شيخ الأزهر دأب على انتقاد كتب حنفى ويراها تنكر وجود الله ويخشى اتخاذ قرار بشأنها الفيلسوف المصرى: «لفظ الجلالة قاصر ليس له واقع ولا يعبر عن شيء والرسول والجنة والنار ما هى إلا ألفاظ جوفاء قاصرة لا تعبر عن واقع ولا عن شىء» هل يخطئ مجمع البحوث الإسلامية «أكبر جهة فقهية فى مصر»،والذى يترأسه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب،عندما يصادر كتبا للمفكر الدكتور «حسن حنفى»،لأنها تنطوى على إنكار وجود الله تعالى وتنال من قدسية النص القرآنى؟ ولماذا لا تزال يد المجمع مرتعشة فى إصدار الحكم القاطع بشأن جميع مؤلفاته؟هل يخشى المجمع هجمة المثقفين،ولا يخشى الله؟ هل الذين تباكوا كالثكالى، يوم الجمعة الماضى بعدما سرت الشائعات عن صدور قرار بمصادرة كتبه، واعتبروا القرار، الذى لم يصدر، هدما لحرية الفكر والتعبير قرأوا كتابا أو مقالا واحدا للدكتور «حسن حنفى»،وهل الذين حكموا على الرجل بالكفر والخروج من ملة الإسلام تعمقوا فى فهم مؤلفاته على كثرتها؟ الحقيقة التى لا يعلمها الكثيرون أن مجمع البحوث الإسلامية لم يتخذ بعدُ قرارا بشأن كتب حنفى،التى يراها معظم أعضائه،إن لم يكن جميعهم، تجنح بقوة نحو الكفر والإلحاد،حسبما أكد أحدهم ل»فيتو»،مضيفا:أن المجمع تلقى شكوى من أحد المواطنين،يطالب فيها المجمع بمصادرة كتب أستاذ الفلسفة،لأنه يرى أنها تسئ إلى العقيدة الإسلامية،وبحسب المصدر..فإن المجمع أرجأ مناقشة الشكوى إلى اجتماعه المقبل،مرجحا التفاف المجمع على الأمر،وعدم إصدار تقرير عن تلك الكتب،خوفا من الرأى العام،خاصة بعد أزمة الدكتور «يوسف زيدان». الدكتور حسن حنفي، هو أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة، يقترب حثيثا من عامه الثمانين،له مؤلفات مثيرة للجدل،وأحيانا شديدة الإزعاج،يراه المتشددون «كافرا»..ويعتبره الليبراليون وبعض المتنطعين «مفكرا مستنيرا». أهم ركائز فكر «حنفي» نطالعها في كتابه «التراث والتجديد»،والذى دأب شيخ الأزهر على انتقاده بشدة، لأن هذا الكتاب - تحديدا - أخطر طرحا في إفصاحه المباشر عن أطروحته اليسارية، ولا تحتاج عباراته إلى تأويل أو غموض قد يحتاج إلى تفسير جليّ.. الكتاب يحتوي على أبرز القضايا التي يدعو لها الدكتور حسن حنفي في كتبه ومقالاته ،خاصة مؤلفه الضخم «من العقيدة إلى الثورة.. محاولة لإعادة أصول الدين».. وكتابه «الدين والثورة في مصر» وكتابه: «مقدمة في علم الاستغراب». «العلمانية أساس الوحى»..حول هذا العنوان.. يقول حسن حنفي: «نشأت العلمانية في الغرب استجابة لدعوة طبيعية تقوم على أساس رفض الصور الخارجية وقسمة الحياة إلى قسمين واستغلال المؤسسات الدينية للجماهير وتوطينها مع السلطة وحفاظها على الأنظمة القائمة... نشأت العلمانية استردادا للإنسان لحريته في السلوك والتعبير وحريته في الفهم والإدراك ورفضه لكل أشكال الوصاية عليه ولأي سلطة فوقه إلا من سلطة العقل والضمير، العلمانية إذن رجوع إلى المضمون دون الشكل وإلى الجوهر دون العرض، وإلى الصدق دون النفاق، وإلى وحدة الإنسان دون ازدواجيته وإلى الإنسان دون غيره». ويخلص حنفي،بعد استرسال طويل إلى أن «العلمانية جوهر والدونية طارئة عليه»، فالدين من صنع التاريخ وبمعنى أوضح ..فالقرآن والدين الإسلامي نتاج بشري من صنع التاريخ ووليد ظروف اجتماعية متخلفة.. لأن الدين لا يظهر إلا في مجتمعات متخلفة توقفت عن التطور، والعلمانية ترفض هذا الكهنوت - أي الدين- ثم بعد ذلك يقرر هذه الحتمية التاريخية التي لا يعرفها إلا حنفى. يعتبر «حنفي» أن من أسباب فشل تغيير الواقع بالقديم أي القرآن- هو الاهتمام بتحريم المحرمات وفي ذلك يقول: «البداية بالمحرمات، والتشديد في العقوبات، وإصدار قوائم للممنوعات، وجعل السلوك الإنساني تحقيقا للنواهي دون ذكر للمباحات التي يمكن أن يتصل من خلالها بالطبيعة، وجعل العالم مواطن للشبهات لا يجوز للإنسان أن يحوم حولها خشية التردي فيها، هذا كله يمنع الثقة بين الإنسان والعالم، ويضع في الإنسان الخوف بدل الشجاعة، والإحجام بدل الإقدام، ويجعل الإنسان متشككا في سلوكه، متهما لنفسه، نادما على ما فعل، ما يرسخ في نفسه الإحساس بالذنب الناتج عن الاقتراب من التابو، أو مجرد التفكير فيه، والوعي السياسي