دمهم مش رخيص.. مصطفى بكري يطالب بفتح تحقيق عاجل في وفاة الحجاج المصريين -(فيديو)    رئيس تنشيط السياحة يستعرض مقومات مصر في معرض دولي بموسكو    الدولار يؤمن مكاسبه بارتفاع جديد مع تباين مواقف البنوك المركزية بشأن الفائدة    الخارجية السعودية ترحب بقرار جمهورية أرمينيا الاعتراف بدولة فلسطين    روسيا تتوعد بالرد على عقوبات اليابان بأقسى التدابير    يورو 2024.. جماهير فرنسا تدعم مبابى بالأقنعة قبل مواجهة هولندا    جريزمان يقود هجوم منتخب فرنسا ضد هولندا في يورو 2024    شباب كفر الشيخ: ممارسة المسنين والأطفال للرياضة بأحياء كفر الشيخ    السيطرة على حريق مخزن بمنطقة وسط البلد    هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب تستعد للإعلان قريبا عن هزيمة الذراع العسكرية لحماس    القابضة للمياه: فتح باب القبول بمدارسها الثانوية الفنية للعام الدراسي الجديد    طلائع الجيش ينهي استعداداته لمواجهة سموحة في الدوري    موهوب ريال مدريد على رادار ليفربول بفرمان سلوت    قطر: الفجوات قائمة بشأن وقف إطلاق النار في غزة رغم التقدم في المحادثات    مصرع طفل سقطت عليه عارضة مرمى فى كرداسة    حدث في 8 ساعات| وقف إصدار إحدى تأشيرات العمرة.. ومواصفات أسئلة اللغة العربية لطلاب الثانوية    قانون لحل مشاكل الممولين    محمد إمام يعلق على صدارة ولاد رزق لشباك التذاكر: مش أي حد يقدر    تامر حبيب يحيي ذكرى وفاة سعاد حسني: "أدعو لها على قد ما سحرتكم"    المفتى: تطور العلوم لا يمكن أن يكون إلا من خلال إعادة النظر    أفتتاح مسجد العتيق بالقرية الثانية بيوسف الصديق بالفيوم بعد الإحلال والتجديد    أزهري يوضح أضلاع السعادة في الإسلام -(فيديو)    البنتاجون: يحق لأوكرانيا استخدام الصواريخ الأمريكية طويلة المدى لضرب أهداف داخل روسيا    افتح الكاميرا وانتظر السجن.. عقوبة التقاط صور لأشخاص دون إذنهم    البطريرك مار أغناطيوس في منزل القديس جان ماري فيانّي بفرنسا    المفتي يستعرض عددًا من أدلة عدم نجاسة الكلب.. شاهد التفاصيل    الأرز الأبيض.. هل يرفع احتمالات الإصابة بداء السكر؟    مدير الحديقة الثقافية للأطفال بالسيدة زينب: لقاء الجمعة تربوي وتثقيفي    مصدر ل"يلا كورة" يكشف الموعد المقترح من كاف لإقامة أمم أفريقيا    في حال التصالح، هل يعرض إمام عاشور على النيابة في واقعة المول بالشيخ زايد؟    مجهول.. قطار يصطدم بشاب أسفل الطريق الدائري ب قليوب    الاتحاد يحاول إقناع بيولي بخلافة جاياردو    غدا، مكتبة مصر العامة تناقش كتاب «مسيرة تحرر.. مذكرات محمد فايق»    التضامن تطلق النسخة الثانية لمبادرة "الأب القدوة"    مطاي تنفذ مبادرة خفض الأسعار للسلع الغذائية في منافذ متحركة وثابتة    الأمم المتحدة: عددا من الأسر فى غزة يتناولون وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة    مدرب وحارس الأرجنتين ينتقدان حالة ملعب مواجهة كندا في كوبا أمريكا 2024    محافظ الغربية يتابع الحملات المستمرة لإزالة التعديات على الأراضي الزراعية    الداخلية تحرر 169 مخالفة للمحلات غير الملتزمة بقرار الغلق خلال 24 ساعة    استشهاد فلسطينيين برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية    أول تعليق من الأب دوماديوس الراهب بعد قرار الكنيسة بإيقافه عن العمل    «قوة الأوطان» موضوع خطبة الجمعة المقبلة    وزير الأوقاف: تعزيز قوة الأوطان من صميم مقاصد الأديان    بعد إتهامه بالسرقة.. شقيق شيرين عبد الوهاب