنه ساهم في تحذير الناس في سنوات ما قبل النكسة لأنه مجد الثورة وألهب حماس الجماهير وجعل الناس يحلقون في أحلام وردية وفي بستان الاشتراكية و«تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا في كل قرية عربية» حتى استيقظوا ذات صباح على الكابوس المرعب في 5 يونيو 67 لكن من يمنع الشاعر من التأمل.
يقول جاهين:
ياخالق الكون بالحساب والجبر
وخالقني ماشي بالاختيار والجبر
كل اللي حيلتي زمزمية أمل
وإزاي تكفيني لباب القبر؟
عجبي
كلام الصورتين:
1‫-‬ صلاح جاهين يحاول إيقاظ الكسالى كما تخيله رسام «فيتو»
2‫-‬ كاريكاتير عن انقطاع الكهرباء يصلح نشره الآن بعد 27 سنة على رحيل جاهين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.