اختارتها السيدة مريم العذراء والعائلة المقدسة مكانا للإقامة، وبعد أكثر من خمسة قرون اختارها الصحابى الجليل عمرو بن العاص، لإقامة أول مسجد فى مصر، وفيه اقيمت كنيسة القديس أبو سرجة، فى مكان إقامة السيدة مريم.. إنها منطقة مجمع الأديان بمصر القديمة، حيث فسطاط عمرو بن العاص.. منطقة يعيش فيها المسلمون والأقباط فى غاية التسامح، ويضم المجمع عددا من الكنائس منها: الكنيسة المعلقة ومارجرجس، وأبو سرجة، والعذراء، ومعبد عزرا اليهودى حيث كان اليهود يصلون أيضاً ، إلى جانب مساجد أهمها: عمرو بن العاص أجمل ما فيها.. ويعكس عراقتها ومظهرها الحضارى والإنسانى والديني هو أنها تضم عددا كبيرا من المسلمين والمسيحيين ، وكلهم عطاء إنسانى وتسامح وجدانى وفكري ولا تشعر بأن شيئا يفرقهم وهو ما حماها من العنف الطائفى، والفتنة الطائفية على مر التاريخ ، بفضل تسامح أهلها من المسلمين والمسيحيين. هذا التسامح جسده إميل تادرس لوقا مشرف بكنيسة أبو سرجة والعدرا بمنطقة مجمع الأديان بقوله إنه موجود منذ 1975 وعلى مدار تواجده .. والكنيسة تشهد حالة متزايدة من الزوار المصريين، والأجانب، والكل من مسلمين وأقباط يعيشون فى جو من المحبة والتسامح ،والسلام، والترابط، مؤكدا أن الكنيسة تستقبل مسيحيين ومسلمين على حد سواء، يقصدونها لطلب المشورة ، وتساعدهم فى ذلك، ومنهم من يأتى إليها لمعاناته من التعب النفسى، وترشدهم الكنيسة عن المكان الصحيح للعلاج ،ولا تبخل بأي شيء يمكنها تقديمه لهم مسلمين ومسيحيين. إميل يؤكد أيضا أن كنيسة أبو سرجة لا تفرق فى تقديم المعونة سواء أكانت أموالا، أو مأكولات، بين القبطى، والمسلم، وهذا هو سر تجسد العلاقة الطيبة بين الطرفين، مشيراً إلى أنها لم تتعرض لأى مكروه ، أو استفزازات ، من جانب البلطجية بسبب حماية المسلمين أنفسهم لها من مثل هذه الأشياء. هنا لا توجد فتنة منطقة مجمع الأديان - بحسب تأكيدات إميل- لا يوجد بها أى أحداث فتن طائفية، كاشفا النقاب عن ذهاب مسلمين لكنيسة أبو سرجة طالبين منها زيت القديسين لشفاء المرضى، ولا تبخل الكنيسة به عليهم، وهوزيت يقى من الجرب، ومنح الكنيسة هذا الزيت للمسلمين والمسيحيين دلالة على حالة التعايش الأخوى هناك. مسترجعا الذاكرة حكى إميل عن سيدة مسلمة جاءته تشكو من أنها تعانى مع زوجها وطلبت نصيحة الكنيسة، ونصحها بطلب شفاعة القديسين ،ونفذت النصيحة، وبعدها جاءته وقالت له إن المنزل امتلأ بالترابط والمحبة، موضحا أن كل كنيسة تشفع بقديسيها. ويوضح عم إميل أن الكنيسة تسمى أبو سرجة والعدرا لأن مريم العذراء جاءت وزارتها وبقيت بها لمدة عشرة أيام داخل المغارة فى الفترة التى كان الملك الرومانى يقتل الأطفال مؤكدا أنه مكان مقدس يأتى إليه الأجانب ويزوره المصريون مسيحيين ومسلمين، ويقول: المكان مبارك لدخول السيدة العذراء والمسيح ويوسف النبى إليه وبه بئر شربت منه العائلة المقدسة موجود إلى الآن ويأتى إليه الناس مسيحيين ومسلميين للشرب منه، ويطلبون الزيت ،أو الشمع ،أو حتى تراب الشمع , ولم تشهد