ما بين 1948، حيث إعلان قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين، و2012 حيث بداية الصعود للتيارات الإسلامية تغيرت دول وأنظمة وأفكار، وبقى المشهد العربي. ضاعت الأرض في غفلة أو تشرذم أو غباء من أهلها، المهم أنها ضاعت. اعتدنا في العقود الماضية على صراع داخل المجتمعات العربية بين الأنظمة الحاكمة والتيارات الإسلامية بشأن الاعتراف بإسرائيل، الأنظمة متهمة بالعمالة لأمريكا والصداقة الظاهرة أو الباطنة لإسرائيل، وبالتالي العداء للإسلام، وبين ضرورة حل المقاومة لأن العدو ليس له علاج إلا البتر. تغلي الدنيا في شوارع مصر مثلا لمجرد اعتقال شخص فلسطيني، وتعلو النداءات المطالبة بفتح الحدود، وخيبر خيبر يا يهود ويزداد اتهام الأنظمة. وبمجرد صعود التيار الإسلامي في مصر اقتحمت باحة الأقصى ثلاثة أيام متتالية، وفي كل يوم كنا نسمع عن شهيد أو مصاب في غزة جراء اعتداء إسرائيلي، والشارع المصري هادئ، فلم أجد مظاهرة واحدة، ولا تصريحًا من أحد، الهتافات، وحينما تسأل عن موقف الرئاسة أو الحكومة أو التيارات الإسلامية تشتعل الشجارات، فقررت الصمت، ومن هنا أخذت أفكر في الوضع الراهن: هل يمكن أن تكون المواقف قد تغيرت، والمعارضة كانت لمجرد المعارضة؟ أم أنها الضغوط والمسئوليات؟ أم ماذا حدث؟ وسارعت إلى ذهني قضية تتعلق بالموضوع، وهي قضية الاعتراف. أعني اعتراف الأنظمة الإسلامية بإسرائيل، واعتراف أمريكا بهذه الأنظمة، وموقف حماس من إسرائيل في ظل الأنظمة الإسلامية. لقد اعترفت أمريكا بالنظام الإسلامي بعد عداء له، ولا تكتفي بالاعتراف ولكنها تغازل الثورات في بقية الدول العربية، وهي تعلم أن الثورات في الغالب سوف ينتج عنها نظام إسلامي، لسيطرة الإسلاميين سواء في الشارع أو في الثورات نفسها. كما اعترف الإخوان بأمريكا كطرف فاعل في المسرح العالمي وتبادلوا الوفود بينهما، كذلك اعترفوا بالاتفاقيات مع إسرائيل، وهذا يتضمن اعترافًا ضمنيًا بها، وسعت في الأزمة الأخيرة لدى إسرائيل بصورة مباشرة، وهذا يضع حركة حماس في مواجهة إشكالية الاعتراف بإسرائيل، فإما عدم الاعتراف وساعتها يثور تساؤل: هل أخطأ الإخوان وانحرفوا عن المنهج باعترافهم، أم أن حماس متشددة ويصدق عليها اتهام أمريكا بأنها إرهابية؟.. وربما تعترف حماس بالكيان الإسرائيلي، وبالتالي تكون قد فقدت سبب وجودها الذي بني على مقاومة المحتل، ولم يعد هناك فارق بينها وبين حركة فتح التي تعتمد أسلوب المفاوضات لآخر نفس. إن الأنظمة القديمة أصبحت كالجواد الكسير لا يصلح للرهان عليه، فليست لها قاعدة شعبية تناصرها، وهذا يسبب اضطرابات في المنطقة قد ينتج عنها إحراج الموقف الأمريكي نفسه. ومن هنا ربما كان البديل لأمريكا هو النظام الذي ينتمي للتوجه الإسلامي، فهو أكثر التيارات شعبية وتنظيمًا، وأعتقد أن أمريكا قادرة على ترويضه، هذا إذا لم يكن هو مستعدًا لذلك من تلقاء نفسه، وهذا يجعل الصورة أكثر هدوءًا، والاعتراف أكثر شعبيةً، وتبقى القضية العربية.