تتأكد من الوهلة الأولى أنه يختلف عن أبناء هذه المهنة، نحت الزمن على وجهه تجاعيد أعطت للحيته الناصعة وبشرته البيضاء جاذبية خاصة، تعامله مع زبائنه يتصف بالذوق الرفيع والاحترام، وفور التعامل معه تدرك أن وراءه حكاية.. إنه عم "ربيع السيد منجود"، ( 64 عاما)، الذى تخرج فى كلية الفنون التطبيقة ، لكنه فضل العمل بمهنة "الجزمجي" التى عشقها ولا يتخيل حياته بدونها ، ورغم أن من أولاده أساتذة فى الجامعة طلبوا منه التخلى عن معشوقته إلا أنه يصر على الرفض. سألته: من أنت؟ كانت إجابته أكثر غرابة، حيث قال: "أنا مواطن شريف.. ألا يكفى هذا؟" , قلت: "لا يكفى.. ما هى حكايتك؟. عاد بذاكرته إلى الوراء، اجتر من مخزون العمر، ومزجه بحكمة السنين، وقال: منذ 42 عاما تخرجت فى كلية الفنون التطبيقية، وكنت أول خريجى هذه الكلية بمحافظة الفيوم، وكلفتنى وزارة التربية والتعليم بالعمل مدرسا بمدرسة البارودية الثانوية الصناعية، وبالفعل عملت لأشهر معدودات، لكن لم يستهونى هذا العمل، فأنا فنان بالفطرة، لا أحب العمل الروتينى ولا القيود ، لذا تركت التدريس، وكان السفر إلى السعودية سهلا جدا آنذاك، فسافرت لمدة عشر سنوات، عملت خلالها فى مجال المقاولات وادخرت آلاف الريالات، وتخيلت أننى قد عبرت إلى عالم الأثرياء، ولكننى بددت هذه الأموال ، وعدت إلى البحث عن عمل يكفينى وأسرتى ، فتذكرت عملى عندما كنت تلميذا فى مراحل التعليم قبل الجامعى، فقد كنت أعمل "جزمجيا" فى ورشة أبي، أصنع الجديد وأصلح القديم، وعدت إلى مهنتى التى تدر على أكثر من ثلاثة آلاف جنيه شهريا، وعشقت المهنة من جديد، ووجدت فيها ضالتي، تعرفت بنوع جديد من الفن، واكتسبت خبرات الدنيا من خلال هذه المهنة، فكل زبون له تفكير مختلف ومن بيئة مختلفة عن غيره،ومعظم من يتعاملون معى من صفوة المجتمع بالفيوم". تلتمع عينا عم ربيع ببريق، ثم يقول مفتخرا : " تزوجت فى عام 1981، أثناء وجودى بالسعودية، وأنجبت أحمد، وهو أستاذ بقسم القانون الجنائى بكلية الحقوق، و"منى" أستاذ مساعد بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، و"سمر" خريجة كلية الهندسة، و"محمد" طالب بكلية التجارة، ومصطفى بالصف الثانى الإعدادى. وأضاف :"حاول أبنائى كثيرا أن أترك مهنتي، وتعرضت لضغوط كثيرة منهم، لكننى عشقت المهنة، ولا أتصور أبدا ألا أبدأ صباحى بالإبرة والمخراز، وهما أهم أدوات المهنة، ولست وحدى الذى يحمل مؤهلا عاليا، ويعمل فى هذه المهنة، فلى صديق خريج جامعي يعمل جزمجيا فى أحد محال التصنيع والتصليح بشارع رمسيس بالقاهرة".