تحدى الخديوى والإنجليز وتبنى مطالب الأمة وأوصلها إلى العالم كله.. لبى الشعب نداءه واستيقظوا من غفلتهم ومنحوه توكيلا بالتحدث باسمهم في "إبيانة" إحدى قرى مركز "فوة" بمديرية الغربية - كفرالشيخ الآن استقرت أسرة مصرية هي أسرة سعد زغلول وفى منتصف القرن التاسع عشر دخلت الأسرة في عداد الأسر الغنية، فقد أصبح عميدها الحاج عبده زغلول عمدة القرية، أما الشيخ إبراهيم زغلول - والد سعد - قد أصبح رئيس مشيخة القرية، وقد تزوج زوجتين إحداهما فاطمة رزق منها ببنتين وخمسة أولاد، أما الزوجة الثانية مريم بنت الشيخ عبده بركات من مشاهير الأغنياء.. فقد رزق منها ببنت وثلاث أبناء، سعد، فتحى، فرج الله الذي توفى بعد ولادته وكان الأكبر. ولد سعد في يونيو 1859م توفى والده بعد ولادته بأربع سنوات، وتولت والدته تربيته وعاونها الشناوى شقيقه من والده، وأدخل سعد كتاب القرية وهو في السابعة لحفظ القرآن، ومكث به خمس سنوات تعلم فيها القراءة والكتابة وحفظ القرآن. ثم التحق بالمسجد الدسوقى 1870 ليتم تجويد القرآن، واستمر في دسوق حتى 1872م، وعندما توجه إلى القاهرة التحق بالأزهر، فدرس الأدب على الشيخ حسن الطويل، وتردد على مجلس السيد جمال الدين الأفغانى، الذي شجعه على كتابة المقالات التي نشرت في جريدة التجارة. كان للأفغانى أبلغ الأثر في سعد، فقد آمن بحرية التفكير والتجديد والإصلاح، أما في الأزهر فقد تتلمذ سعد على الشيخ محمد عبده. لكنّ سعدًا لم يستكمل دراسته في الأزهر، فقد طلب منه الشيخ الإمام أن يعاونه في تحرير جريدة «الوقائع المصرية» 1880 واستمر سعد محررًا بالجريدة حتى 1882، ثم انتقل إلى وظيفة معاون بنظارة الداخلية، ومنها ينتقل إلى وظيفة معاون بنظارة الداخلية، ومنها ينتقل إلى وظيفة ناظر لقلم القضايا بمديرية الجيزة، ولم يمض بها سوى شهر واحد وفضل في أكتوبر 1882، في نفس الوقت الذي كان يتم فيه التحقيق مع من قبض عليهم لاشتراكهم في الثورة العرابية. لكنّ سعدًا ينجح في تهيئة عمل خاص مع حسين صقر، حيث عملا بالمحاماة حتى 1883، عندما قبض عليهما بتهمة الاشتراك في «جمعية الانتقام» ويمكث سعد بالسجن مائة يوم، ثم يفرج عنه ويعود للعمل بالمحاماة من 1884 وحتى 1892، ويشتهر بين أقرانه فينتخب عضوًا في اللجنة التي شكلتها محكمة الاستئناف لتنقيح قانون العقوبات. يحصل سعد على الليسانس وهو يناهز الثامنة والثلاثين ويواكب هذه الأحداث انتقاله إلى حى الإنشاء، حيث الأغلبية التركية، فيبنى منزله الذي انتقل إليه 1902، وخلال أربعة عشر عامًا قضاها سعد في القضاء ارتقى فيها حتى وصل إلى درجة مستشار ورأس فيها دائرة الجنايات والنقض. كان سعد عصريًا في آرائه الاجتماعية، يرى أن المحافظة لا تلائم التطور، وكان من أوائل المصريين الذين دعوا إلى تحرير المرأة، حتى أن صديقه قاسم أمين أهدى إليه كتابه «المرأة الجديدة». في أكتوبر 1906يصدر أمرًا عاليًا بتعيين سعد ناظرًا لنظارة المعارف، ويكاد يكون هناك اتفاق أن كرومر وراء هذا التعيين، وكان الدافع حادثة دنشواى، التي تركت أثرًا سيئًا في الحكم الإنجليزى في مصر فأراد كرومر بهذا التغيير استرضاء الرأى العام المصرى. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وإعلان الهدنة، طلب سعد واثنان من زملائه عبدالعزيز فهمى وعلى شعراوى، من المندوب السامى البريطانى «ونجت» رفض، فقام سعد بتأليف وفد للسفر إلى مؤتمر الصلح في باريس وتمت صياغة توكيل بذلك وبدأ جمع التوقيعات مما أزعج سلطات الاحتلال فأنذرت سعد بالتوقف، ثم قامت بالقبض عليه وثلاثة من زملائه ونفيهم إلى مالطة 8 مارس 1919. اشتعلت الثورة في أرجاء البلاد مما دفع إنجلترا إلى الإفراج عن سعد، والسماح له بالسفر إلى باريس، وبقى سعد وزملاؤه في باريس عامًا كاملًا دون أن يسمح لهم بعرض آرائهم على المؤتمر، ثم دارت مفاوضات "سعد – ملنر" التي انتهت بالفشل، وعادت