منطقة محظورة على العقلاء وهواة المنطق.. شعارها «مناخوليا».. والاقتراب منها ممنوع لغير رواد «الخانكة» و«العباسية»، فأصحاب العقول فى راحة! بينما كان حماصة يسير عائدا إلى بيته في منطقة الأباجية، قادما من بيت صديقه تامر بالمقاولين العرب، حيث كان هو وزملاؤه يتلقون درسهم الخصوصي في مادة الكيمياء مترنما بلحن أغنية عمرو دياب الجديدة التي تركها تشنف أذنيه عبر سماعة الأذن المتصلة بالموبايل، إذ خرج عليه مجموعة من الملتحين مقصري الثياب يتقدمهم الشيخ أبو السواطير الذي بادره قائلا: إنت..إنت.. يا عدو الله تعالى إلى هنا. حماصة وقد لاحظ أن شيخا ملتحيا يناديه، قام بإزالة السماعات من أذنيه متسائلا: أيوه.. أأمر عايز حاجة يا شيخ ؟! أنت وصحبتك الطيبة؟ أبو السواطير محتدا: ما الذي كنت تسمعه عبر تلك السماعات يا عدو الله؟ حماصة متفاجئا: عدو الله.. ليه بس كده يا شيخ، أنت شايفني بحارب الإسلام ولا إيه، وعموما أنت مالك أصلا..أسمع اللي باسمعه، كل واحد حر يعمل اللي يعجبه ما دام ما بيضرش حد. يهمهم المشايخ أصحاب أبي السواطير ويزومون، علامة على عدم إعجابهم بردود حماصة على شيخهم المبجل، يبادر أحدهم بشل حركة حماصة من الخلف، بينما يتناول الشيخ الملّواني سماعة الموبايل ويشغل "البلاير" الذي يفاجئه بالأغنية، يلقي الملواني بالموبايل أرضا، قافزا من مكانه كمن لدغه عقرب، وأخذ يصرخ في حماصة: استغفر الله..أغاني يا عدو الله.. وتستمع لعمرو ابن ذئاب قاتله الله فقتله، واستنزل عليه من اللعنات ما يستحقه، بماذا تحكم عليه يا شيخ أبا السواطير يا محتسبنا الهمام؟ أبو السواطير متفكرا: والله ما أرى إلا أنه قد عصى الله بإحدى نعمه العظيمة ألا وهي نعمة السمع، ولم يستخدمها فيما أمر الله من استماع للقرآن والأحاديث والذكر، لذا أرى أن يقام عليه الحد تعزيرا بقطع أذنه اليسرى التي يأتيه منها الشيطان، وترك اليمنى لعله يستمع بها إلى خير عندما يتوب إلى الله توبة نصوح. يصطحبه القوم إلى المقابر المجاورة، ويستل الشيخ مسرور غدارته ويطير بها أذن حماصة الذي يغشى عليه، ثم يتركونه ويفرون، يقع دم حماصة النازف من أذنه المقطوعة في مجرى صغير به فتحة تنفذ إلى إحدى المقابر المهملة، حيث يرقد المخلوق الأسطوري "متأسلموكولا " الذي ظهر للمصريين في أواخر عشرينيات القرن الماضي، وظل يطاردهم حتى قضوا عليه في أوائل التسعينيات، ودفنوه حيا ظنا منهم أنه قد مات. وما أن بللت قطرات الدم النازف شفتيه حتى فتح عينيه ودبت الحياة فيه، وظل كامنا في مكانه منتظرا حلول الظلام حتى يصبح بإمكانه الانطلاق في أرجاء القاهرة التي لا يعرف كم غاب عنها، أخيرا يحل الظلام ويخرج الكائن الغريب من المقابر ليلا، تفر من أمامه القطط والكلاب، يلحظ المخلوق أحد المتسولين المساكين خفيفي العقل متجولا بجواره بلا هدف. ينتهز المخلوق الفرصة وينقض عليه ويمص دمه، فتجرى الدماء ساخنة في عروقه، ويتحول المتسول إلى تابع له، ويعلم الكائن من الشيخ الشحات - وهذا هو اللقب الذي نفحه المخلوق للمتسول بعد أن أصبح مصاص دماء مثله وتابعا له - يعلم منه في أي سنة نحن ومن يحكم مصر الآن ،وينتابه السرور لعلمه بزوال نظام مبارك القمعي وشرطته المتنفذة، ويخبر - الشيخ أبو إسلام وهو الاسم التمويهي الذي اختاره "متأسلموكولا" لنفسه