أقرت منظمة اليونسكو في دورتها الرابعة عشرة، عام 1966، أن يوم الثامن من شهر سبتمبر من كل عام يوم دولي لمحو الأمية، بغرض تذكير المجتمع الدولي بأهمية القراءة والكتابة للأفراد والمجتمعات. ولم يدرك العالم أن أجدادنا منذ آلاف السنين، كان لهم الفضل في الاهتمام بالعلم، والتعليم سواء للبنين والبنات، وكانت عندهم مدارس ملحقة بالمعابد، وحرصت الأسر على تعليم أولادها، وكان الأب ينصح ابنه بأن يكون كاتبا، لأنها مهنة تسمح له بالترقى لأعلى المناصب، فكيف اهتم الأجداد بالعلم والتعليم، حتى بنوا حضارة عجز الزمن عن هدمها، وعجز العلم رغم تقدم وسائله عن تفسيرها، وما زال العلماء يتساءلون عن كيف شيدت أهراماتها ومعابدها، ومن خلال التقرير التالي نرصد اهتمام الفراعنة بالعلم والتعليم. "لا شيء يفوق الكتب، ليتني أجعلك تحب الكتب أكثر من والدتك"، هذا ما جاء في تعاليم "خيتي" ووصيته لابنه "بيبي"، خلال عصر الدولة الوسطى (2055-1650) ق.م، بحسب سليم حسن، في كتاب الأدب المصري القديم. الدكتور سليم حسن يتناول في كتابه اهتمام المصريين بالتعليم بشكل عام والكتابة بشكل خاص، منذ اختراع الكتابة المصرية القديمة، ومع ذلك فإن فكرة المدرسة لم تتبلور إلا في عصر الدولة الحديثة (1550 ق.م)، مستشهدًا بالمدرسة التي أقيمت بجوار معبد الرمسيوم. ويعتقد الدكتور سليم حسن أن المصريين القدماء اهتموا بتربية النشء، قبل اهتمامهم بتعليمهم أسرار الكتابة، وركزت تعاليمهم على غرس المبادئ التي تساعد على الاستقامة في الحياة، والتي تؤهل الفرد لرحلته الأخيرة بعد الموت، كما أن بعض التعاليم التي ألقاها أمونمبي من عصر الدولة الوسطى لابنه: اسلم أذنيك واستمع إلى الكلمات التي تقال، واشحذ فكرك لتفسرها. وأحد أهم أهداف التعليم بمصر القديمة كان إعداد الكتبة للعمل في الدواوين الحكومية المختلفة، واعتبرت وظيفة الكاتب من الوظائف المحترمة، إذ يشير حسن إلى أن بعض النصائح الأبوية، والتي يشرح فيها الأب لابنه أنه إذا أصبح كاتبا سيتجنب الأعمال الشاقة، مثل الزراعة، والعمل بالمحاجر، فيقول له "كن كاتبًا". وانقسم التعليم في مصر القديمة إلى مرحلتين، الأولى وهي المدرسة، وكانت تسمى "بر- عنخ" أي "بيت الحياة"، وفيها كان التلاميذ يتعلمون مبادئ الدين، وحروف الهجاء، وقواعد الحساب، وفي تلك المرحلة كانت طرق التدريس تقوم على الترغيب في التعليم، والإقناع بالشروح المبسطة، وأحيانا بالعقاب. ومن أشكال التعليم التي ذكرها سليم حسن، تعليم الكتابة والنسخ، كما أن الطلاب في تلك المرحلة لم يسمح لهم باستخدام أوراق البردي في الكتابة، بل كانوا يستخدمون الفخار والحجر الجيري للكتابة، وعندما يجتاز الطالب المرحلة كان يلحق كاتبًا في أحد الدواوين الحكومية، ليرتقي إلى المرحلة الثانية من التعليم. وفي المرحلة الثانية كان الكاتب يستمر في تلقي العلم على أيدي كبار الكتاب، واستمرت تلك المرحلة بالتعقيد من حيث الصيغ الإملائية والعمليات الحسابية، ويمكن اعتبارها مرحلة متخصصة من التعلم، تقوم على التدريب المهني الذي يسمح للكاتب