هذه المنطقة أى حالة من حالات الاحتقان التى يقال عنها. ويقول: كنيسة أبو سرجة بنيت فى القرن الخامس الميلادى منذ 1600 عام , وبنيت باسم القديس سرجيوس , وتعتبر من أقدم الكنائس بالمنطقة هى والكنيسة المعلقة وهذه المنطقة منطقة كنائس ويجاورها المعبد اليهودى – معبد عزرا – وبنيت كنيسة أبو سرجة على هيئة 12 عمودا كل عمود مبنى من رخام به تاج من أعلى، وقاعدة من أسفل، ما عدا عمود يهوذا الذى قام بتسليم المسيح وهو مبنى من الجرانيت الأسود , وكنيسة أبو سرجة تعود لاثنين من جنود الجيش الرومانى استشهدوا فى سبيل الدين المسيحى فى مدينة الرصافة بسوريا، وعذبهم الملك واكوس ملك سوريا. الحياة بالمحبة أما كاهن كنيسة مارى جرجس بمصر القديمة فيقول: لقد أحببت المكان هنا لأن جميعهم هنا محبون, والمسيح قال «أحبوا بعضكم بعضاً» ومنطقة مجمع الأديان بها المحبة بين الناس والوصية «أحبوا أعداءكم ، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم ». ويجب علينا أن نحب الناس كلهم بلا تمييز ، أو تفريق حتى إذا كان هناك أحد يختلف معى فعلى أن أتصالح معه واعتذر له ومن يبدأ بالسلام يكون ابن ربنا , وأنا لى الكثير من الأصدقاء المسلمين ونساعد بعضنا البعض، ولا توجد فرقة، أو حالة من عدم التسامح. حالة أخرى من حالات التسامح والمحبة كانت واضحة بين محمود وأبوكيرلس حيث يقول عن ذلك محمود شرين جبر – أحد السلفيين – ومن سكان أطفيح بالجيزة وتربطه بأبو كيرلس علاقة صداقة وتجارة :إن التسامح والمحبة لابد أن يكونا فى كل الأماكن فى مصر، وليس فى منطقة مجمع الأديان فقط , والتسامح والمحبة أمر تشريعى، وأمر سماوى ، وفى كل الكتب المٌنزلة، لأننا كلنا بشر ، وإذا انفصلت المحبة والمودة انفصلت كل الأعمال. وعن بداية معرفته بأبو كيرلس يقول :إنه مندوب لإحدي الشركات، ونصف الذين أتعامل معهم من المسيحيين سواء هنا فى مار جرجس بمجمع الأديان، أو خارج المنطقة , وأسكن بجوار كنيسة أبو سيفين، وحولى جيران من المسيحيين وأفضل معاملة أجدها معهم، وهم يحترموننى لأخلاقى ومعاملتى الطيبة معهم , ويعيش المسلم إلى جوار المسيحى دونما أى تطاحن كما يروج لذلك.. فالمسيحى جارى فى المنزل، وإذا حدث له أى شيء، فإنى أسرع إليه قبل أهله ،ونفس الأمر بالنسبة ليّ , وعندما وقعت حادثة صول أول من وقف بجوار الكنيسة كانوا من المسلمين وكانت المبادرة بالصلح. ويحكى أبو كيرلس أنه جاء لمنطقة مجمع الأديان منذ أن كان عمره 8 سنوات ، فى بداية سبعينات القرن الماضى , والتسامح فيها كما هو وكل مانراه من فتن مصطنع ،ودائما ما نلاحظ أنه قبل محاكمات مبارك تحدث تلك الفتن ، وكل محاكمة لمبارك نجد أن هناك مشكلة بين المسلمين والمسيحيين فى منطقة ما، وأنا أقوم بتدوين ذلك , مؤكداً : مشكلتنا أننا نصدق الشائعات ونترك الحقائق. ويستطرد.. أم حبيبة وأم عمر يعطوننا الكعك كهدية , كما تساعد الكنيسة بعض الحالات المرضية من المسلمين وترشدهم وتوجههم إلى مكان العلاج، وهناك مكتب مخصص لصرف العلاج، والمسلمون يقدمون للمسيحيين