حتى لا ينكشف أمره - يخبر الشيخ الشحات أن مهمتهما في عهد محمد مرسي وجماعته صارت أسهل، فقد حدث تحور جيني يسمح لهما بسلب روح الضحية دون الاضطرار إلى مص دمها وافتضاح أمرهما. يسير الشيخان إلى إحدى العشوائيات قرب منطقة الأباجية القريبة منهما يستلب أبو إسلام والشحات أرواح جميع الحاضرين ويصبحون من أتباعهم، ثم ينطلقون في المجتمع ينشرون أفكارهم الشاذة، ويكفرون ويفسقون كما يحلو لهم، وكل من تعرضوا له بمواعظهم استلبوا لبّه وأصبح تابعا لهم. تسمع القيادة السياسية وكبار رجالات الأحزاب المتأسلمة بالشيخ أبي إسلام، ويصبح ضيفا دائما على موائدهم ومنصات مليونياتهم المتعددة، تحدث تظاهرات 30 / 6 ويعتصم أنصار الرئيس في إشارة رابعة العدوية، ويعتصم الشيخان أبو إسلام والشحات مع هذا الجمع الغفير الذي يجدان فيه ضالتهما، وغذاء يوميا لا ينفد، يصعد أبو إسلام كل يوم على المنصة، ويصف خصوم الرئيس بالكفرة والملحدين وأعداء الدين، يستمتع أبو إسلام والشحات بالأرواح التي يستلبانها كل يوم، وتكثر أعداد المستلبين الذين يصبحون بدورهم سالبين لغيرهم وداء عضالا ينهش في جسد المجتمع. يفيق المصريون الشرفاء على المؤامرة الكبرى لسلب أرواحهم وتحويلهم إلى كائنات تكفيرية ومسوخ شائهة تنطلق في المجتمع للقضاء عليه، يعتصم المصريون بالعديد من الميادين العامة مطالبين برحيل الإخوان المسلمين ونظامهم المتأسلم، يستعين الإخوان بمليشياتهم القتالية لقتل المعارضين، كما يدعمون أبا إسلام والشحات ومن استلبوا عقولهم وأرواحهم لاستلاب أرواح بقية المصريين المعارضين. يحاول المصريون الشرفاء تجنب الخطة الإخوانية القاتلة دون جدوى، يتساقط المصريون برصاص الإخوان، بينما تستلب أرواحهم على يد أبي إسلام وتابعه الشحات، يدرك شباب الثورة أنه لا حل سوى المواجهة. يستعين الشباب الثوري برجال الأمن والجيش لمواجهة الميليشيات المسلحة ويدحرونها، بينما يواجه الشباب الثوري بملايين المغيبين مستلبي الأرواح الذين يصرخون فيهم: يا كفرة يا ملحدين يا أعداء الدين، يهرب الشباب الثوري من هذه الملايين التي لا قبل لهم بها، يدرك شاب مثقف "عشريني العمر" كلمات السر في مواجهة تلك المسوخ، يقف بمفرده في مواجهتهم، يهجمون عليه صائحين: يا عدو الله، يا كافر، يا مشرك، يا ملحد، تب إلى الله.. نيو.. نيو..نو..نو. يقف الشاب المثقف ممسكا مكبر صوت على ربوة عالية قائلا: عقل ناقد، ثقافة، تنوير، طه حسين، عباس العقاد، إبراهيم عيسى، علاء الأسواني، روز اليوسف، صوت الأمة، فيتو، فيتو، فيتو. تستفيق الملايين المغيبة، وتنضم إلى ركب الثورة بمن فيهم الشيخ الشحات الذي يعود إليه عقله، ولا يظل سوى الكائن الأسطوري "متأسلموكولا" فلا يستجيب إلى جهود الإصلاح، ويطير قافزا على الشاب المثقف، معتصرا رقبته ليقبض روحه، يظل الشاب مرددا أسماء وصفات أدوات التنوير على مسامع المسخ، لكنه لا يستجيب، إلى أن يدرك وقد أشرفت روحه أن تفيض إلى بارئها كلمة السر، فصاح قائلا: باسم يوسف..باسم يوسف..باسم يوسف. ينتفض المسخ ويرتمي على الأرض وتجحظ عيناه، ويفغر فاه، مطلقا شلالا من دماء ضحاياه المساكين عبر العصور، يدفنه المصريون في مقبرته مرة أخرى، إلى غير رجعة، مع نسخة dvd من برنامج باسم يوسف ليتأكدوا من انتهاء أسطورته السوداء إلى الأبد.