الأفكار لا تموت أبداً، وكلما وجدت متنفساً من هواء حلقت فى السماء، أما صانعو الأفكار فنحن نستدعيهم من العالم الآخر ونستعيد أرواحهم، ونجرى معهم حوارات حية.. هنا فقط بينما كنت أجلس أمام شاشة «التليفزيون» أتابع ما يقع في مصر من أحداث، ظهر أمامى صفوت حجازى أحد قادة اعتصام رابعة العدوية وهو يلوح بيده خاطبا في الحضور أنه قد حانت ساعة الحسم.. وإذا بى أذهب بذهنى خارج إطار الشاشة تتلقفنى التساؤلات حول تلك الساعة التي يتشدق بها الإخوان المسلمون منذ عزل رئيسهم وإعلانهم العصيان.. كل جمعة تمر انتظر فيها ساعة الحسم.. ضجيج في ضجيج.. لا يبلغنى من الإخوان سوى الضجيج والوعود الكاذبة.. وعود كاذبة قبل أن يصلوا إلى الحكم.. وعود كاذبة أثناء وجودهم في الحكم.. وعود كاذبة بعد أن تم عزلهم عن الحكم.. الإخوان كاذبون.. نعم الإخوان كاذبون دائما.. عبارة أخذتنى لأحد خطابات الرئيس الأعظم جمال عبد الناصر قائد القادة وملهم الثورات ومعشوق العاشقين.. الذى وصفهم فى أكثر من خطاب بأنهم كاذبون.. تذكرت أننا نعيش اليوم ذكرى ثورة 23 يوليو التى غيرت مجرى الحياة فى مصر والعالم العربي.. تذكرت ايضاً ساعة الحسم التى حددها جمال عبدالناصر لكن الفرق بين القائد العظيم وصفوت حجازى أن الاول لم يعلن عنها ونفذها باقتدار والثانى اعلن وتشدق بها على منصة رابعة ولم يستطع تنفيذها ومنى بالخذلان.. هنا وجدتنى أقفز نحو خلوتى لأمارس هوايتى المفضلة في تحضير الأرواح.. جلست أتلو ما تلوت وأتمتم بما تمتمت حتى جاءنى صوته الرزين: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ! قلت: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..يا بطل الأبطال ومعشوق الأجيال الزعيم جمال عبد الناصر.. عايش بصوتك في قلوب الناس.. عايش بإحساسك ووطنيتك وإخلاصك في حب بلدك.. وحشتنا ياريس! قال: واحدة واحدة..وقل لى من أنت؟ ولماذا جئت بى إلى هنا في هذا الوقت بالذات؟! قلت: أنا أحد أبنائك المصريين الذين ضجروا من الرؤساء الذين خلفوك، هم لا يحملون إلا هموم أنفسهم وذويهم على حساب الشعب الذي كنت تعشقه ويعشقك ! قال: لماذا تقول هذا وأنا قد تركت خلفى محمد أنور السادات قائد أكتوبر ومحرر سيناء من قبضة اليهود ومن بعده محمد حسنى مبارك قائد الضربة الجوية التي هزت كيان إسرائيل ! قلت: ها..أكمل ياريس..أنت ذكرت محمدين باقى محمد كمان ! ضاحكا قال: تقصد مرسي ؟.. دا بقى مش تبعنا.. فهذا أنتم من أتيتم به ولا أعرف كيف ! قلت: في غفلة من الزمن يا ريس فلا تؤاخذنا ! قال: الشعب المصرى طيب وخلوق وجميل لكنه لا يتعلم من التاريخ.. والدليل أنكم انتخبتم رئيسا إخوانيا عندما أتيحت لكم الفرصة لاختيار رئيس منتخب.. يعنى «جيتم تكحلوها عميتوها».. المثل دا لسه موجود أم أن زمن التكنولوجيا قد أنساكم الأمثال الشعبية الأصيلة ؟! قلت: كل الأمثال موجودة.. لكن عاما من حكم الإخوان أنسانا من نكون ولماذا كنا.. فلا تؤاخذني ياريس.. ولا تلومنا فنحن عندما اخترنا مرسي رئيسا كنا بين كفى رحي.. فأنت تعلم أن مبارك في سنوات حكمه الأخيرة قد تجبر وطغى.. قاطعنى قائلا: لا يوجد محارب طاغية يا بنى..