شنطة رمضان... أم كيرلس تقول : كلنا هنا مسلمون ومسيحيون إخوة، والمحبة تجمعنا كلنا , وما يقال عن الفتنة غير صحيح ،فكلنا يد واحدة ،ونحن نسكن فى منزل كله من المسلمين، وليس به إلا نحن من المسيحيين , وعندما أذهب لأهلى فإننى أقدم لجيراننا المسلمين مما أعطانى أهلى منه , وإذا أردت شيئا، ولم أجده معى ، فأطلبه من جارتى المسلمة مؤكدة أن جارتها المسلمة ساعدتها يوما فى حمل ابنها إلى المستشفى بعد سلخه فى الماء الساخن. قبلة قسيس وشيخ ويجلس عند مدخل مسجد عمرو بن العاص لحراسته اثنان من سكان مصر القديمة ،منهم محمود يوسف محمود، ويعمل فى هيئة الآثار ،ولد وعاش فى منطقة مجمع الأديان قال: سمعنا عن مناطق أخرى مثل المنيا وغيرها حدث بها فتنة ،ولكن هنا فى منطقة مجمع الأديان، أو مصر القديمة لم يحدث أى نوع من أنواع الفتنة، ويأتى قسيس وشيخ ليقبل كل منهم الآخر دلالة على المحبة, وكان لدينا صديق لأخى الكبير يسمى عادل لم نعرف أنه مسيحى إلا عندما تزوج فلم يسأل أحد منا الآخر عن ديانته. ويحكى عم محمود عن جيرانه من المسيحيين فيقول : عندماتريد سيدة مسلمة الذهاب للتسوق فإنها كانت تترك رضيعها لأم بيتر التي كانت ترضعه، فلم تكن هناك أى حساسيات بين المسلمين والمسيحيين، ولم تكن هذه الأمور محسوبة فقد كنا نعيش معاً بتلقائية , والمقهى الذى يقع أمام مسجد عمرو بن العاص ويسمى ب « ميدان عمرو بن العاص » يعمل به نشأت المسيحى ،وعلاقتنا به على خير ما يرام. عم محمود يقول: ولدت بمنطقة مجمع الأديان منذ حوالى 56 عاماً وكان يعيش هنا أحد الأشخاص يسمى عباس فى محطة مار جرجس القديمة قبل تطويرها وكان يبيع بعض الأشياء القليلة وكان فقيراً فكان القسيس وهو خارج من الكنيسة يعطى له شيئا من النقود – كمساعدة – رغم أن عباس هو أخ حندوق صاحب المطحن وكان عباس فقيرا بالرغم من أن أخاه لديه مال وكان القس يساعد عباس الفقير ولا يساعده أخوه المسلم ولم نسمع عن التشاحن بين المسلمين والمسيحيين فى مصر إلا هذه الأيام، ولم تحدث أى شوائب فى مصر القديمة ، ومنطقة مجمع الأديان. ويقول عم عبد ربه محمد سالم حسين من مواليد منطقة مجمع الأديان بمصر القديمة : منذ حوالى 56 عاما فى هذه المنطقة كنا نعيش فى منزل يسكنه المسيحيون ، ونحن العائلة الوحيدة المسلمة بالبيت ،وكانت « الطبلية » واحدة مع السيدات وتربى الأولاد كلهم معاً ،وكنا نعيش عيشة واحدة، وكان المنزل يضم عدة عائلات ،والجميع كانوا يجلسون معا، أما السيدات فكن يقمن بالخبز معاً ،ولم نجد أى تفرقة ونواسى بعضنا البعض فى الأحزان ، ونشارك بعضنا فى المسرات. فى هذه المنطقة – مجمع الأديان – يقول عم عبد الله: لم نر فيها قط ما يسمى بالفتنة الطائفية ،ولا توجد فرقة بين المسلمين أو المسيحيين، وأنا أعمل بمسجد عمرو بن العاص، ومعنا من هيئة الآثار فى الإدارة مسيحيات يعملن بالمسجد، والمدير المسئول عن مضخات المياه بمسجد عمرو بن العاص مسيحى , كما أن الرحلات التى تأتى لزيارة المسجد من المسيحيين, مؤكدا أن زوارا مسيحيين يزورون المسجد.