البغدادى: حذرت من زيادة العنف في حالة حل التنظيم متهم بالمنشية: أعطيت إشارة قتل «ناصر» فمرت الرصاصات بين كتفى «جمال سالم» و«عبد الحكيم عامر» تظل ثورة 23 يوليو واحدة من أهم المحطات في تاريخ مصر الحديث، ويبقى الحديث عنها دائما مصحوبًا بدلائل ومشاهد كثيرة ومتنوعة، وتبقى علاقة الضباط الأحرار وجماعة الإخوان المسلمين، أحد أكثر الملفات غموضا، فرغم مرور عشرات السنين على اندلاع الأزمة، فإنها لم تبح بكل تفاصيلها وأسرارها، والكل ينظر لها ويرويها بشكل مختلف عن الآخر. ومع حلول الذكرى ال 66 لثورة يوليو، حاولت «فيتو» إلقاء نظرة عن تلك العلاقة بعيون من عاصروها من مذكرات الضباط الأحرار. كما التقت بأحد المتهمين الرئيسيين في حادث محاولة اغتيال الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر ب "المنشية"، في الإسكندرية. "الإخوان المسلمون كانوا يدبرون انقلابًا داميًا مسلحا بالقتل والنسف والخطف، وحين أراد أحدهم أن يبرر هذا العمل قال إنه في سبيل الديمقراطية، لكن يبدو أنها ديمقراطية من نوع جديد يسيطر فيها جهاز سرى على رقاب العباد من أبناء البلاد".. بهذه الكلمات وصف الرئيس الأسبق محمد أنور السادات تورط تنظيم الإخوان في حادث "المنشية"، وذلك في كتابه «قصة الثورة كاملة» الصادر عام 1975. السادات يذكر في كتابه «البحث عن الذات» الصادر في 1978 أنه تعرف على مرشد الإخوان حسن البنا عام 1940، وحضر له عددا من دروس الثلاثاء، التي كان يلقيها مؤسس الجماعة في مقره بالحلمية الجديدة، مشيرًا إلى أنه كاشف "البنا" بسعيه لتكوين تنظيم عسكري هدفه قلب الأوضاع بالبلاد، يقصد به "الضباط الأحرار"، وأن هذا التنظيم لا يخضع ولا يعمل لصالح أي هيئة أو حزب. وأخذت العلاقة بين تنظيم الضباط الأحرار والجماعة تنمو شيئًا فشيئًا، وهذا ما أشار إليه «عبد اللطيف البغدادي» في مذكراته التي صدرت في كتاب عام 1977. وأوضح أن علاقة قيادات التنظيم بالجماعة استمرت لموافقتهم على نشر مقالات في صحيفتهم عن كيفية إصلاح الجيش والطيران المصرى والنقص الذي بهما، لافتا إلى أن قيادات الضباط الأحرار قامت بتدريب الإخوان عسكريا بجانب إمدادهم بالأسلحة والذخيرة التي كان الضباط الأحرار قد هربوها من مخازن الجيش. لكن الأمر لم يستمر على تلك الحالة من الصفاء، حيث ذكر البغدادى في مذكراته أيضًا، أن مجلس قيادة الثورة اجتمع يوم 18 ديسمبر عام 1953 وناقش إمكانية مقاومة الإخوان والقضاء على جماعتهم، خاصة أنهم كانوا يعملون على التوغل داخل صفوف الجيش والبوليس، موضحًا أن رأيه في تلك المسألة كان أن حل جمعيتهم سيزيد من العطف عليهم، وأن تكريس الانشقاق بينهم هو الوسيلة لإضعافهم وتفكيك صفوفهم. الضباط والاغتيالات وعن علاقة الضباط الأحرار بالاغتيالات السياسية بشكل عام ذكر السادات في كتابه «البحث عن الذات» أنه قام بتكوين الجمعية السرية، وانضم إليه حينها حسين توفيق الذي كان يمارس قتل الإنجليز في المعادى، موضحًا أن السبب الرئيسى لتكوين الجمعية هو التخلص من الأشخاص الذين كانوا يساندون الإنجليز في ذلك الوقت، وكان على رأسهم، من وجهة نظرهم، مصطفى النحاس، الذي أصبح في نظرهم بعد حادث 4 فبراير، خائنًا