يقاضي حسام حبيب    وزير داخلية فرنسا: لن أكون وزيرا يوما آخر حال هزيمة المعسكر الرئاسى فى الانتخابات    وكيل صحة الشرقية يتفقد سير العمل بمستشفى الصدر بالزقازيق    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري خلال إجازة عيد الأضحى    بعد الإطاحة به من المنافسة.. خيبة أمل تصيب صناع الفن بعد تذيل أهل الكهف الإيرادات    مدير آثار الكرنك: عقيدة المصري القديم تشير إلى وجود 3 أشكال رئيسية للشمس    أحمد مات دفاعا عن ماله.. لص يقتل شابا رميًا بالرصاص في قنا    استشاري نفسي يقدم روشتة للتخلص من اكتئاب الإجازة    أمين الفتوى محذرا من ظلم المرأة في المواريث: إثم كبير    طريقة عمل ميني بيتزا، سهلة ومناسبة لإفطار خفيف    وزير الإسكان: جار إنشاء الطريق الإقليمى الشرقى حول مدينة أسوان وتوسعة وتطوير كورنيش النيل الجديد    الحرارة تصل ل47 درجة.. بيان مهم من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم الجمعة (تفاصيل)    نماذج استرشادية لامتحان اللغة العربية لطلاب الثانوية العامة 2024    عاجل - "قطار بسرعة الصاروخ".. مواعيد وأسعار قطارات تالجو اليوم    حلمي طولان يناشد الخطيب بطلب شخصي بخصوص مصطفى يونس.. تعرف على السبب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البيوت حواديت فيها الأصيل وفيها الوضيع
نشر في فيتو يوم 04 - 07 - 2020


في وقت ليس بالبعيد يجي تلاتين سنة..
كنت أحضر من الكويت عند انتهاء العام الدراسي في أجازة سنوية إلى مصر ، وكنت أفضل الإقامة عند خال والدتي رحمة الله عليهما . المجتمع المصري مختلف بالطبع عن المجتمع الخليجي ، فمصر تتسم بحضارات مختلفة واستعمار دول مختلفة لنا بثقافات متنوعة انصهرت على أرضنا، مما نتج عنه المصري المتفرد بفروسية الرومان التي تظهر في ولاد البلد..
وذوق الفرنسويين التي تتسم بها سيدات مصر ، وعنطزة التراكوة التي تظهر في افتخارنا بما لدينا وإن كان القليل ، ورقي الإنجليز في معاملاتنا المتحضرة، وشموخ الفراعنة الذي أسس لنا الأصول والعادات ، كما أن النيل رسخ بداخل المصريين الود واللطف والصبر والعطاء .
بسبب نشأتي في الخليج ، استطعت أن أرصد الاختلافات الدقيقة بين البلدين ، وإن تخطت معرفتي بصديقات من جنسيات عربية مختلفة ، منها الأردنية والسورية واللبنانية والفلسطينية ، وأيضا بسبب المدرسات الباكستانيات والهنود اكتسبت الكثير من المعرفة عن ملامح عامة لكل جنسية ، وعلى ماذا يتشابهون ، وأين تكمن هوة الاختلافات الاجتماعية لكل جنسية .
مجرد فرصة
كانت هويتي المصرية تجعلني أعتز بنفسي ، فنحن نتسم بالطيبة والعذوبة والتواضع .. التي كنت أجدها دائما في معاملات المصريين مع من هم أقل منهم ماديا او تعليميا أو مستوى معيشة .
بيت خال والدتي هو نفسه بيت جدة أمي ، الذي ورثه خال والدتي بكل ما فيه ، من طيبة ولطف وتواضع وحب الناس ، وايضا ورث عن والدته سيدتين كانتا تساعدان الأم في تنظيف البيت والطهي ، وأخر اليوم تشاركانها أيضا في سماع الراديو والست أم كلثوم ، فيشاركنها ليالي السمر وقراءة الفنجان وحكايات الشباب والشكوة من الكنة والجيل الجديد اللي ماشفش شقى ولا تعب السنين مثلهم .
وجاء جيل الأحفاد وأولاد الأحفاد " انا" لأعاصر بقايا الحواديت ، وأكمل مسيرة الحب لسلالة أم فاروق "خال أمي". وعيت على الدنيا على اسم سيدتين كانتا جزءا من العائلة ، رأيتهم جدات ، لكن حكت لي والدتي كيف أتيا لمساعدة جدتها منذ صغرهما من الصعيد والريف ، هما الست أم زينب والست فهيمة .
