"انحلال الجلد الفقاعي"، هو مرض جلدي وراثي نادر يصيب فردا واحدا بين 5000 في العالم، يصاحب المرض حامله منذ الساعات الأولى من ولادته، ويتسبب فيه نقص مادة "الكولاجين" في الجلد ، المسئولة عن فصل طبقات الجلد عن بعضها، ما يتسبب في تقليل سمك طبقة الجلد وتآكلها وتأثرها بالعوامل الخارجية المحيطة بالمريض، فتبدو تقرحات اليدين والقدمين والجسد وحتى الجهاز الهضمي والبولي، على شكل دوائر حمراء تشبه آثار حروق الدرجات الثانية والثالثة. وعادة ما يتجنب أهل المريض اختلاطه بالعالم المحيط به، حيث تسبب أي كدمة بسيطة حدوث خدوش وتقرحات قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى النزيف المؤقت، ما يدفع بالأم إلى توفير كميات كبيرة من الشاش والقطن ومرهم المضاد الحيوي في المنزل: "في الصيف تحديدا لازم أغير لشروق وسجدة الشاش كل يوم، بيتلف حوالين جسمهم كله علشان الجلد ميلزقش في الملابس، لأنه بيكون حساس جدا"، تتحدث والدة شروق بينما تجلس الفتاتان في حجرة الأنشطة الملحقة بالجمعية تقرآن بنهم إحدى قصص الأطفال المحببة إليهما. في إيقاع بطيء تحاول الصغيرة شروق طي الصفحة معولة في ذلك على ما تبقى من الأطراف التي تآكلت بفعل تآكل طبقات الجلد المرة تلو الأخرى، وكثرة تعرضه للخدوش والجروح والحكة: "شروق ظهر عليها المرض بعد نحو 12 ساعة من ولادتها فجأة وجدت تجمع فيه مياه على سطح جلد يديها وساعات قليلة وانتشر بجسمها، أما سجدة فولدت به ولم تتعاف حتى اليوم". البداية كانت في مطلع سبتمبر من عام 1997، حينما ولدت الابنة الرابعة للسيدة "هناء السادات" والمسماة ياسمين، وفي أثناء إرضاع الطفلة، بينما كانت أيام قليلة قد مرت على ولادتها، لاحظت الأم ظهور تقرحات في اليد واللسان ومناطق متفرقة من الجسد، كحال والدة شروق وسجدة وشهد وغيرهن من الأمهات، لم تتمكن هناء من تشخيص المرض، جابت بها مستشفيات عدة ومرت بدورة الحياة ذاتها التي لا بد أن تمر بها أي سيدة لديها طفل مصاب بالمرض ذاته، علمت بعدها وبعد متابعة دقيقة وتتبع لأعراض المرض على الإنترنت، أنه مرض جيني وراثي لا علاج له إلا الأدوية الموضعية والدهانات والشاش المعقم، أرادت الأم أن تهيئ لابنتها حياة عادية خاصة أن جميع الإخوة معافون: "مكنتش عايزاها تحس إنها غريبة أو منبوذة وسط إخوتها لذلك دخلتها مثلهم المدرسة الألمانية بالدقي، لكنها في فترة أولى إعدادي تعبت ومقدرتش تكمل". لم تتوقف الحياة عند هذه النقطة، فرب ضارة نافعة، وربما كانت صعوبة مضغ وبلع الطعام اللذين يعدان أصعب الأعراض الجانبية التي تلازم "انحلال الجلد الفقاعي"، وبقاء الطفلة على مائدة الطعام لمدة قد تصل إلى نحو 3 ساعات، جعل الأم تداوم على تنمية مهارات الرسم لدى ياسمين، وبالفعل أصبحت ياسمين وفي عمر 9 سنوات، أصغر رسامة كاريكاتير في مصر، تبنى أول معرض فني لها، والذي ضم 30 عملا فنيا وتنبأ لها الراحل مصطفى حسين بمستقبل فني كبير، إلا أنه لم تمر إلا سنوات قليلة، وتحديدا في سبتمبر 2013 فارقت ياسمين الحياة تاركة خلفها أم آمنت بأن ياسمين خلقت في الحياة لرسالة بعينها لابد أن تقدم، وكانت الرسالة جمعية "ياسمين السمرة". "ياسمين السمرة" هي الجمعية أو المؤسسة المصرية الوحيدة اللي تتبنى هذا المرض وكل ما يتعلق به، منذ أن تأسست الجمعية وحصلت على ترخيص العمل الخيري في مصر، اتخذت من العقار رقم 9 بشارع عبد العزيز سليم في حي المهندسين بالجيزة، مقرا لها، منذ تأسيسها عام 2013. وبدأت في جمع التبرعات من العديد من الجهات والمؤسسات وفاعلي الخير، فالطفل الواحد قد يحتاج علاجه وأدوات النظافة والتطهير ما يعادل 5000 جنيه شهريا. لم تستطع هناء وحتى هذه اللحظة أن تحصر عدد الأطفال المصابين بالمرض في مصر: "إحنا 100 مليون، لا أعلم كم مصابا منهم بالجلد الفقاعي، إحنا هنا فقط لدينا 70 حالة من مناطق ومحافظات مختلفة، أغلبهم من الصعيد، للأسف مع ندرة المصابين وخطورة المرض اللي بيؤدي في بعض مراحله المتأخرة إلى الوفاة، لم نستطع حصر عدد المصابين بالضبط". في الحجرة الملاصقة لباب المؤسسة، يحتضن الدولاب المعدني الكبير مئات العبوات الكارتونية التي تحتوي على كميات من القطن والشاش المخصص لتغطية الجسد بكامله، ومرهم مضاد حيوي ومواد تطهير وغيرها، فضلا عن ثلاجة الطعام والمشروبات، ففي هذه المساحة الضيقة يوجد الجانب الأهم والهدف الأكبر الذي لأجله أنشئت الجمعية. في هذا الشأن تقول هناء: "معظم أهالي الأطفال المصابين وإن لم يكن جميعهم، حالتهم المادية متعثرة للغاية، ميقدروش يشتروا كل يوم شاش وقطن ومضاد حيوي، إحنا بنقدم لهم عن طريق البريد لو ساكنين في محافظة أخرى، غيار كل شهر وبنعلمهم في المرة الأولى إزاي يغيروا على الجروح".