لكن من احاطوا بمبارك هم الذين طغوا على الشعب..وأنا هنا وكل الشهداء في الجنة يشق علينا ما آل إليه حال مصر في عهد مبارك..وكنا ندعو له أن يتنحى قبل أن يحدث معه ما حدث مع مرسي ! قلت: لكن الشعب ثار ضد مبارك ونظامه فلا تقنعنى أن مبارك كان ملاكا ياريس ! قال: لا أريد أن اقنعك بهذا.. وأعلم أن مبارك قد اخطأ في آخر سنوات حكمه.. لأنه ترك غيره يدير شئون البلد..وظن هو أن الحياة وردية ولم يفق من غفلته إلا على صوت الثوار ! قلت: ولهذا قد اخترنا مرسي بعد أن عصرنا على أنفسنا ليمونا ظنا منا أن الإخوان سيحكموننا بما يرضى الله ورسوله باعتبارهم دعاة دين ! ضاحكا قال: الإخوان مالهمش دين يا ابنى.. الإخوان دينهم المال والسلطة.. وتاريخهم يثبت ذلك.. وأنتم كلكم شباب مثقف ومتعلم فكيف لم تأخذوا حيطتكم؟! قلت: دا أنت شكلك متابع الأحداث كلها ياريس ! قال: طبعا أتابع كل ما يدور في مصر.. بالإضافة إلى أن شهداء ثورة يناير حولنا في كل مكان في الجنة ! قلت: الإخوان ركبوا على دماء شهداء يناير حتى وصلوا للحكم وبعدها لم يعترفوا بهم وعملوا على إنكار كونهم شهداء.. فلا شهداء من وجهة نظرهم إلا من مات وهو على دين الإخوان ! ضاحكا قال: حلوة على دين الإخوان دى.. فعلا يا ابنى الإخوان لهم دين وحدهم.. بل هم تجار دين.. لكن اعلم يا بنى أن حذاء شهيد من شهداء يناير برقبة مرشد الإخوان ! قلت: هكذا يحكم الأبطال على الأبطال ! قال: أنا وشهداء يناير وكل الأبطال وشهداء أكتوبر كلنا تابعنا ثورة 30 يونيو بفخر..فأنتم يا بنى أبهرتم الأحياء والأموات بثورتكم التي قضت على الإخوان وعزلت مرسي.. قلت: رغم أن الإخوان أنفسهم لم يتخيلوا أن يُعزلوا من السلطة بهذه السهولة ! قال: علشان تعرفوا بس أن ضباط الجيش هم حماة الشعب.. شفت أنت بقى السيسى عمل إيه علشان خاطر الشعب ومازال يتحمل إهانات الإخوان على «البتاع» ده اللى اسمه ال «فيس بوك» وفى هتافاتهم ضده بميدان رابعة ؟! قلت: أعلم ذلك يا ريس.. لكن عليه أن يتحمل من أجل مصر ! قال: السيسى أعادنى 60 سنة للوراء.. عندما حررنا مصر من حكم المماليك ! قلت: لكنى أشفق على السيسى من الحرب الضروس التي تواجهه ! قال: لا تخف يا بنى فهم حاربونى أكثر من ذلك عقب ثورة يوليو وبشتى الوسائل.. فقل للسيسى أنت خليفة ناصر فلا تخشى مجموعة من الإرهابيين ! قلت: لكن السيسى اعتقل قيادات الإخوان وسيعترض الخارج على ذلك ! قال: خارج إيه وداخل إيه.. أهم حاجة مصر.. أنا اعتقلتهم جميعا قيادات وغير قيادات حتى تطهرت مصر.. ثم أخرجتهم بشرط أن يعيشوا بيننا في سلام.. ورغم ذلك بدأوا يتآمرون من جديد.. الإخوان يا بنى لاعهد لهم.. فهم دائما ما يصنعون من أنفسهم أوصياء على الثورات.. لقد حاولوا اغتيالى أكثر من مرة ! قلت: رغم اننى أعلم من قراءتى للتاريخ انك كنت واحدا منهم ياريسنا ! قال: لا أنكر أننى أعجبت بهم يوما ما.. لكننى كنت صغيرا حديث العهد بهم..