فى طريق سقارة وربما طرق أخرى جمعت الحرافيش وصاحب نوبل نجيب محفوظ سيرا على الأقدام أو داخل سيارة قديمة تهالكت مقاعدها من كثرة الضحك والبكاء . وعشقت حديثهم ورائحة سجائرهم وقفشاتهم ليخلدوا جميعا للسهر والطرق السريعة وليل يأتى إليهم برفقة موسيقار الأجيال لحنا وصوتا أما الشعر فتكفل به الشاعر العبقرى مأمون الشناوى، إنها أغنية "من قد إيه كنا هنا"، لمحمد عبد الوهاب تنتظرها مسامعهم شهريا لتترد كلماتها ولحنها بين الموسوعة الثقافية المتنقلة محمد عفيفى والفنان الراحل أحمد مظهر وغيرهم من حرافيش عميد الرواية العربية نجيب محفوظ، وهم مجموعة الأصدقاء المقربين والمعاصرين لجوانب متعددة فى حياته. فكانوا أحد جوانب شخصيته، وأحد مفاتيح إلهامه فى أحيان أخرى، بحكم اقترابهم من عالمه "الساحر" وبعكس حرافيش القاهرة، ظل حرافيش محفوظ، بالإسكندرية مجهولين بعيدين عن الأضواء، على الرغم من التصاقهم به طوال فترة إجازته الصيفية بالمدينة الساحلية. التى كانت تبدأ فى السبت الأول من مايو وحتى الأربعاء الأخير من سبتمبر ثم يعود مرة أخرى للقاهرة وخلال هذه الأشهر الخمسة لا يكتب أو يشتغل بالأدب نهائيا. شلة الحرافيش التى بدأت بالفنان أحمد مظهر والروائى عادل كامل وتكونت فى نهاية أربعينيات القرن الماضى كانوا يلتقون فى بيت أحدهم مساء الخميس من كل أسبوع، بعد أن أطلق عليها هذا الاسم، الفنان الراحل أحمد مظهر، وأطلق محفوظ الاسم ذاته على رواية من أهم رواياته المشهورة "الحرافيش ". وعن أصل كلمة "حرافيش" راجع إلى أنه عندما كان الفتوة يخرج على باب الحارة ويرفع "نبوته"، لا يرى أمامه أى شخص فيقال إن "الحارة مفيش" أى لا يوجد شخص واحد فى الحارة وتطورت الكلمة إلى "الحرافيش." محفوظ، الذى كان يحب أكل العدس ويفضل الفول على أى طعام، عرف بطيبة القلب والتسامح وجعل جلساته مع أصدقائه للفضفضة حول المشاكل الخاصة والشأن العام ويتخللها الكثير من النكات والقفشات التى يجيدها محفوظ تماماً بضحكته التى تجلجل فى المكان.