الحرافيش أكثر الناس إحساسا بالحب وأقلهم تعبيرا عنه.. فالفقير قد لا يملك أدوات التعبير، بل لا يتذكر تلك المناسبات التى يجب أن يعبر فيها عن حبه وامتنانه لمن يحب.. ويزداد تهكم الحرافيش على من يغالى فى إظهار حبه لمحبوبه عن طريق الهدايا الثمينة التى تحتاج مبالغ مالية بقولهم "حب إيه اللى انت جاى تقول عليه.. انت عارف معنى الحب إيه؟!".. طبعا ده قصر ديل يا أذعر.. لكن الحرافيش لا يرون ذلك بعد أن أقنعوا أنفسهم بأن هدايا المناسبات وعطاياها هى مجرد بذخ لإظهار الرفاهية ممن لا يعرفون الحب.. ولمن لا يستحقون الحب أصلا.. يعنى غلاسة.. وكما يقول المثل "لا منهم ولا كفاية شرهم".. أكتب هذه المقدمة بعد قراءتى لرسالة أحد أصدقائى الحرافيش التى وصلتنى منذ فترة بمناسبة عيد الحب الأخير وكنت لم أستطع نشرها نظرا لكثرة الرسائل التى جاءتنى فى تلك المناسبة.. لكن تلك الرسالة ظلت عالقة فى ذهنى واليوم قررت أن أنشرها لكم ولصديقى الحرفوش الذى أرسلها مع الاعتذار عن التأخير وقد جاءت الرسالة على النحو التالى: عزيزى الحرفوش الكبير.. هابى فلانتين داى.. معلش اعذرنى أيها الحرفوش الكبير، فلم أستطع كتابتها بالإنجليزية، كما أننى لم أعتد على النطق بها لأى شخص إلا من قبيل "التريقة" والاستهبال على الآخر، لأننى ببساطة لا أعرف معناها.. لكنى أظن أنها تعنى كل "عيد حب وإنت كويس"... فنحن الفقراء يا سيدى لا نهتم بمثل هذه الأعياد ولا ننتظرها ولا نشعر بانقضائها وكأنها لم تكن.. يعنى أنا مطلوب منى أن أستيقظ فى الخامسة صباحا حتى ألحق طابور العيش.. ثم أمر على عم ذكى لأشترى الفول والطعمية، وهذا هو إفطار زوجتى والأولاد قبل ذهابهم للمدارس.. ثم أذهب لعملى وأعود لأنام ساعتين وأقتات لقيمات الغداء مع أبنائى.. لأذهب للعمل الإضافى الذى يساعدنى فى سد عجز موازنة المرتب الذى أحصل عليه من العمل الأصلى.. وكل هذا ليس من أجلى بل من أجل أبنائى وأم أبنائى، كى لا يمدوا أيديهم لغير الله ولا يحتاجوا لأحد.. يقول مرتاحو البال عنى إننى أحب أبنائى وأمهم زيادة عن اللازم، وأبنائى يصفون حبهم لى لزملائهم فى كل مناسبة.. لكننا أنا وأبنائى لم نقدم يوما هدايا عيد الحب هذا لبعضنا البعض، ولم نتبادل التهانى، لا لشىء سوى لأننا نعتبر هذا من الرفاهية التى هى ليست من حقنا.. هى فقط من حق أناس آخرين كنا نظن أننا سنتساوى بهم عقب ثورة الشباب فى 25 يناير.. واطمأننا أكثر عندما جاء إلى الحكم أحد دعاة الإسلام كما كنا نظن... أتارى يا عمنا الحرفوش الكبير اتضح أن هناك إسلاما آخر غير الذى كنا نعرفه، وهو الإسلام السياسى الذى لا يهتم إلا بالوصول للحكم ولا يبالى إلا بالبقاء فى الحكم، وطظ فى الحرافيش والفقراء والمطحونين فى هذا الوطن.. الحرافيش يا سيدى لا يكذبون.. فجاء الإسلام السياسى ليعلمهم الكذب واللوع.. الحب عندنا يا سيدى ليس له عيد ولا تقيمه الهدايا.. فلا نحن نملك القدرة على شراء هداياه مهما قلّت تكلفتها، ولا نحن لدينا الوقت الذى نتذكر فيه مثل هذه المناسبات.. طبعا هتقول لى كلام زى كلام التليفزيونات: هات وردة والحاجات دى.. طب أنا أحرج نفسى وأجيب وردة ليه وأظهر بمظهر العاجز طالما إن المدام مش فى دماغها أصلا عيد حب ولاعيد كراهية؟! واحد جارى رأى احتفالات عيد الحب على شاشة التليفزيون وكانت بجواره زوجته، فنظرت إليه نظرة تعنى "احنا فين من الحاجات دى؟".. سمع جارى حديث زوجته وأنينها المكتوم، فشعر الرجل بالحرج عندما نظر إلى جلبابها المرقع الذى لا تبدله إلا بجلباب آخر أكثر منه رُقعا، فخرج فى صباح اليوم التالى إلى عمله، وعندما عاد أحضر لها قطعة قماش وقال لها هذه هدية عيد الحب يا حياتى لتفصليها جلبابا بدلا من هذا الجلباب المرقع.. فرحت الزوجة وأخذت تدعو لزوجها، وقضيا ليلتهما فى حب وسعادة، وكانت ليلة يا عمدة.. استيقظ الرجل بصعوبة فى صباح اليوم التالى ليخرج إلى عمله فبادرته الزوجة بقولها: عايزة 50 جنيها يا سى محمد علشان أفصل القماشة.. فقال لها: يا أم أحمد سعر القماشة 20 جنيها فكيف يكون تفصيلها ب50 جنيها؟! .. قالت: دى أسعار معروفة يا سى محمد! .. فقال لها: طب لايميها على الصبح وسيبينى أروح الشغل.. بالفعل ذهب جارى إلى العمل، وعندما عاد وأثناء جلوسه بين أبنائه لتناول الغداء قالت له زوجته: متى سأذهب للخياطة يا سى محمد؟! .. فقال لها: ملعون أبوكى وأبو سى محمد وأبو الخياطة وأبو اليوم اللى جبت لك فيه القماشة! شعرت أم أحمد بالحرج أمام أبنائها، فانهالت على زوجها بالتوبيخ من عينة "أنا مستحملة الجوع والحرمان والبهدلة معاك علشان نربى العيال.. ويوم أن تذكرت أن تهدينى بقطعة قماش تستكتر عليا ثمن تفصيلها.. جبتها ليه.. عشان أبروزها وأعيش على ذكراها.. أم لألفها سارى كما يفعل الهنود؟!".. فوقف أبو أحمد أمام الطبلية وسب زوجته وهددها بالطلاق إذا لم تقدر أنه متعب من العمل طوال اليوم، وهنا أخذت تتمتم بكلمات لم يفهمها، فشعر بالإهانة أمام أبنائه، فأقسم عليها أن تذهب لوالدتها حتى تعيد تربيتها من جديد.. وهانحن نحاول الإصلاح بين جارى وزوجته، وكل هذا بسبب هدايا عيد الحب.. كل هذا يا سيدى لأنه فعل فعلا ليس من شيمنا، ولم يكن لنا.. أشعر أنك تقرؤنى وتضحك.. وأعلم أن ضحكك هذا يشبه البكاء.. لأنك حرفوش مثلنا.. وتعلم أن من السخرية ما يبكى.. أو كما يقولون إن حياة الفقراء مليئة بالكوميديا.. لكنها كوميديا سوداء.. عندى من تلك الأمثلة الكثير مما يضحكك ويبكيك، لكننى لن أطيل عليك كى لا أضيع وقتك، لكن طلبى منك أن تبلغ رسالتى هذه للريس مرسى العياط، قل له إن إسلامك غير إسلامنا، ولو كنا نعلم ذلك ما كنا أخذنا زيتك ولا سكرك ولا دقيقك.. فأشياؤك هذه التى أهديتها لنا زادتنا معاناة على معاناتنا، لأننا كى نستخدم الزيت لابد لنا أن نشترى لوازم الطبيخ، وكى نستخدم الدقيق لابد لنا أن نشترى لوازم الخبز، وكى نستخدم السكر لابد لنا أن نشترى ما سنقوم بتحليته، فى حين أن أسرنا راضية باللاشىء.. فهداياك كى تصل للرئاسة ويصل إخوانك للبرلمان مثلها مثل هدية جارى محمد لزوجته أم أحمد ( قطعة قماش لكن ليس معنا ثمن تفصيلها ).. عموما يا ريسنا.. كل عيد حب وإنت كويس.. ولا نريد هداياك!