أم زينب سيدة من جنوب مصر تشعرك بأنها خرجت من كتب التاريخ ، أو بقايا الفراعنة حول وادي النيل ، بسمرة بشرتها وضخامة بنيانها الجسدي ، تشم عطرها "555 او اللافندر " الذي يتساوى في وضعه ست البيت والست التي تساعدها في ذلك الوقت لعدم وجود عطور متعددة ، فهي تفرض على الجميع حضورها وطقوسها في كل ما تطهيه من مأكولات..
صاحب السعادة
كانت أمي تعتبرها الصدر الكبير الحنين ، وكان خال أمي يمازحها دائما ويناديها أم كشك بدلا من أم زينب لأنها تفرض طبق كشك المظ الصعيدي على مائدة طعام كل يوم ولا يستطيع أحد أن يتذمر أو يراجعها في أصنافها التي لها "نفس في الاكل " لم يصل إليه أحد من بنات العيلة..
كما أن لها فنجان قهوة يعدل الدماغ ويطلق العنان للهدوء النفسي وقت المغربية ، فأم زينب التي تقف لتمتص غضب الأم على ابنها "خال امي" حتى لا تنهره إذا عاد متأخرا وهي أيضا واسطة البنات عند والدتهم للسماح لهن بالخروج أو التنزه ، وهي متخصصة في حموم أمي الصغيرة ، فكانت تجليها كالرخام في كل "حماية " ، فيداها صلبة كيد المصري الذي حرث بفأسه أرض القطن ، وتجاعيد وجهها تخط صبر الفلاح المصري على زرعه حتى يثمر ويحصد الخير ، وعيناها السوداتان تحكي قصة كفاح في تربية أبناء وأحفاد بالحلال .
وهناك الست فهيمة المشاكسة التي جاءت من الريف المصري ، والتي اتعلمت "واتودكت" كيف تعتني بنضافة البيت ، ومن ثم كانت تحرم علينا دخول الغرف التي نظفتها حتى لا تتسخ الأرض الخشبية المبللة بأقدامنا ، وحتى لا نجعد ما فرشته من ملايات أو نفتح شبابيك لغرفة قد ملأت برائحة النظافة والسكينة .
عندما أقارن الست أم زينب أو الست فهيمة بالفلبينية أو الهندية أو السيرلانكية التي تستعين بها صديقاتي الخليجيات في قصور البترول حديثة الإنشاء ، أجد مجرد سيدة شرق اوسطية دخيلة على مجتمع عربي ، تضرب وتعذب وتهان بتعالي وتكبر من قام في الصباح فوجد نفسه من الاغنياء ، تصبح شبه خرساء لأنها لا تقول سوى "حاضر ماما ، حاضر بابا "..
فارق دقيق بين الحبيب والصديق
تحرم من رؤية أبنائها لسنوات لسفرها للعمل ، فتجدها حزينة منكسرة كارهة للآخرين لدرجة ما كنا نقرأه في الصحف عن ذبح خادمة لأولاد الأسرة التي تعمل لديهم ، أو وضع خادمة لطفل سيدتها في شنطة السيارة وغلقها ومعه مفتاح السيارة ، أو خادمة تعمل سحر أسود بملابس من تعمل لديهم.. إلخ من مانشتات الصحف الصادمة للرأي العام .
كنت أسمع كلمة خدم فقط في الخليج ، أما في مصر فنشأ جيلي على أنهم من أفراد العائلة لقربهم منا ، ولشدة حبهم لنا وحبنا لهم ، فلا أنسى تلك الجارة السوهاجية التي تقطن بالعمارة المجاورة لنا التي تعتبر من أعيان محافظتها إنها كانت ترحب دون تأفف وتقدر أن الست ام أحمد التي تربت في بيتها منذ طفولتها وزوجتها وظلت في خدمتها عشرات السنين، كانت تنام بجانبها على فراشها في آخر أيامها لخوفها على جارتنا ولتراعها في كبرها لطول العشرة بينهما وردا لمعاملتها بالحسنى والفضل لها ولاولادها .
أقارن وأسمو بإنسانيتنا في تعاملنا مع من تساعدنا في مهام التنضيف والطهي تحت ضغط الفقر والحاجة وغلاء المعيشة ، إيمانا منا إن الله فضل بعضنا على بعض بتقواه وليس بما نملك ، أعطانا لنعطي غيرنا ، منحنا لنعاون غيرنا على الحياة ، اختبرنا بعطائه ، فهل سنجود كما أغدق علينا الكريم ، أم سنعاير ونهين ونذل ونمن على من هم أقل منا كما يفعل اللئيم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.