وعندما كنت ضابطا يحلم بتحرير وطنه لفت نظرى مدى تنظيمهم السرى..وكنت أريد أن أفعل مثلهم تنظيما سريا من الضباط يثور على النظام وقتها ويحرر البلاد من حكم الاحتلال.. كنت أرى الملك فاروق وكل أسرة محمد على هم ليسوا أبناء مصر كى يحكموها وكان من الصعب أن تكون فريقا ثوريا داخل الجيش إلا بطريقة الإخوان.. إلا أننى بعد أن تعرفت عليهم وأبلغتهم بمرادى أرادوا أن يكون تنظيم الضباط الأحرار تابعا لتنظيمهم السرى داخل الجيش بحيث نكون ورقة ضغط يبتزون بها الملك ! قلت: هل هذا يعنى أنهم كانوا يريدون ابتزاز الملك وليس تحرير مصر من حكم الملك ؟! قال: الإخوان ليس لهم وطن كى يحرروه.. فأنا عندما كنت أقول بتحرير مصر أمامهم كانوا يقولون لى نحن دعوة واسعة وهدفنا أوسع من مصر.. فقد تحارب أنت هنا في الوقت الذي نحارب نحن في بلد آخر ! قلت: لكنى قرأت انك رغم كل ما فعلوه بك ورغم محاولتهم اغتيالك في الإسكندرية إلا أنك أخرجتهم من المعتقلات وحاولت التعاون معهم ! قال: حاولت أن أعاملهم كآدميين يا بنى كى نكون جميعا في خدمة الوطن بدلا من الشتات.. وبالفعل طلبت منهم أن يتعاونوا معى في بناء الوطن..إلا أن المرشد «بتاعهم» طلب منى فرض الحجاب في مصر وقال لى لازم كل واحدة تلبس طرحة وبلاش الستات تشتغل.. يعنى أنا أحدثه في تقدم الوطن وهو يحدثنى في الحجاب والطرحة ! ضاحكا قلت: وهل هذا هو التعاون في بناء الوطن من وجهة نظرهم ؟! قال: دول ناقص يخلوا الناس ما تمشيش بالنهار وتمشى بالليل.. مع أن بنت المرشد في هذا الوقت كانت تدرس في كلية الطب ولا ترتدى حجابا ولا تلبس طرحة ولا أي حاجة.. طب ملبسهاش طرحة ليه؟! قلت: صحيح ياريس هو ازاى عايز يلبس الستات الطرحة وابنته سافرة ؟! قال: الإخوان يابنى يعتبرون أنفسهم عائلة مميزة..اما بقية الناس فمجرد عبيد.. لذلك كانوا يحاربون الاشتراكية.. لأن الاشتراكية تعنى اننى آتى بالأموال وأوزعها على الشعب في حين أنهم يعتبرون هذا من أنواع العبط.. قلت: مع أنى عندما أرى لحاهم أتوسم فيهم كل خير ياريس ! قال: هذه اللحى مجرد ستار.. فالإسلام لا يقول إنك تربى لحيتك علشان تسرقنا وتسرق ثروات وطن بأكمله.. إنهم يستغلون الدين كى يأكلوا أموال الناس بالسحت !! قلت: وهل طلبوا منك شيئا آخر حتى يتعاونوا معك لخدمة مصر وتقدمها ؟ ضاحكا قال: طبعا طلبوا منى إغلاق المسارح والسينمات ! قلت: وماذا فعلت أنت مع هذا العبث ؟! قال: رفضت كل مقترحاتهم وطلبت منهم اقتراحات تصب في مصلحة الوطن وليس في خنق الوطن..ثم أعطيتهم فرصة للتناغم مع الشعب والعيش في هدوء وكان هذا في عام 1964 بعد أن أخرجتهم جميعا من المعتقلات ! قلت: أنت شوقتنى ياريس كى أعرف كيف بدأوا يعملون لصالح الوطن ! قال: لم يمر عام واحد حتى اكتشفت أنهم أعادوا اجتماعاتهم السرية وبدأوا يتآمرون علينا ويخططون للاستيلاء على السلطة..