لشدَّ ما جذبت انتباهي الكلمة التي استعملها أستاذنا الدكتور "أسامة الأزهري" في خطبته يوم الجمعة الماضي، وهي لفظ "تحالف الحضارات" والتي جاءت في سياق دعوته الكريمة إلى طي صفحات التكفير والصدام والقتل ونقض العهود وترويع الآمنين، والانطلاق إلى ملء العقول مرة أخرى بالشغف بالعلم على اختلاف فنونه وبالإبداع وبالابتكار وبالتطوير، وبحب الحياة وبتقديسها، وبصناعة المؤسسات وبرعاية العلم. توقفت كثيرًا أمام هذا المصطلح العبقري الذي نحته فضيلة الشيخ في خطبته، النابع من روح الإسلام ومقاصده، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) وليس لتصادموا، فحكمة الله في خلق الذكر والأنثى واختلاف الألوان والألسن بين الشعوب والقبائل، إنما هي التعارف وليس التصادم، والتكامل وليس التنازع، وإذا فهم الإنسان، أي إنسان كان، هذه الحكمة، سيدرك يقينًا أن أصل العلاقة بين الخلق هو التعارف وليس الصراع، بخلاف التوجه الذي يدعو إلى أن الأصل هو الصراع، على ما استقر في الفكر الغربي من حتمية الصدام بين الحضارات. فلفظ "تحالف" دل على مبدأ قرآني أصيل وحكمة إلهية ثابتة، ونابع من مقومات الحضارة الإسلامية ومكتسباتها، والتي تدعو إلى تقبل الآخر بصدر مفتوح، على اختلاف جنسه ولونه ولغته وعقيدته وفكره، والعيش معه ومشاركته عمارة الكون، دون أيما صدام أو صراع أو نزاع، بل تعاون وتعاضد وتحالف، وفهم هذه الحكمة الإلهية لا ينفي إمكانية وقوع صراع، ولكن هناك فرقا بين أن نجعله أصلًا لا يمكن الفرار منه، وبين أن نجعله حالة عارضة يجب أن نسعى لإنهائها حتى تستقر الأمور على الحكمة الإلهية التي خلق الله الناس عليها. هذا التحالف "تحالف الحضارات" هو الذي نريده اليوم في عالمنا المعاصر، وهو الذي تحتاج إليه الأمم والشعوب بعد أن دمرتها الحروب وأنهكتها الصراعات وفشا فيها الخراب والدمار، ولتخرج هذه الدعوة وليخرج هذا النور لأول مرة إلى العالم كله من على منبر مسجد الفتاح العليم بالعاصمة الإدارية الجديدة لأرض الكنانة مصر، لنقدم للعالم نموذجًا متقدمًا ومتسامحًا، ونظرية جديدة تظل الأكثر تألقًا في عالمنا الحديث. وإنها لمناسبة عظيمة، أن تشرفت مصر باستضافة أول منتدى عالمي للتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، تحشد فيه الطاقات والعقول والخبرات، وتفتح بابًا عظيمًا لتبادل الخبرات والمعارف، ولتعود مصر كما هو دورها وشأنها راعية وداعية وداعمة إلى كل ما من شأنه تعزيز العلم وتحريك العقول واكتشاف المواهب.