أن يتوسع في فهم قواعد وطرق العمل في الدواوين الحكومية، وفي هذه المرحلة كان مسموحا للطالب الكتابة على ورق البردي. وذكر الدكتور سعيد إسماعيل، في كتابه "التربية في الحضارة المصرية القديمة"، مرحلة ثالثة من التعليم، واعتبرها تقابل مرحلة الدراسات العليا في أيامنا، والتي كان يتلقى فيها الطلاب علوما أكثر تخصصا، في الطب والرياضيات والفلك والفنون، وكانت مدارسها تلحق بالقصور والمعابد، يجتمع فيها كبار الكتاب، وأكثرهم ثقافة، وكانت تؤلف فيها الكتب في أفرع العلم المختلفة، مثل اللاهوت، والطب، والهندسة، والفنون بأنواعها، ويعتقد إسماعيل أن كل ما وجد على جدران المعابد من نقوش كهنوتية، كان يخرج من تلك المدارس، التي كانت تجمع هيئة كبار علماء الكهنوت وأئمة الكتاب. وحدد الدكتور سعيد إسماعيل 6 فروع أو مواد دراسية، ركز عليها التعليم في مصر، وارتبطت ارتباطا وثيقا بالنهضة الحضارية المصرية: 1- اللغة: والتي تمثلت في تعلم الكتابة والقراءة، وتعامل معها المصريون بشكل من التقديس، لاعتقادهم بأنها من أسرار الإله، ويشير إسماعيل إلى مراحل تطور الكتابة المصرية القديمة، والتي بدأت كلغة، ثم تحولت إلى لغة صوتية، تقوم على تراكيب متعددة، توضع في نسق معين، لتوضح معاني الكلمات. 2- الأدب: والذي ارتبط أيضا بالكتابة من حيث الصياغة اللغوية السليمة، والتعبيرات البلاغية، وطبقا لكتاب الدكتور سليم حسن الأدب المصري القديم، نلاحظ أن الأدب المصري القديم تنوع ما بين رسائل نثرية وأشعار، معظمها ركزت على الجانب الديني والأخلاقي، مثل بردية أني، ورحلته إلى العالم الآخر، وبعضها أشار إلى معاناة المصري مثل شكاوى الفلاح الفصيح. 3- الطب: وكان قوامه علم التشريح، استنادا إلى إتقان المصريين التحنيط، والذي أدى إلى براعة المصريين بعد ذلك في تشخيص الأمراض ومعالجتها، إما بالطرق الدوائية أو بالجراحة، كما هو مدون في بعض البرديات الطبية وفي بعض المناظر على جدران المعابد، التي تؤكد تفوقهم في علوم الطب والصيدلة. 4-الرياضيات: عرف المصريون الأرقام منذ العصور التاريخية الأولى، وبداية تتبع ازدهار علوم الرياضيات بدأ مع عصر الأسرة الثانية عشر، والتي خلفت برديات في علوم الرياضيات، احتوت على شروح حسابية لمقاييس الأرض، وعمليات معقدة من القسمة والضرب والجذور الرياضية، والتي كان لها الفضل في قدرة المصريين على تقدير مساحات الأراضي، وفرض الضرائب المناسبة، ويعتبر إسماعيل أن براعة المصريين في تشييد الأهرامات تبرهن على تفوقهم في مجال الرياضيات وعلوم الهندسة. 5-الفلك والتقويم: لاحظ المصريون المتغيرات الفلكية، ما أتاح لهم أن يضعوا أول تقويم في التاريخ، ومن خلاله استطاعوا أن يحددوا الدورة الزراعية. 6- الفنون: برع المصريون في فنون الرسم والتصوير والنقش والعمارة، بالإضافة إلى فنون الموسيقى والغناء، كما أن فنون الرسم والنقش ركزت في معظمها على الجانب الديني، ممثلًا في تصوير العلاقة مع الآلهة، ورحلة المتوفى إلى العالم الآخر، كما ظهرت بعض النقوش تصور الحياة اليومية للمصريين القدماء.