لمصر وشعبها؛ مما "يحتم علينا واجبنا الوطنى أن نزيله من طريقنا" - حسبما ذكر السادات- لافتا إلى أن محاولة الجمعية السرية لاغتيال النحاس في 6 سبتمبر عام 1945 فشلت، وبعد ذلك قرروا التخلص من أمين عثمان وزير مالية حكومة النحاس، ونجحوا في اغتياله في 6 يناير عام 1946، وتم القبض على حسين توفيق بعد أن دل عليه من شاهده يقوم بالاغتيال. حادث المنشية وفى سياق متصل، التقت «فيتو» «خليفة مصطفى عطوة خليفة» الشهير ب«خليفة عطوة»، أشهر المتهمين بمحاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في «حادث المنشية 26 أكتوبر 1954». ويروى الرجل الثمانينى تفاصيل ما حدث يوم واقعة المنشية قائلا: استغلت الجماعة استياء بعض الفدائيين من معاهدة الجلاء، وأنا منهم، وكنت وقتها أدرس في كلية التجارة جامعة فؤاد الأول "القاهرة حاليا"، واجتمعت بمجموعة مكونة من 5 أفراد، وهم: هنداوى دوير الذي كان يعمل محاميا، ويقيم بإمبابة، ومحمد النصيرى الطالب بكلية الحقوق، وأنور حافظ محمد الطالب بكلية التجارة، وأحد أصدقائى بمركز أبو حماد، وأحد القناصة ويدعى "محمود عبد اللطيف"، وكان بحوزته سلاح ناري معد لإطلاق النار وآخر احتياطي تحسبا لوقوع طارئ. وأضاف خليفة عطوة أنه يوم الحادث ارتدى أحد أفراد الخلية، ويدعى "محمد النصيرى"، حزاما ناسفا، وكان بجوار المنصة التي كان يجلس عليها عبد الناصر، وخلفه عبد الحكيم عامر وصلاح سالم، وكان مستعدا لإلقاء نفسه عليهم حال فشل مهمة إطلاق النار فيما كنتُ، أنا وأنور حافظ، على مقربة من المنصة بحكم معرفة عبد الناصر بنا كفدائيين شاركنا في بعض المهام مع الضباط الأحرار قبل وبعد الثورة. واستكمل حديثه قائلا: عبد اللطيف حصل على فرقة تدريبية على يد التنظيم وكان مخططًا له اعتلاء تمثال "سعد زغلول"، ولحسن حظ ناصر أنه كان يلقى خطابا حماسيا ويرفع بيده اليسرى، وقمت وقتها بإعطاء الإشارة المتفق عليها لقتله عن طريق التصويب بمنطقة الصدر، إلا أن المحاولة باءت بالفشل ومرت الرصاصات بين كتفى كلٍّ من "جمال سالم" و"عبد الحكيم عامر"، لتصيب أحمد بدر سكرتير هيئة التحرير بمحافظة الإسكندرية، تلتها رصاصة أخرى أصابت أحد القيادات السودانية التي كانت حاضرة. وتابع: عقب القبض علينا تمت محاكمتنا برئاسة جمال سالم وحسين الشافعى وأنور السادات، وصدر علينا حكم بالإعدام رميا بالرصاص، وكنا نحو 12 شخصا تقريبا (5 أشخاص ينتمون للفدائيين و7 للجماعة)، وترحيلنا لسجن القلعة ثم فوجئنا بقيام ناصر بتخفيف الحكم لنحو 25 عاما للفدائيين لكونه يعرفهم شخصيا وعلمه بأنهم ضحايا للتنظيم، وتم إعدام القناص عبد اللطيف وهنداوى وأخيرا العقل المدبر "عبد القادر عودة". ويواصل "خليفة" حديثه: فوجئنا بعبد الناصر يطلب مقابلتى ومعى أنور وحافظ في "الجزيرة" مقر اجتماع الضباط الأحرار، وعندما وصلنا وجدناه يتحدث إلينا بكل أدب واحترام، ويعبر لنا عن اندهاشه لما فعلناه، قائلا: "أنتم بالأخص مكنتش أتوقع منكم كده".. وعندما تحدثنا إليه عن الأسباب، وأننا كنا ضحية لهؤلاء المجرمين، وتم استغلالنا لتحقيق أغراضهم، طلب منا مغادرة المكان والعودة لمنازلنا، ووقتها بكينا لنبل وسماحة هذا الزعيم.