الثورة فتم نفي سعد مرة أخرى إلى «سيشل» وجبل طارق، ولم يعد حتى صدور دستور 1923، عندئذ حول سعد وفده إلى حزب الوفد، الذي خاض الانتخابات وفاز بأغلبية ساحقة.. في يناير 1924 دعا الملك فؤاد سعد لتأليف وزارة وفدية، لكن وزارته سقطت في نوفمبر من نفس العام بعد اغتيال السيرلى ستاك عندما سلم المندوب السامى «اللنبى» إنذارًا إلى سعد فلم يجد سعد بدًا من الاستقالة، وفى انتخابات جديدة أجريت سنة 1925 فاز الوفد بنصر جزئى وانتخب سعد رئيسًا لمجلس النواب. لكن الملك أمر بحل البرلمان، وعاد سعد يقود الوفد إلى فوز آخر 1926 لكن تدخل الإنجليز حال بينه وبين تشكيل الوزارة وأعيد انتخابه رئيسًا لمجلس النواب. الوزارة السعدية بعد صدور دستور 1923، في أبريل من نفس العام، كان من الطبيعى إجراء الانتخابات التي أسفرت عن أغلبية هائلة للوفد، الذي نال 90 في المائة من مقاعد النواب، حتى رئيس الوزراء يحيى إبراهيم سقط في دائرته الانتخابية وفاز مرشح الوفد، وكانت انتخابات حرة ونزيهة، وكان بديهيًا أن يعهد الملك فؤاد إلى سعد بتأليف الوزارة، فوجه إليه خطابًا بذلك في 28 يناير سنة 1924، واستقبلت الأمة وزارة سعد بالابتهاج وسمتها الوزارة السعدية. قامت وزارة سعد بالعديد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، فتم فصل العملة المصرية عن العملة البريطانية، وقامت الحكومة ببيع جزء من أراضى الدولة لصغار الفلاحين، وزادت ميزانية وزارة المعارف، ووضع مشروع قانون التعليم الإجبارى للبنين والبنات، كما سعت الوزارة إلى طبع الإدارة المصرية بالطابع المصرى، ورصدت الحكومة مبلغ عشرة آلاف جنيه لتشجيع الفنون الجميلة، وتشجيع شراء المنتجات الصناعية والزراعية المصرية، وأنشأت هيئة محاسبة لمراقبة مصروفات الحكومة، وتم حذف الاعتماد المخصص لنفقات الجيش البريطانى في مصر من الميزانية. تقدم سعد باستقالته في 15 نوفمبر 1924، وأعلن أن صحبته لم تعد تحتمل أعباء منصبه ومتاعبه، وأوضح لمن توجه إلى منزله من النواب والشيوخ السبب الحقيقى قائلا «هناك مشاكل خارجية وداخلية وهناك أيضا دسائس».. وكان الملك قد قام بتعيين حسن نشأ وكيلًا للديوان الملكى ورئيسا له بالنيابة والإنعام عليه بوسام دون علم الوزارة. احتج سعد وطلب ألا ينفرد الملك بتعيين موظفى السراى بغير موافقة الوزارة، وألا ينفرد بمنح الرتب والنياشين، وعلق سعد عدوله عن الاستقالة بقبول هذه المطالب، ووافق الملك وعدل سعد عن استقالته.. لكن لم تمر أربعة أيام حتى حدث ما قلب الأوضاع، ففى ظهر الأربعاء 19 نوفمبر 1924، وبينما كان السردار السير لى ستارك عائدًا من مكتبه بوزارة الحربي إلى منزله بالزمالك إذا بخمسة أشخاص يطلقون عليه الرصاص، فأصيب إصابات خطيرة وتوفى متأثرًا بجراحة في اليوم التالى، وثارت الحكومة البريطانية وذهب اللورد «اللنبى» المندوب السامى البريطانى في تظاهرة عسكرية إلى مجلس الوزراء، ويقدم إنذارين يتضمنان المطالب الإنجليزية باعتذار الحكومة المصرية والبحث عن الجناة وتوقيع أشد العقاب بهم، ودفع غرامة نصف مليون جنيه وسحب الجيش المصرى من السودان، وزيادة مساحة الأرض المزروعة قطنا في السودان.. وتوجه واصف بطرس غالى وزير الخارجية إلى دار المندوب السامى البريطانى وقدم رد الحكومة، وتعد بتعقب الجناة ومعاقبتهم والاعتذار ودفع مبلغ التعويض.. ولم يرض هذا الرد الحكومة البريطانية، وأرسل اللنبى تعليماته بإخراج وحدات الجيش المصرى من السودان، وزيادة مساحة الأرض المزروعة قطنا وفى 24 نوفمبر أرسل سعد خطابًا به تحويل بمبلغ التعويض، واحتج على ما قامت به الحكومة البريطانية في السودان ورد اللنبى بالأمر للجنود الإنجليز باحتلال جمارك الإسكندرية، وبدا واضحًا أن الحكومة البريطانية لا تريد بقاء سعد في الوزارة فتقدم سعد بخطاب استقالته من الوزارة في 24 نوفمبر 1924، وقبل الملك استقالة الوزارة في نفس اليوم.