أيدوا الإخوان طمعا فى مغانم السلطة وتخلوا عنهم للحاق بركب 30 يونيو اتهموا الجماعة باستغلال الدين وأباحوا لأنفسهم عقد الصفقات باسم الإسلام وفروا غطاء شرعياً ل«تمرد» ورفضوا رئاسة شخصية ثورية للحكومة ظل حزب النور السلفى فى بداية علاقته بجماعة الإخوان يتبنى المثل الشعبى المعروف «المصالح تتصالح» وعندما انقلب عليه الإخوان لعدم تحقيقه مصالح الجماعة، قرر شيوخ النور أن يكون حزبهم لاعبا محوريا فى الحياة السياسية، وخلع قيادات الحزب عباءة الدين وارتدوا أقنعة السياسيين. وما بين عشية وضحاها تحول «النور» الذى قيل إنه يدافع عن الشريعة ويحميها، إلى ند للإخوان، بل وانقلب عليهم، ورفض الاقتناع بجزء من كعكة السلطة وحصل وحده على 27% من مقاعد مجلس الشعب، حتى صار ثانى أكبر حزب فى مصر بعد الإخوان وحزبهم «الحرية والعدالة». ولأن السياسة نجاسة وقع الخلاف سريعا بين الإخوان والسلفيين رغم أن كلا منهما يتبنى خطابا يدافع عن الشريعة ويتحدث باسم الدين، وبدا الخلاف واضحا فى انتخابات الرئاسة بعد رفض السلفيين القاطع تأييد الإخوان ودعمهم لأحد «خوارج الجماعة» وهو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وبعد تعثر أبو الفتوح اتفقت الدعوة السلفية والإخوان على دعم مرسى، فى مقابل شراكة سياسية بين الإخوان والسلفيين فى الحكومة، وفى اتخاذ القرارات، وإدارة الدولة، وكذلك اختيار نائب سلفى ومناصب وزارية، كل هذا من أجل الدعم السلفى للمرشح الإخوانى محمد مرسى. لكن الإخوان كعادتهم فى نقض العهود تنكروا للسلفيين ورفضوا مقاسمتهم لهم فى تورتة الحكم وبعد نجاح الرئيس المعزول فى انتخابات الرئاسة بدأ الصراع يظهر جليا على السطح، فقد فوجئ السلفيون باختيار الدكتور عماد عبد الغفور-رئيس حزب النور «آنذاك»- مساعدا للرئيس، على غير رغبة ياسر برهامى، واختير بسام الزرقا وخالد علم الدين فى الهيئة الاستشارية دون أى سلطات أو صلاحيات، الأمر الذى أزعج الدعوة السلفية وحزب النور، واتهم الإخوان بنقض العهد، حتى أخرج الإخوان ما فى صدورهم. وأعلن الإخوان أن برهامى ونادر بكار جلسا مع «شفيق» قبل الانتخابات الرئاسية، واتفقا معه على صفقة مشبوهة لتقاسم السلطة، وأنهم لم يدعموا الجماعة، وانفصل الحزبان وأصبحا عدوين حقيقيين، حتى حدثت معركة «الجمعية التأسيسية»، فقد اتفق الطرفان على الشخصيات التى من المفترض أن تنضم للجمعية التأسيسية، وأصبحا يتحكمان فى كتابة الدستور، وبعد الانتهاء منه، رغم رفض كل القوى السياسية للدستور، ثم بدأ الصراع الإخوانى السلفى ينشب من جديد، وقال الإخوان للسلفيين: لقد كنتم مع الليبراليين والعلمانيين فى الجمعية التأسيسية، ويرد السلفيون: لولا موقف حزب النور لما كانت وضعت مواد الشريعة فى الدستور. هذه «الشيزوفرينيا السلفية» تتضح من استخدام الدين بشكل متواصل كما يفعل الإخوان، فتارة يتحدثون عن ضرورة التوافق فى الأمور التى بها مصالح سياسية، وتارة يتخذون مواقف ليس بها أى توافق مع الإخوان، وعندما يكون هناك مصلحة، فأهلا بالإخوان، وعندما تنتهى المصلحة فلا أهلا ولا سهلا بالجماعة. وأصبح السلفيون الذين كانوا يتهمون الإخوان باستغلال الدين يفعلون كما يفعل الإخوان، حتى فى صفقاتهم، فلا أحد فى حزب النور يستطيع إنكار زيارات برهامى ونادر بكار وأشرف ثابت للفريق أحمد شفيق، ولقاءات السفيرة الأمريكية فى القاهرة، وهو ما كان ينكره السلفيون على الإخوان، وظلوا ينكرونه عليهم، وصاروا يحللونه ما دام فى صالحهم. ثم جاءت جولة أخرى وضربة موجعة وجهها الإخوان لحزب النور والدعوة السلفية، فقد