يتطلب القضاء على كل هذه المحرمات التي تخضع لتحليل العقل ولوصف الواقع، ما يعيد الثقة للإنسان بينه وبين العالم». يقصد حسن حنفي بالمحرمات قول الله تعالى: «حُرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير و ما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق»،وغيرها من الآيات التى تحرم أمورا معينة كالزنا والسرقة وما شابه. لم تسلم شعائر الدين الإسلامي من طعن حنفى، ولم يسلم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا حتى ذات الله واسمه الأعظم من قلمه ،فيقول :»لفظ الجلالة ما هو إلا لفظ قاصر ليس له واقع ولا يعبر عن شيء والرسول والجنة والنار ما هي إلا ألفاظ جوفاء قاصرة لا تعبر عن واقع ولا عن شيء». يزيد حنفي شرحه للفظ الجلالة قائلا: «يعبر عن اقتضاء أو مطلب، ولا يعبر عن شيء معين أي أنه صرخة وجودية، أكثر منه معنى يمكن التعبير عنه بلفظ من اللغة أو بصور في العقل، وهو رد فعل على حالة نفسية أو عن إحساس أكثر منه تعبيرا عن قصد أو إيصال لمعنى معين، فكل ما نعتقده ثم نعظمه تعويضا عن فقد، يكون في الحس الشعبي هو الله، وكل ما نصبو إليه ولا نستطيع تحقيقه فهو أيضا في الشعور الجماهيري هو «الله»، وكلما حصلنا على تجربة جمالية قلنا: «الله! الله! وكلما حفت بنا المصائب دعونا الله، وحلفنا له أيضا بالله». يرى حنفى أن هناك تناسبا طرديا بين الحجاب والرذيلة، فالحجاب- في نظره - رغبة جنسية مكبوتة وهو سبب تفشي الرذيلة والفوضى الجنسية في العالم،كما يسخر من قواعد الميراث فى الفقه الإسلامى،ويزعجه قول الله تعالى:»يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين». «الدين طارئ والعلمانية هي الأصل والأساس» ، هذا ما يذهب إليه حسن حنفي فى التحرر من الروابط العقائدية ، ووصل به الأمر إلى أن تساءل فى كتابه «من العقيدة إلى الثورة» : « وهل تجب النبوة لحاجات عملية أي للتنفيذ والتحقيق وأداء الرسالة مادام الإنسان غير قادر على سن القوانين وتأسيس الشرائع وإقامة الدول أو تجنيد الجماهير وتوجيه الأمم وفتح البلدان؟، ألا يمكن للعقل قيادة المجتمعات مثل قيادة الإمام لها؟.. إن العقل ليس بحاجة إلى عون، وليس هناك ما يند عن العقل ،هل استطاعت النبوة أن تخفف من نقائص الإنسان وهي أول من يعترف بها؟ « . يقول حنفى عن القرآن الكريم فى نفس الكتاب «من العقيدة إلى الثورة» : « ليس القرآن كتاب تحليل وتحريم بل كتاب فكر وليس الغرض منه تغليف العالم بقوانين وتقييد السلوك الإنساني بقواعد بل مساعدة الطبيعة على الازدهار والحياة على النماء « . وفى موضع ثان من كتاب «التراث والتجديد» يقول : « نشأ التراث من مركز واحد وهو القرآن والسنة ولا يعني هذان المصدران أي تقديس لهما بل هو مجرد وصف لواقع « . ووصل به الأمر إلى أن قال فى كتاب «من العقيدة إلى الثورة» : « وما أسهل أن يولد الدفاع عن حق الله دفاعا مضاداً عن حق الإنسان «. وفى نفس الكتاب..كتب حنفى: «الكذب والإضلال والغواية وكل القبائح تجوز على الله، ما دام الله لا يجب عليه شيء...الله إذًا مشروع شخصي وحياة الفرد تحقيق لهذا المشروع» . وفى الجزء 5 ما نصه: «كما أن الله والإنسان شيء واحد، فكذلك الله والطبيعة شيء واحد، لا فرق بين الخالق والمخلوق في أسطورة الخلق» . وفى الصفحة نفسها يقول: «الله يخلق من ذاته إلهًا يكون هو نفسه مثل المسيح، والله جسم موجود وواقع مرئي» ، ثم يقول: «وتعويضًا عن سلطان الدنيا وملك الأرض يكون الإنسان الإله ملكًا على رأسه تاج ... الإنسان الضائع يتحول إلى إله». وفى ص 67 ما نصه: «وقد أصبح الشيطان في وجداننا علة نفسر بها كل الشرور والآثام أقوى من الله» . وفى ج 4 ص 256 ما نصه: «وإذ أن الله كذات وكصفات هو الإنسان الكامل كان أول مضمون للإيمان هو الإيمان بالإنسان الكامل» ،وفى ج 5 ص 248 ما نصه : «وما المانع من أن يصير أهل الآخرة إلى جمود حتى لا يشاركوا الله في الخلود». فهل ما تقدم،وهو غيض من فيض،يؤثر في جرح الدكتور «حسن حنفى» علميا وعقديا و تصنيفه كصاحب مشروع تخريبي لتدمير هوية الأمة الإسلامية،أم أن الرجل صاحب مشروع تنويرى،فى عصر يسود فيه الظلام والإظلام؟ والسؤال الأهم:لماذا يخشى أعضاء مجمع البحوث الإسلامية فى الله لوم اللائمين؟