فما كان منى إلا أن اعتقلتهم مرة أخرى ! ضاحكا قلت: لماذا يصرون على الوصول للسلطة بهذا الشكل ؟! قال: لأنهم يؤمنون بأنه «ماينفعش بنى آدم زيى وزيك يبقى رئيس».. ربنا هو اللى يحكم.. طبعا هتسألنى إزاى ربنا يحكم ويبقى رئيس.. هقولك أنهم «يعتبرون» المرشد هو خليفة الله في الأرض وعلى الخليفة أن يحكم بأمر الله ويرون أنهم شعب الله المختار.. أما أنا وأنت وباقى أبناء مصر فكفار يجب أن نأخذ على «دماغنا».. طب قل لى أنت إزاى ربنا يحكم إلا إذا كان له رسول ؟!.. وهل المرشد رسول؟!.. طب هل واحد زى بديع اللى عندكم ده «أبو نقاب» رسول ؟! ضاحكا قلت: ألم تخش أن يحاولوا اغتيالك مرة أخرى بعد أن فعلت معهم كل هذا ؟! قال: اغتيال جمال عبد الناصر لم يكن هو المشكلة.. فمصر بها آلاف عبد الناصر.. لكن المشكلة أنهم يريدون اغتيال الشعب بأكمله! قلت: ألهذا الحد هم يكرهوننا ؟! قال: يا ابنى الإخوان بيكرهوا بعض.. فكيف يحبون الشعب؟! قلت له: لكن مرسي كان رجلا طيبا ولم تظهر عليه تلك العلامات.. وأنا أراك تبالغ ياريس! قال: آه أنت كده «طلبت» معاك «غلاسة».. وناوى تعمل معايا زى ماعملت مع السادات في الحلقة اللى فاتت! قلت: معنى هذا انك تقرأ «فيتو» ياريس! قال: السادات أهدانى نسخة.. أنت عارف أن أنور بيحب يتفشخر بصورته في الجرايد! قلت: لكن أنت ماجوبتش على سؤالى ياريس.. ماهو الفرق بينك وبين مرسي فكلاكما جاء رئيسا بعد ثورة؟! ضاحكا قال: الفرق بينى وبين مرسي اننى انا الذي صنعت الثورة ليعيش الشعب، أما مرسي فقد ركب ثورة قام بها الشعب ليعيش هو وإخوانه فقط !! قلت: وماذا أيضا ؟! قال: يعنى أنت مبسوط وأنت بتحط ناصر في مقارنة مع مرسي ؟! قلت: بصراحة.. لا ياريس.. بس أنا قلت «أنكشك».. معرفش ليه بحب انكش الروح قبل أن أصرفها ! قال: سوف أقول لك شيئا واحدا طالما أنك تنكشنى.. أنا عندما تنحيت خرج خلفى كل الشعب يطلب عودتى.. في حين أن مرسي أخرج الشعب من هدومه فثار عليه عن بكرة أبيه ليتخلص منه ومن حكمه !! قلت: آنستنا يا ريس.. وأنا عندى أسئلة كثيرة مازالت عالقة بذهنى..لكن هيبتك تجعل الأسئلة تقفز فوق بعضها فلا أتمكن منها.. لكنى في النهاية اطلب منك النصح لشعب ثار في 30 يونيو ويريد أن يحافظ على ثورته ! قال: لا تقامروا بمكاسبكم الثورية.. ولاتسلموا أنفسكم مرة أخرى للإخوان لأنهم يخدعونكم بالإسلام رغم أنهم ليسوا مسلمين وليسوا إخوانا.. فهم لا يعرفون إلا الحقد حتى فيما بينهم ! قلت: لقد أرهقت روحك الطيبة معى يا سيادة الرئيس وأرجو العفو أن كنت قد تجاوزت في الحديث معك وإن حدث فهذا من فرط حبى وانبهارى بشخصك العظيم! قال: أنت وكل الشعب أبنائى وآبائى وأخواتى وأمهاتى وبناتى..روحى ترفرف حولكم جميعا ولا أتمنى لكم سوى النصر والعيش الكريم ولقد رزقكم الله بجيش يحميكم تحت قيادته الحانية التي تتمثل في السيسى.. فالسيسى خليفتى بينكم فخذوا بيده يأخذ بأيديكم.. ودعنى أقول لك سلامُ عليكم! قلت: وعليكم السلام.. ثم صرفت الروح الطاهرة متمنيا لها النعيم في رحمة الله!