لعبوا دورا كبيرا جدا فى الصراع داخل النور، وخلق جبهات حتى تم تفتيت الحزب، وانفصال رجل الإخوان عماد عبد الغفور، ومعه عدد كبير من قيادات الحزب، وكونوا حزب «الوطن»، ثم الضربة الموجعة الأخرى عندما أقال الرئيس المعزول مرسى الدكتور خالد علم الدين القيادى بحزب النور ومستشار الرئيس، ووجه له الإخوان اتهامات بالتربح واستغلال النفوذ، ورغم عدم قدرة الرئاسة على إثبات هذه الاتهامات إلا أنها لم توضح حقيقة الأمر أو تعتذر للرجل، تلا هذه الواقعة استقالة بسام الزرقا، وأعلن ياسر برهامى بعدها أنه لا تفاوض مع الإخوان، وأن حزبه سيكون أكبر المعارضين للجماعة. وفى خطوة جريئة ومفاجئة من حزب النور، الذى أصبح جزءا من المعارضة، عرض «النور» مبادرة على القوى السياسية -وأهمها جبهة الإنقاذ- وكانت المفاجأة الأكبر للإخوان أن الإنقاذ وافقت على مبادرة ووساطة حزب النور، لكن جماعة الإخوان رفضت المبادرة، لأن هذا كان سيضيع كثيرا من المكاسب التى حققوها على مدى فترات سابقة من عمليات أخونة مؤسسات الدولة والحكومة والنائب العام، كل هذا ستضيعه مبادرة السلفيين، التى تحظى بشعبية على حساب الإخوان. وأصبح الصراع علنيا من الإخوان الذين اتهموا حزب النور بأنه تحالف مع الفلول، وأن المبادرة تأتى برعاية من شفيق ودولة الإمارات، ورفضت الرئاسة والجماعة الموافقة على المبادرة التى اعتبرتها القوى السياسية كانت ستنقذ الإخوان، وفى أحد اللقاءات اتهم الدكتور يونس مخيون الرئيس المعزول بأنه يعمل على أخونة الدولة، وأن هناك ملفا به 13 ألف إخوانى تم تعيينهم، الأمر الذى اعتبره الإخوان تعمدا من السلفيين لإحراج الرئيس. «السلفيون يهدمون المعبد الإخوانى» ويبدو أن السلفيين قد قرروا إنهاء الأسطورة الإخوانية تماما، فقرروا أن يكونوا طرفا قويا فى المعارضة، ورفضوا الوقوف مع الإخوان فى مليونياتهم الأخيرة، وكذلك مليونيات «الدفاع عن الشرعية»، حتى أصبح الإخوان يبحثون عن سلفيين يظهرون على السطح بدلا من الدعوة التى أدارت ظهرها لهم، فاعتمدوا على حزب «البناء والتنمية»، لكنهم لم ينجحوا، حتى ظهرت «حملة تمرد»، التى دعمها السلفيون عن غير قصد، ومع أنهم لم يجمعوا توكيلا واحدا لها، لكنهم دعموها عندما أعلنوا أنها «ليست حراما»، وأنها حق على كل من يريد المعارضة السياسية، وخرج ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية معلنا أمام الجميع: لو خرج الملايين على الرئيس مرسى أكثر من هؤلاء الذين انتخبوه سوف أطالب بإقالته. وعندما أعلنت «تمرد» أنها ستنظم مليونية لإنهاء حكم الإخوان، فقد بدأ الإخوان يستعدون بحملة «تجرد»، وتفاوضوا مع السلفيين لدعمها، مقابل صلاحيات وامتيازات فى الحكومة، لكن لسان حال السلفيين كان يقول: «نحن لا نأكل من كلامكم، فلا عهد لكم ولا ميثاق»، وفشلت «تجرد» ونجحت «تمرد»، التى حصلت غطاء دينيا من فتاوى ياسر برهامى، الذى أفتى بقوله: «إنها ليست حراما، وأدعمها ما دامت مسالمة»، ثم حصلت «تمرد» على غطاء إسلامى من حزب «النور»، الذى أصدر بيانا طالب فيه الرئيس مرسى باستفتاء على شرعيته أو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ومع حملات الإخوان المستمرة ضد السلفيين ومنعهم من إلقاء الخطب بالمساجد، فقد كانت هذه صفحات النهاية، بعد أن ساعدت الدعوة السلفية وحزب النور فى حصار الإخوان وإعطاء غطاء شرعى للمعارضة كفيلا بهدم كل الاتهامات لها بالكفر، وأنها ضد الدين، فكيف تكون «تمرد» ضد الدين ومعها الدعوة السلفية وحزبها السلفى، حتى أعلن المجلس العسكرى عزل مرسى وانضم «النور» لخارطة الطريق.